بغداد مفلسة، لا أحد يصدق، بغداد تستدين من صندوق النقد الدولي رواتب موظفيها، وفق شروط مذلة، لا أحد يصدق، الخزينة فارغة، لا أحد يصدق، هل نصدق الإفلاس؟ الجواب نعم، ولكن من أفلس الخزينة؟ يقول أجدادنا: العراق أبو الخير، العراق أبو الخبزة، هذا الكلام حينما كان الشعير والحنطة العراقية تدخل في بورصة لندن، حينما كان العراق بلدا زراعيا ينتج من سواد أرضه ما يفيض عن سد حاجته ويصدر الباقي الى دول العالم والجوار، يصدر التمور والحبوب والخضروات ليجني أموالا طائلة ، وربما لا أحد يصدق أن بنوك سويسرا كانت ترفض ايداع العملة العراقية نتيجة لكثرة الفوائد والمستحقات من تلك البنوك على العملة العراقية، لان قيمة الدينار العراقي يساوي ثمنه ذهباً في البنوك العالمية، فكان أجدادنا يقولون: أن الدينار العراقي يذبح الطير! بمعنى قيمته الاقتصادية تهيء شراء كل شئ، بل كانت العملات تركع لقيمة الدينار في أسواق المال. وما يعززه وجود تنمية وأعمار وخطط، وبدائل، مع الاكتفاء الغذائي،
بغداد مفلسة، أمر لا يصدق البتة، هذا البلد الذي يملك نهرين عظيمين، وسهولا رسوبية، وشمسا ساطعة على طول السنة، وجبالا وأهوارا وثروة حيوانية وزراعية، يعاني الجوع والإفلاس. هل يعقل أن يتحول من بلد منتج الى بلد مستهلك؟ ومن يصدق أن العراق يستورد البصل والرقي والتمر والملح والخضروات من دول الجوار!، من يصدق أن العراق يستورد مياه الشرب من دول لا تملك غير مياه مالحة؟
أسئلة كثيرة تؤلم، حينما كانت معامل العراق تنتج وتصدر، بل دخلت جودتها الى الأسواق العالمية، وصارت مفخرة بعلامة صغيرة جداً توضع على أي مادة ومكتوبة بروح وطنية وهي:(صنع في العراق)، لشركات ومعامل ومنشأت كثيرة، حتى صارت معامل التعليب والجلود والأسمنت والبتروكمياويات والمبيدات، والزجاج، والأدوات الكهربائية والمنزلية والأجهزة المعمرة والأقمشة والسجاد والسكائر والإطارات والدراجات الهوائية وصناعة السيارات، والأدوية، صارت كلها علامات عراقية مختومة ببصمة وطنية فيها اسم العراق حضور ودلالة وإشارة تزرع روح المواطنة في بلد يتسع للجميع، ترى ماذا جرى لكي تعلن بغداد إفلاسها؟
كان يمكن أن تعمل إجراءات وقائية كما فعلت الدول المجاورة، بسبب انخفاض أسعار النفط، ولكن المشكلة بالفساد الكبير في جسد الدولة وبكل مؤسساتها والسياسات الفاشلة، فضلا عن الحرب ضد الإرهاب،ولكن ثمة أسئلة، هل الإفلاس نتيجة الفساد فحسب، بل تقصير وإهمال عن عمد في الإسراف والهدر في المصاريف دون حساب العجز، أم كلها مجتمعة، أم إفلاس احتيالي في ضروب التصريحات المتناقضة بين وزارة المالية صاحبة الشأن بوصفها وزارة معنية، والتي أعلنت بوضوح عن الإفلاس في الشهر الرابع، أم تصريحات المسؤولين في زرق أبر مورفين تخديرية في تأمين الرواتب لمدة عام. ولكن ما يؤلم حقاً أن الجميع يعرفون الأسباب، ولكن يتغاضون عن الحلول!
مقالات اخرى للكاتب