ونحن نعيش أجواء حرب انتخابات مجالس المحافظات.. بثت وسائل الاعلام على استحياء خبر اغتصاب طفلة لم تتجاوز السبع سنوات من قبل مجموعة من الوحوش البشرية تناوبوا على اغتصابها على مقربة من احد مراكز الشرطة في منطقة الوشاش.
ولاننا نعيش هذه الايام صولة السيد المالكي ضد المتظاهرين ، وننظر باستمتاع لقفزات صالح المطلك بين ضفتي الحكومة والمعارضة، وغارقين حتى أذنينا في مهرجان الخطابة الطائفي، وتخطفنا الصحف والفضائيات لنتابع اخبار السياسيين المزيفين، لم تتوقف ضمائرنا لحظة واحدة عند مأساة الطفلة "سماح"، ولم يهتم الجالسون على كرسي وزارة الداخلية باصدار بيان أو مجرد تصريح يوضح للناس ماذا جرى، والأخطر من ذلك ان نوابنا الاعزاء لم يغضبوا، ولم تلوح عالية بقندرتها غالية الثمن احتجاجا على ما حدث لهذه الطفلة البريئة .. والاصعب من ذلك ان المجتمع بأكمله أصيب بحالة من الصمم المزمن ازاء هذه الفواجع ، لان الجميع مشغولون "بمنازلة القوة والعزم" التي يخوضها المالكي، والبعض منا ينتظر اللحظة التي يقرر فيها جيش "العزة والكرامة" ان يقتحم أسوار بغداد.. للاسف نحن شعب اصيب ضميره بداء اللامبالاة ، وتجردت احاسيسنا من فضيلة الشعور بالاسى والالم تجاه معاناة الاخرين، فارتضينا ان نمارس دور المتفرج على مواطنين يقتلون بدم بارد في الموصل والانبار والبصرة وميسان وبغداد، وبلغت بنا حالة النشوة مع قواتنا الباسلة اننا نمنا مطمئنين ونحن نرى الحكومة تحشد كل قواتها ضد اهالي الاعظمية او السيدية ، وتغلق الطرق بوجه مواطنين من الانبار والموصل وصلاح الدين وديالى وكركوك.. فيما نرى هذه الحكومة وصناديدها البواسل يخبئون رؤوسهم في الرمال ازاء جريمة مفزعة مثل جريمة اغتصاب الطفلة "سماح".
كنت في هذا المكان قد كتبت قبل اسابع عن نماذج الحكومات التي تحترم الانسان وتقدر قيمة الحياة، وشاهدنا ماذا حدث في الهند، وكيف خرج الاف المتظاهرين احتجاجا على اغتصاب طالبة جامعية – وليست فتاة لم تتجاوز الستة أعوام- وقرأنا وسمعنا كيف اغلقت الطرق في العاصمة الهندية، واجبر رئيس الوزراء ووزير الداخلية على تقديم اعتذار للشعب على هذه الجريمة.. فيما نحن لانزال غارقين في الحديث عن الفوضى التي ستعصف بنا لو تخلى عنا المالكي، وماذا سيكون مستقبل البلاد لو صحت الناس يوما ولم تسمع تصريحا لعباس البياتي، او تغيب عنا ابتسامة رافع العيساوي، وماذا سيكون مصير الاجيال العراقية لو تخلت عنهم حنان الفتلاوي وغادر السيد خالد العطية للعيش في بلاده الثانية بريطانيا.
في بلاد الهند لا يزال رئيس الوزراء ورئيس البرلمان ووزير الداخلية يقدمون كل يوم اعتذارا رسميا عن جريمة الاغتصاب ، وفي بلاد كهرمانة والألف حرامي، لا احد يسأل ماذا جرى في لحظة اغتصاب هذه الطفلة الصغيرة؟ في بلاد الهند الحكومة بكاملها تحملت المسؤولية الاخلاقية والسياسية عن حادثة الاغتصاب، بينما في بلاد سياسيي الصدفة لا احد يسأل عن الناس التي تموت كل يوم بسبب التهريج الأمني، والسياسي.
أيها السادة اننا جميعا شركاء في هذه الجريمة إما بالصمت وإما باللامبالاة على أنها "مسألة لا تعنينا"، فما دام المجرم بعيد عنا فنحن مطمئنون، رغم ان ما جرى في قضية سماح يجب ان يشعرنا جميعا بالمهانة.. لاننا ارتضينا ان نتفرج على مأساتنا دون ان نحتج، ولو بابسط ادوات تغيير المنكر واعني الكلام.
الصمت والانكار هما جريمة اخرى نرتكبها في حق الطفلة سماح، وهي انتهاك لآدميتنا.. كنا قد رضينا وصمتنا على ما جرى من انتهاكات في السجون والمعتقلات، وكان البعض يتعامل مع ما يجري بأنه حق تمارسه قواتنا الباسلة، متناسين ان انتهاك القانون من قبل حماته سيجعل من المجتمع غابة يفرض فيها القوي قانونه، غير مدركين ان دولة تنتهك فيها الحقوق لا قيمة لها.. دولة تحمي المجرمين ويلعب ساستها على وتر العنف الطائفي ليست بدولة، دولة شعارها القانون فيما العدل والانصاف غائب لا يمكن ان تسمى دولة، دولة تحمي مقربيها واحبابها ليست بدولة.. مرة اخرى دولة لا يخرج فيها رئيس الوزراء ووزير داخليته معتذرين عن اغتصاب طفلة بعمر الزهور لا يمكن ان تنتمي للدول المحترمة.
مقالات اخرى للكاتب