لابد أن نصدق نائب رئيس الجمهورية خضير الخزاعي وهو يقول إن: "العراق دخل على خط الوساطة الدولية لحل أزمة الملف النووي الإيراني سلمياً"، الرجل كان يرد على من ينتقدون موقفه من ألازمة السياسية الاخيرة، فباغتهم بأن من حق إيران امتلاك الطاقة النووية.
أنا شخصيا أصدق كل ما يقوله السيد الخزاعي، وأعرف أن خطر تقسيم العراق، وشبح الحرب الأهلية، وتضخم ملفات الفساد وهشاشة الأمن وغياب الخدمات ، مجرد هواجس في عقول أصحاب الأجندات الخارجية.. ولمن لا يتذكر فإن هذه الملفات الخطيرة انتهت في اللحظة التي جلس فيها خضير الخزاعي على كرسي نائب رئيس الجمهورية.. ففي ذلك اليوم قالوا له إن متامرين وخونة، يقفون وراء تظاهرات الشباب.. فتحدث في جلسة سمر عن الدستور وأن الخروج عليه جريمة، دون أن يخبر مستمعيه، عن أي دستور يتحدث؟ دستور المالكي ام دستور جمهورية العراق، وماذا فعلت الدولة للمتظاهرين؟ هل تحاورت معهم، أم أن الدولة صارت على أيدي البعض جمهورية خاصة ترتع فيها الانتهازية والمحسوبية ؟ ولم يسأل نائب رئيس الجمهورية نفسه لماذا لا يستطيع ائتلاف دولة القانون الذي ينتمي إليه الحفاظ على الشراكة الوطنية وتعزيزها، ولماذا تدفع ممارسات أعضاء ائتلافه البلاد، إلى انقسام حاد يعوق أية محاولات للاستقرار؟
يعرف السيد الخزاعي جيدا أن ائتلاف دولة القانون منذ وصوله للحكم وأصحابه يحاربون مرة التيار الصدري، ومرة المجلس الأعلى، ومرات عدة العراقية، مرة علاقة خاصة مع أميركا ، ومرة علاقة ود مع أعدائها، مرة شهر عسل مع إقليم كردستان، ومرة حرب بلا هوادة، مرة يطالبون برمي العرب جميعا في بحر النسيان، ثم نصحو على خطب المقربين وهم يرفعون شعار أمة عربية واحدة، لكن الذي لا تفهمه الناس حتى هذه اللحظة كيف أصبح العراق بفضل جهود السيد الخزاعي وزملاء له في الحكومة ومجلس النواب يمتلك مؤهلات حل كل القضايا العالقة في العالم ؟ فيما يعجز قادته عن الجلوس على طاولة واحدة لشرب الشاي فقط لاغير .
لم تفاجئني تصريحات نائب رئيس الجمهورية هذه المرة ، فالرجل يعتقد اننا شعب يعاني الأرق وينتظر على احر من الجمر أن تحصل إيران على حق إنشاء مفاعل نووي.
لعل السؤال الأهم الذي يجب أن يواجهه السيد الخزاعي ، هو ماذا سيفعل لبلاد تسير إلى الهاوية.. وما رأيه بالتقارير التي نشرتها منظمات دولية حول ازدياد مستوى العنف في العراق، وما تفسيره للفشل في الخدمات والأزمات السياسية.. لماذا لا يخرج علينا يندد ببضاعة الكراهية التي هي كل ما تبقى عند مسؤولينا وسياسيينا.. ولماذا يصر هو وائتلافه الموقر على تحويل الكراهية إلى خطاب يومي يصور للبسطاء ، أن معاداة الآخرين هي الطريق إلى الجنة..
هل لدى نائب رئيس الجمهورية شيء يحمى العراق من هذه الكوارث.. مثلما يردد بين الحين والآخر أنه وائتلافه قادرون على حل مشاكل سوريا وإيران.. الناس بانتظار أن يطمئنهم الخزاعي على سياسات وطنية لا تعتمد على "صولات" بعض المقربين الذين يعتقدون أنهم وحدهم القادرون على إدارة البلاد بعقلية إقصاء الآخر وتخوينه.
لقد أثبتت الوقائع أن ائتلاف دولة القانون ليس لديه مشروع غير كلمات الإنشاء المحشوة بعبارات من عينة المؤامرة الخارجية، والاعلام المغرض، ويتصورون أنهم أبطال خارقون سيحلون ما تعجز عن تحقيقه دول كبرى،وهي خرافات وأوهام لا تنافسها ، إلا أوهام الرئيس السوداني عمر البشير الذي خرج علينا قبل أيام ليقول إن الربيع العربي انطلق من أرض السودان .
ألا يحق لنا أن نسأل السيد نائب رئيس الجمهورية وصحبه الأفاضل أين ذهبت وعودهم المتعلقة بالرفاهية الاجتماعية وإشاعة مبدأ العدالة الاجتماعية؟ لماذا لا نجد صوتا واحدا يقول إن الحكومة فشلت وإنها غارقة في مستنقع الانتهازية والمحسوبية والرشوة وسرقة المال العام.
للأسف نجد اليوم أن هموم العراقيين ومعاناتهم وضعت كآخر سطر في أجندة أعضاء ائتلاف دولة القانون، فهم يحتدّون ويتعاركون من أجل البحرين وتحت أنظارهم يعيش أكثر من ربع العراقيين تحت خط الفقر، يحاربون من أجل استمرار نظام بشار الأسد ويتفرجون على الناس وهم أسرى احتياجاتهم، يزعقون في الفضائيات من أجل حرية الرأي في السعودية، ولا يحترمونها على أرض بغداد أو البصرة أوالانبار ، سياسيون لا يرون خلاص العراقيين من أزماتهم ومحنهم إلا في عقد مؤتمرات للقمة وبحث الملف النووي الإيراني ، والاستفادة من تجارب جزر القمر وموريتانيا في الصناعات الثقيلة
السيد الخزاعي.. إن حماية الديمقراطية وضمان استمرارها وبقائها أصعب من تزويقها بخطب وشعارات، وبناء نظام ديمقراطى تنافسى متكافئ لجميع المواطنين، أهم من مناقشة حق إيران في امتلاك مفاعل نووي، وإلا فالناس ستبقى تطرح السؤال المهم:هل يمكن إنقاذ العراق من إفلاس دولة القانون؟ وكيف؟
مقالات اخرى للكاتب