لقد مارس الامام (ع) حرية الرأي والفكر والديمقراطية منهجاً وسلوكاً مع رعيته ,ولم يستخدم الاقصاء الفكري ,وقوة سلطته في مصادرة الاراء ووجهات النظر وتشريد المعارضين له في الأمصار,سمح بممارسة النقد له ولحكومته ,ودعا لأختياره وسط المسجد وامام سائر الناس وشهود الأعيان ,قدم انموذجا تاريخيا صادقا لحرية التعبير عن الارادة الشعبية في بيعته التي يقول عنها (ع) : "بايعني الناس غير مستكرهين ولا مجبرين ,خرج من الدنيا بقطيفة مرقوعةٍ ,لم يترك ملايين ومليارات الدولارات ينعم بها أجيال أجياله ,وقصور فخمة تناطح السحاب,وأرصدة في حسابات سرية ,كان ينظر الى السلطة ليس استمكالاً لقصوراً ذاتي ولمنزلة بها وجاهة اجتماعية بين قومه وأمته ,ان الامام علي كان يريد سلطة مكشوفة للناس ،هي سلطتهم انفسهم التي تستحق فيها ارقى صورة للادارة الذاتية والتسيير الذاتي وانها سلطة المجتمع الفعلية من الشعب وإلى الشعب وليست السلطة المزدوجة التي تضمر على نحو وتبطن نحو اخر ويظهر ان هذا الرأي صائب وتسنده كثير من اقوال وافعال الامام (ع) في ميدان الحكم إذ كان (ع) يقول : "الا وان لكم عندي الا احتجز دونكم سراً الا في حرب ولا اطوي دونكم امراً الا في حكم ,بل كان يجد بها مسؤوليةٌ اخلاقية وأنسانية وسبباً من أسباب الله لنصرة المظلومين ورفع الحيف عنهم ,وقضاء حوائج الناس واحقاق الحق ,وهو يقول :{ما أصف من دار أولها عناء وآخرها فناء ,في حلالها حساب وفي حرامها عقاب ,ومن استغنى بها فتن ومن افتقر فيها حزن } لم نسمع في يوماً ما أن بريد مقدرات الناس تأخر توقيعه شهوراً ,أو هامشاً له يتوارى عن الأنظار من تحت مكتبه بسبب مدير مكتبه أو سكرتيره ,كان ينتقي ولاتها وينتخلهم بعد مخاضٍ عسير,بأتباعهم الشفافية السياسية مع الجماهير يقطع كل جدال في هذا الشأن اذ قال(ع):"وان ظنت الرعية بك حيفاً فأصحر لهم بعذرك واعدل عنك ظنونهم باصحارك" ,ويوصيهم بالمحتاجين (انصفوا الناس من انفسكم واصبروا لحوائجهم فانكم خزان الرعية ووكلاء الامة )كني أبا تراب لأنه يجمعه ويجلس عليه تواضعاً وسماحةٍ ,يقولون
عنه أنه ليس برجل حرب ,لأنه لايفتك ويقطع الرؤوس ,ويحمل روح الدعابة لأنه مبتسم ,ماذا حل بكم وبأفتراءاتكم وبهتانكم ؟كان الأصلاح خارطة مترجمة في دولته ,كان يقول ويفعل وثوابته لاتجزأ ,ارادوا منه مراراً وتكراراً أن يتعامل مع الاختلاف والعاملين به بشعرة معاوية بين الشد والجذب لمنع قطعها ,والمفارقة أن أولاده كانوا معه في جميع حروبه ,ولم تسند اليهم أي منصب رسمي في دولته المترامية الأطراف أو أعطيت لهم مقاطعة أو مقاولة أو راتباً يفضلون به على آلأخرين ,كانت آلياته في تحقيق مشروعه الاصلاحي هم اصحابه الخلصاء الذي ثبتوا معه على مدار المحن والتحديات التي ألمت به ,وقفوا معه لأنهم يعرفون أن الحق معه وهومع الحق ,وكان يحاسب القضاة والولاة ويقول لهم من (من أين لكم هذا ) ليسد الطريق امام كل من تسول له نفسه التطاول على المال العام .. و يخضع للقانون كل من وردت شكوى بحقه حتى بشبهة فساد للتاكد من كسبه ان طرأت اي زيادة غير طبيعية على امواله ,لم يمتلك الحكام والحاقدين والمتربصين به طيلة (1400)عام من البحث والتقصي ملف واحد من ملفات الفساد الأداري والمالي مورس في عهده أو كان له ولأولاده ضلعٌ فيه ,والسبب في ذلك أنه مصلح مؤمن بمشاريع أخذت أبعاد ومديات عديدة لحياة الانسان ,لم يلجأ لسياسة أخفاء الملفات في الادراج وأخراجها ومساومة المناوئين لحكمه الذي عارضوه وتآمروا عليه ,تحت شعار واحدة بواحدة ,حتى قاتله أعطي له الأمان وهو يسبح في دمه بمحرابه ,كان واضحاً كوضوح الشمس في عدله وتوزيعه للعطاء من بيت المسلمين لم يستثني مسلم أومسحي أويهودي منه ,فكرامة الانسان الأنسانية فوق كل أعتبارعنده وحفظ ماء الوجوه ديدنه ,كم ملف وملف من اموال ومقدرات هدرت وذهبت دون رجعة ونام عليه التراب بذريعة حماية الوحدة الوطنية والعملية السياسية ,ماقيمة الحديث عنه ونحن نسلك سلوكاً عكسه تماماً ,ونمارس الوقيعة والفساد في وضح النهاربأسمه وتحت عباءة قبته , لذلك نتفق مع ما ذهب اليه الشيهد الاستاذ مطهري من ان الحاكم عند الامام هو " حارس امين على حقوق الناس ومسؤول امامهم وان كان لابد من ان يكون احدهما للأخر فالحاكم هو الذي جعل للناس لا ان يكون الناس للحاكم ",لذلك نجد هناك بعد أنساني للعلاقة بين الحكام والمحكومين والذي تلمسه الامام قائلاً: "وجعلكم من الوالي وجعل الوالي منكم بمنزلة الوالد من الولد "، بل ان الامام يعلنها بكل صراحة ووضوح كصرخة تمزق دياجير الاستبداد والكبرياء لكل
الحكام والملوك قائلاً : " الامام اجير الامة " هل نحن على خطاه ومسيرته ؟ وهل أجير الأمة يخدم الأمة فعلاً ؟ .
مقالات اخرى للكاتب