لا شك أن أي نظام أقتصادي في الوجود مرتبط بشكل أو أخر بنوع المنتج السلعي الأساسي الذي تتركز فيه قوة وسائل الأنتاج وتركز معه دور السلعة في بناء هذا النظام، في المجتمع القبلي والرعوي وحتى المجتمعات الزراعية البدائية يعتمد النظام الأقتصادي فيها على الأرض كمصدر للتسليع بما تنتجه أو توفره من مفردات أنتاجية يمكن تحويلها للسلع أو خدمات مسلعة تساهم في ربط الإنسان بالأرض عبر النظام الأنتاجي، هذا الواقع جعل أحادية السلعة هي السمة البارزة في النظم الأقتصادية القديمة والتي مع أستمرار بقاءها ساهمت إلى حد ما في جعل العلاقة ثنائية محورها الأر ض والإنسان فقط.
التطور الأهم والمحوري كان هو أكتشاف حقول أقتصادية أخري يمكن للإنسان من خلالها أن يطور وينمي نظامه الأقتصادي الفردي لكنه لم يصل به إلى درجة سلعنة النظام الأجتماعي العام إلا في حدود ضيقة وباتت العلاقة الأقتصادية يمكن تصورها على أنها أكثر من ثنائية، كانت البداية الأولى هي جعل الإنسان نفسه سلعة وخصوصا نتيجة الحاجة أو الظرف الناتج عن التنازع الأقتصادي أو الأجتماعي المحلي فظهرت مثلا تجارة العبيد وتجارة الدعارة وحتى مفهوم الإنسان أداة عمل يمكنها أن تكون سلعة تتداول في السوق ببعض الأعمال الغير مرتبطة مباشرة في الأرض مثل التطبيب الأولي والسخرة وحتى ما يسمى بالكهنوتية الدينية حين تحول الدين إلى عمل فردي منتج للفرد.
هذه الصور من سلعنة الإنسان وتحويله إلى مفردة أقتصادية تطلب منه أن يجرب أنماطا غير أعتيادية من علاقات العمل ، منها ما يتعارض مع القوانين الطبيعية ومنها ما يتعارض مع القيم الأجتماعية والتي بقي جزء منها معارضا لهذا التسليع ولكنه لم ينجح في إلغاء المفهوم والممارسة لأسباب كثيرة أهمها العجز في إيجاد البديل المناسب الذي يعالج أسباب التحول ويعيد رسم العلاقة الأقتصادية حتى جاءت الثورة الأقتصادية وبداية عصر التحولات الكبرى التاريخية التي غيرت ونوعت من نمطية التسليع وشكلية العلاقة الأقتصادية بين الإنسان والإنسان.
عالم الثورة الصناعية ما بعدها أنتج لنا شبكة علاقات متعددة ومتنوعة وتدخلت فيها مفاهيم لم تكن موجوده مسبقا في كل النظم الأقتصادية، منها مفهوم الألة وسعة الأنتاج السلعي وتنوعه وتغيير في مفاهيم السلعة التي كانت تتركز على الجانب المادي فقط فتحولت مثلا الخدمات المرافقة لعملية الأنتاج والمؤسسة والمطورة والبحث العلمي ومفاهيم أخرى إلى مفهوم السلعنة، فبات المفهوم أكثر شمولية وأسع في تحديد مفهوم النظام الأقتصادي ذاته، الخدمات المالية والمصرفية ميزت بعظم النظم الأقتصادية وباتت بعضها الأخر يعتمد على مفهوم مطاط لنوع السلع ودرجة أهميتها في المجتمع حتى أن أفكارا ومفاهيم تم تداولها لم تكن جزء من منظومتنا المعرفية قبل الان مثل الخدمات السلعية العابرة للزمن والمكان وحتى العابرة للعقل.
ولكن تبقى هناك أجزاء لا إنسانية في هذه المنظومة المعقدة والمتشابكة من السلع الأقتصادية وخاصة تلك التي تتعلق بالإنسان ككائن له خصوصياته التي لا يمكن تحويلها إلى مفردة أقتصادية ولا من المنطق الأخلاقي أن تكون كذلك، نجد مثلا ظاهرة الرقيق الأبيض المنتشرة اليوم وسلعنة المرأة في منطوق أقتصادي لا إنساني يتعارض مع حق الإنسان في الوجود ككائن محترم من أساسيات وجوده أن يكون سيدا لا عبدا للنظام الأقتصادي، كذلك موضوع تشغيل الأطفال وأستغلال المهاجرين وتجارة الأعضاء البشرية والأخطر من ذلك سلعنة الدين والعقائد وتحويلها إلى منهج أقتصادي ممهد لمنج وهدف سياسي مرتبط بمصالح كارتلات وشبكات من المصالح والاستراتيجيات العالمية المرتبطة بتجارة الموت والسلاح والأعمار وإعادة تدوير الموارد المالية بطريقة الأستنزاف الممنهج لأقتصاديات الدول أحادية المصادر وأحادية السلعة مثل الدول النفطية أو التي تعتمد مثلا على منتوج واحد محدد ولكنه استراتيجي.
مقالات اخرى للكاتب