رص البعض على الإقامة والسكن في الأحياء ذات المساكن الكبيرة والمتباعدة والخالية من الأسواق والزحام بالناس٬ قد يحتاج منهم إلى إعادة مراجعة. وفي جانب الحفاظ على الصحة وتهيئة الظروف الملائمة لذلك٬ ثمة عوامل قد لا يعلمها البعض٬ ولكنها إيجابية وتساعد المرء على ممارسة سلوكيات نمط الحياة الصحية٬ ومن ذلك بيئة وسمات الحي الذي يسكن المرء فيه. وضمن عدد الأول من أبريل (نيسان) لمجلة «لانست» الطبية البريطانية (٬(The Lancet نشر الباحثون من جامعة كاليفورنيا بسان دييغو نتائج دراستهم حول تأثيرات بيئة الحي السكني والجيران على ارتفاع فرص ممارسة المرء للأنشطة الرياضية البدنية٬ وخصوًصا نشاط المشي٬ أي لمعرفة ما هي أحياء المدن التيُيمكن وصفها بأنها «صديقة للنشاط البدني»Physical Activity Friendly. وشملت الدراسة نحو سبعة آلاف شخص من البالغين تراوحت أعمارهم ما بين 18 و66 سنة من العمر وذلك في 10 بلدان من العالم. وأفاد الباحثون في نتائج دراستهم بأن الأشخاص الذين يعيشون في الأحياء المزدحمة Bustling Neighborhoods يقومون فعلاً بممارسة رياضة المشي أكثر من غيرهم الذين يسكنون أحياء غير مكتظة بالسكان وغير مزدحمة في طرقاتها وشوارعها٬ وتحديًدا ينجحون في الحصول على فرصة للمشي تفوق 90 دقيقة إضافية٬ وأكثر أسبوعًيا٬ بالمقارنة مع سكان بقية الأحياء الأخرى الأكثر هدوًءا والأقل ازدحاًما في المدن. وأضاف الباحثون في نتائجهم أنه٬ في المتوسط٬ يقوم المشاركون في الدراسة عادة بنحو 37 دقيقة من النشاط البدني المعتدل٬ مثل المشي السريع أو ممارسة أنواع أخرى من النشاط البدني المتوسط الشدة. وأنه بالعموم٬ وبغض النظر عن نوعية الحي السكني٬ كان سكان مدينة بالتمور المشمولين في الدراسة يقومون بأدنى مستوى من النشاط البدني مقارنة بالمشمولين الآخرين في الدراسة من سكان المدن الأخرى٬ وتحديًدا فإن متوسط النشاط اليومي في بالتيمور نحو 29 دقيقة يومًيا بينما في ويلنغتون بنيوزيلندا بلغ ما يفوق 50 دقيقة يومًيا. ولكن٬ كما أفاد الباحثون٬ الذين يسكنون في أحياء مزدحمة وذات طبيعة «صديقة للنشاط البدني» قاموا بساعة ونصف الساعة أكثر وإضافية من النشاط البدني في الأسبوع٬ وهذه الأحياء هي الأحياء ذات الكثافة السكانية العالية وبها عدد أكبر من تقاطعات الشوارع ومن أماكن التسوق ومن محطات النقل العام ومن الحدائق التي هي ضمن مسافات قريبةُيمكن للمرء أن يصل إليها بالمشي. وعلق الدكتور جيمس سالس٬ الباحث الرئيس في الدراسة من جامعة كاليفورنيا٬ بالقول: «الأحياء ذات الكثافة السكنية العالية تكون ذات شوارع متصلة وتكثر فيها المحلات التجارية ومواقع تقديم الخدمات٬ وهو ما يعني أن الناس سيكونون أكثر عرضة للمشي إلى المحلات التجارية المحلية وإلى محطات النقل العام». وأضاف: «ومن المثير للاهتمام أن قرب أو بعد محطة النقل لم يكن ذا علاقة بزيادة مستويات النشاط البدني٬ بل إن زيادة عدد تلك المحطات وتنوع مساراتها هو ما رفع من مستوى النشاط البدني لسكان الحي٬ وهذا قد يعني أنه مع توفر مزيد من الخيارات٬ فإن السكان سيمشون إلى محطة توقف وسيلة النقل التي تناسب احتياجاتهم. كما كان عدد المتنزهات والحدائق المحلية أيًضا عاملاً مهًما٬ لأن الحدائق العامة لا توفر فقط أماكن لممارسة النشاط البدني٬ ولكن أيًضا توفر بيئة لطيفة للناس تدفعهم إلى المشي إليها». ووفق ما تشير إليه المصادر الطبية٬ فإن تدني مستوى القيام بالنشاط البدني اليومي مرتبط بنحو 5 ملايين حالة وفاة عالمًيا في كل عام٬ وذلك نظًرا لأن تدني ممارسة النشاط البدني اليوميُيعتبر أحد عوامل خطورة الإصابة بأمراض الشرايين القلبية والدماغية ومرض السكري وارتفاع ضغط الدم والسمنة وأنواع من الإصابات السرطانية٬ وصحيح أن «تدني ممارسة النشاط البدني اليومي» Lack of Physical Activity ليس «عامل خطورة مستقلاً» Independent Risk Factor في ارتفاع احتمالات الإصابات بهذه الأمراض٬ ولكنه يظل عاملاً ذا تأثيرات متشعبة على عدد آخر من عوامل الخطورة المستقلة التي بذاتهاُتؤدي إلى ارتفاع الإصابات بتلك الأمراض. والواقع أن تأثيرات بيئة الحي السكني في المنظور الطبي والدراسات العلمية تفوق ما قد يتصوره البعض. وعلى سبيل المثال٬ ما أشارت إليه أخيًرا دراسة الباحثين من جامعة جون هوبكنز في بالتيمور٬ المنشورة ضمن عدد مارس (آذار) من مجلة علم نفس المجتمع ٬Journal of Community Psychology أن وجود ورؤية الفئران في المنزل ولدى البيوت المجاورة يرفع من احتمالات الإصابة بالاكتئاب. وأن احتمالات الاكتئاب ترتفع بنسبة 75 في المائة٬ لدى من يعتبرون الفئران في المنزل مشكلة كبيرة مقارنة بمن لا يرون ذلك. والملاحظ أن أحد عوامل نجاح الرحلات السياحية وقضاء الإجازات العائلية في تجديد الحيوية النفسية وتخفيف الوزن وتنشيط الجسم هو السفر إلى المدن السياحية والتجول في مناطقها المكتظة والسير في أسواقها وزيارة الأماكن الترفيهية الأخرى فيها. والحرص على ممارسة ذلك طول العام يتطلب لجوء المرء أكثر نحو التقليل من استخدام السيارة في التنقل والمشي من المنزل إلى أماكن التسوق والذهاب إلى الحدائق وغيرها٬ وهو ما تتهيأ ظروفه بشكل أكبر في أحياء دون أخرى من المدن الكبيرة
مقالات اخرى للكاتب