وطالما الحصار سياسي فلا يهمّ مكان اتّخاذ قراره من خارج العراق أم من داخله لكنّه يتشكّل بهيئات ,فإن اتّخذ من خارج العراق شكّل شكله بشكل, وإن اتّخذ من داخله, فيشكّل بشكل آخر ,فإن احتجت "سكائر مارلبورو" مثلًا في زمن الشكل السابق من الحصار ,فيمكنك الحصول عليه بالسرقة أو بالارتشاء أو بالتهريب ,وإن احتجت اليوم نفس النوعيّة من السكائر القاخرة فعليك الارتشاء أو السرقة أو بتداول الممنوعات ..حصار العراق قرار سياسي دائمي لا يزول فقط يتغيّر شكلًا.
الظنون ,حاجة إنسانيّة ,والظنّ أحد أهمّ أساسيّات الحلّ ,مثلما هو أحد أسباب الفتن ,يبقى الأمر متأرجح بين هذا وذاك بحسب حامل الظنّ, وقالت العرب ..على لسان القرآن الكريم: (إنّ بعض الظنّ إثم), لم تقل كلّ الظنّ بل بعضه ,لأنّ البعض الآخر الأكثر عددًا كما هو واضح من خلال النصّ ,هو لصالح الإصلاح.. وأكثر ما يتلبّس الظنّ بالخير وبحسن المآل هم الفقراء والمعوزون والمحرومون والمدقّعون والمتشضّفين.
ثلاثة عشر عامًا مضين على التخلّص من الحصار وإطلاق سراح الحرّيّات المكبّلة والانفتاح على العالم وفق خطّة معدّة سلفًا في البيت الأبيض تبدأ بإزاحة الدكتاتور ,كما هو مرسوم في ظنون العراقي المدقع ظنّ الخير بالبيت الأبيض ,ثمّ الانطلاق لإكمال برنامج فيلد مارشال بجعل العراق بين ثلاث خيارات لمرحلة محسوبة من التقدّم يضاهي بها: أمّا كوريا الجنوبيّة ,أو اليابان ,أو ألمانيا ,من المفترض أن يتمّ ذلك عبر أعضاء معارضة عراقيّون مطبّعين بقيم حضاريّة غربيّة متقدّمة جدًّا ثبت مظلوميّتهم في سجلّات الغرب كمناضلون ومجاهدون ,فتشكّلت بهم ومن بينهم حكومة لخدمة العراقيين وانتشالهم من مجاعة ضربت أطنابها عليهم 13 عام والقفز بهم عاليًا:
الخدمات اليوم ..سيّئة للغاية مقارنةً
المديونيّة ,كانت مبرّرة ,الآن مبرمجة لغرض الانهاك المزمن
الأسعار ,لنقل متكافئة ,رغم إجحافيّة القول بذلك, ذلك أنّ تلك الفترة لم تشهد سيول الشحّاذين بهذا الكمّ المتدفّق ,وبمئات الألوف من الأطفال بين سنّ طفولي يجرّم مسبّبه لدفعهم للعمل قانونًا بين بائع يبيت الرصيف ثمّ يصحو عليه ليكون قريبا من مكان عمله وهو "الشارع", وبين صبيّ وشاب لا يجد فرصة عمل تليق ببلد مثل العراق يعيش بها شبابه.
الوضع الداخلي السياسي المرتبط بالخارجي محبط لأيّ فرد واعٍ ومشّكك بمستقبل استقرار العراق ووضعه السياسي القابل للتفكيك بجرّة قلم بدون بوارج وجيوش ,وذلك لم يكن موجودًا في السابق بل العكس.
لنعد إلى أصل الموضوع "الحصار" ,لأن المقارنة تطول فالحصار هو هو , ما دام الحصول على لقمة العيش لا زال يمثّل الأولويّة فلا تثقيف ولا تقدّم رياضي ولا ممارسات نشاطات اجتماعيّة صحيحة بل في تدهور تعوّدنا عليه لا مانع فيه أن نستقبل تدهور أسوأ من دون ان نحسّ.. الآن الخارج السياسي أصبح داخل البلد يقوم بتنفيذ أجندة السياسات الخارجيّة ودليل استمرار سياسة الحصار بإرادة خارجيّة أنّ أسماء المرشّحون للانتخابات دائماً هم هم, مثبّتة في ويكيبيديا ,يذهب (مشعان) يأتي بديلًا (ماجلّان) ,يذهبا يظهر اسم فلان فائزةٌ أو فائزًا بالانتخابات ثمّ يعود فلان في الانتخابات المقبلة أشبه بعمليّة تدوير خامات.
وهنا يثار تساؤل محيّر لا زال يشغل بال المصريين أبًا عن جد لم يجد حلًّا منذ أيّام حكم الفراعنة أيّام الملك الفرعوني تحتموس الحلّاق: "هل يا ترى الفول من الطعميّة ؟ أم الطعميّة من الفول"؟
مقالات اخرى للكاتب