أعلن إئتلاف دولة القانون الذي يتزعمه رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي ومنذ إنطلاق الحملة الأنتخابية الأخيرة عزمه تشكيل حكومة أغلبية سياسية منطلقا من إدعائه بأن احد الأسباب الرئيسة لفشل الحكومة الحالية في إدارة البلاد هو كونها حكومة محاصصة بالرغم من ان الواقع يكذب ذلك, إذ ان الحكومة الحالية هي حكومة أغلبية سياسية يهيمن إئتلاف دولة القانون وحلفائه على أركانها.
وكان الأئتلاف يعول على الفوز بغالبية مريحة تمكنه من تمرير هذا المشروع إلا ان عدد المقاعد البرلمانية التي حصل عليها مؤخرا والتي لم يطرأ عليها سوى تحسن طفيف قياسا بإنتخابات العام 2010 ,قد ضعفت من حظوظ المالكي في تشكيل حكومة أغلبية سياسية. إلا انه لازال يصر على تشكيل حكومة أغلبية سياسية يدعي إمكانية تمثيل جميع المكونات فيها, فما هي إمكانية ذلك؟
وقبل الأجابة على هذا السؤال لابد من الأشارة الى أن تشكيل حكومة أغلبية من تحالف واحد أمر غير ممكن في العراق حاليا نظرا لأن جميع التحالفات والقوى السياسية هي إما طائفية او قومية او يهيمن عليها لون طائفي معين إذا ماستثنينا التحالف المدني الديمقراطي الذي يمثل محاولة في تأسيس قوة وطنية غير خاضعة للتجاذبات الطائفية والقومية. ومع اجواء إنعدام الثقة بين المكونات ولترسخ سياسة المحاصصة التي جاء بها الأحتلال الأمريكي فيصبح تشكيل حكومة من طيف واحد أمر مستحيل حتى لو فاز ذلك الطيف بغالبية مقاعد البرلمان.
وهو مايؤكد عليه التحالف الوطني الشيعي الذي فاز بقرابة 180 مقعدا برلمانيا تمكنه لوحده من تشكيل مثل هذه الحكومة وفقا لقواعد اللعبة الديمقراطية الجارية في أنحاء محتلفة من العالم, إلا هذا التحالف تجمع قواه على رفض مثل هذه الحكومة وتؤكد على تشكيل حكومة تضم جميع المكونات العراقية وبغض النظر عن طبيعتها سواء أكانت حكومة أغلبية او حكومة شراكة وطنية او حكومة أقوياء.
ولذا فإن تشكيل حكومة أغلبية سياسية يقتضي من جهة ضمان أصوات أغلبية من البرلمانيين وتمثيل عادل لمختلف المكونات العراقية من جهة أخرى. وإذا بدأنا بحساب الأصوات البرلمانية التي فازبها إئتلاف دولة القانون وحلفائه من القوى الشيعية فهي لاتتجاوز ال 125 على أفضل التقادير اذا فرضنا إنضمام تيار الأصلاح وكتلة الفضيلة واللتان لم تعلنا لحد اللحظة إنضمامها لأئتلاف دولة القانون. علما بان الأرقام الرسمية تشير الى ضمان هذا الأئتلاف حاليا ل 112 صوتا بعد ضمه لكل من إئتلاف العراق وكتلة الكفاءات والتضامن وتحالف صلاح الدين وغيرها من المجموعات الصغيرة.
ولضمان تلك الأغلبية فلابد للمالكي من كسب 40 صوتا برلمانيا آخرا على الأقل ولابد ان يمثل هؤلاء كلا من المكون الكردي والمكون السني, واما ضم مكونات شيعية اخرى مثل المجلس الأعلى او تيار الأحرار فهذا يعني ان الحكومة المقبلة ستكون حكومة شيعية بإمتياز وتمثيل المكونات الأخرى فيها هامشيا وهو الأمر الذي يعيدنا للمربع الأول ولذا فلابد للمالكي من كسب 40 نائبا من المكونات الأخرى.
إلا أن تحقيق ذلك يتوقف على تفكيك التحالفات الأخرى وفي طليعتها تحالف القوى السنية وتحالف القوى الكردية. وتبدو مهمة المالكي يسيرة في ضم شركاء من السنة لحكومته نظرا لتمزق تلك القوى . فهناك كتلة العربية التي يتزعمها نائب رئيس الوزراء الحالي صالح المطلك الذي إجتث في إنتخابات العام 2010. غير ان المالكي رفع عنه الأجتثاث وعينه نائبا لرئيس الوزراء ولذا فإن كتلته ستشترك في مثل هذه الحكومة مقابل الحصول على مناصب سيادية .
إلاان هذه الكتلة ليس لديها سوى 10 مقاعد برلمانية, وحينها فلابد للمالكي من أن يصوب وجهه نحو الحليف الثاني ألا وهو جمال الكربولي زعيم كتلة الحل المنضوية تحت لواء متحدون للأصلاح وهذه الكتلة مستعدة للدخول في مثل هذه الحكومة فيما لوضمنت رئاسة البرلمان او نيابة رئاسة الوزراء.
وتدعي هذه الكتلة ان لديها 10 مقاعد برلمانية وهو مايسهل مهمة المالكي ولا يتبقى سوى ضمان 20 مقعدا كرديا.
وهذه عقبة كبيرة يصعب تجاوزها لأن كتلة التحالف الكردستاني وبالرغم من الخلافات التي تعصف بين أعضائها إلا أنها تبدو أكثر الكتل تماسكا ويصعب إنفراط عقدها لأسباب كثيرة. إلا أن المالكي يعول اليوم على شق هذا التحالف عبر كسب أصوات حزب الأتحاد الوطني الكردستاني الذي يتزعمه رئيس الجمهورية الحالي جلال طالباني.
فهذا الحزب يمر بظروف عصيبة في إقليم كردستان بعد ان خسر ثلاثة إنتخابات على التوالي وهي كل من إنتخابات برلمان الأقليم وانتخابات مجالس المحافطات فيه والأنتخابات البرلمانية الأخيرة. إلا انه نجح في تعويض خسائره بفوزه بعدد من المقاعد خارج الأقليم وخاصة في محافطة كركوك. ولو إستمرت وتيرة إبتعاد الناخب الكردي عن حزب الأتحاد على هذا المنوال فمن المتوقع أن يمنى هذا الحزب بهزيمة ساحقة في الأنتخابات القادمة.
ولذا فإن هذا الحزب بحاجة لتقوية موقعه السياسية عبر نافذة المركز وذلك بالأرتماء في أحضان المالكي والدخول معه في حكومة أغلبية سياسية توفر له فرصة لتعزيز تواجده في المناطق الكردية خارج الأقليم وكذلك لأيقاف تدهور شعبيته داخله. إلا ان هذا الحزب يعي وبحكم تأريخ علاقات الأقليم بالمركز ان أي تمزق لوحدة الصف الكردي ستكون لها مردودات سلبية على جميع القوى الكردية.
فالمالكي سيستخدم حزب الاتحاد لتحقيق حلمه في اقامة حكومة اغلبية سياسية وسيضرب به الصف الكردي وخاصة الحزب الديمقراطي الكردستاني وبعد أربع سنوات سوف يجهز على حزب الأتحاد هو الآخر ويقضي على تجربة إقليم كردستان. ولذا فمن المستبعد أن يخرج حزب الأتحاد عن الأجماع الكردي ويدخل في مثل هذه الحكومة, إلا إذا تعرض لضغوط خارجية وهو امر مستبعد في الوقت الراهن.
ولو فرضنا دخول تلك القوى السنية التي أشرت لها أعلاه وكذلك إنضمام حزب الأتحاد الوطني للحكومة فإن تمثيل المكونات سيكون هشا فتلك القوى السنية لا تمثل سوى ثلث الناخبين السنة وكذلك لايمثل حزب الإتحاد سوى ثلث الناخبين الكرد. هذا فضلا عن تهميش الأئتلاف الوطني العراقي. ولذا فليس بإمكان المالكي تشكيل حكومة أغلبية سياسية لا على صعيد لغة الأرقام ولا على صعيد التمثيل العادل للمكونات المختلفة , ولو فعلها فستكون حكومة ضعيفة تتحكم فيها تلك الأحزاب الصغيرة وستكون معرضة للسقوط في أي لحظة وستدخل العراق في نفق مظلم من الصراعات والتمزق.
مقالات اخرى للكاتب