أنا من الذين يؤمنون أن الخطاب السياسي أهم من السياسة نفسها. أن الشكل٬ أهم أحياًنا من الجوهر. أن أهم ماسة في العالم إذا عرضتها ملفوفة في خرقة بالية٬ لن يلتفت أحد إليها. تبادل التهم الشخصية بين بوتين وإردوغان كان تدهوًرا في مستوى الخلاف. النزاعات أيضا لها أدبياتها وسقوفها ومستوياتها٬ ولا يجوز لمن يمثل دولاً عريقة أن يخرج عنها. حتى الأمس كان دونالد ترامب يحظى بـ60 في المائة من أصوات الجمهوريين لقاء 3 في المائة لجب بوش. لكن كل متابع في أميركا وخارجها٬ كان يدرك أن أحدا لنُيخرج ترامب من السباق ذات يوم٬ سوى ترامب. سوف يجره الغرور إلى الحدود القصوى من السفاهة وبسقط في قاع الحفرة التي يحفرها لنفسه. استمرأ ترامب ردود فعل اليمين والناخب الضجر من سقم أوباما٬ فراح يرفع الصوت ويطلق الشعارات المثيرة للعامة. ولم يعرف أين يجب أن يتوقف. ولا أدرك الفرق بين الكلام الفارغ والكلام الحارق. ولا عرف أن السياسي له حدوده مهما كان بلا حدود. لذلك٬ تجاوز بكثير ما كان يقوله الروسي جيرينوفسكي في حق المسلمين٬ أو مجموع ما قاله جان ماري لوبان في فرنسا٬ ولم يتساو في كلامه عن منع المسلمين من دخول أميركا إلا مع ما قاله الحاخام الإسرائيلي عوفاديا يوسف في حق الفلسطينيين. الرد الأكثر دقة على فاشية ترامب جاء من البيت الأبيض٬ الذي قال إن هذا الكلام يلغي تأهله لخوض معركة الرئاسة. وفي سابقة هي الأولى من نوعها٬ تدخلت الأمم المتحدة في شأن داخلي لكي تستنكر هذه الهمجّية الفكرّية الاجتماعّية التي اعتاد عليها العالم فقط في خطاب الإرهاب. كان معروًفا أنه لا يمكن لمرشح مثل ترامب أن يصل إلى النهائيات. مجرد ظاهرة صوتية مسلية تنتهي عند الوصول إلى المرحلة الجدية. لكن أحدا لم يكن يتوقع أن يبلغ به الإسفاف هذا الحد من الخطورة. أو أن تبلغ العنصرية في مرشح رئاسي هذا المبلغ. فجأة٬ أفاق حتى مؤيدوه٬ على رجل يمكن أن يشعل حرًبا أهلية أو حرًبا عالمية إذا وصل إلى البيت الأبيض. ولم تعد المسألة مسألة مشخص يعرف كيف يثير المشاعر ضد المهاجرين من المكسيك أو اللاجئين من سوريا٬ بل تحَّول إلى جنون يسمح لنفسه بإشعال النار في ثوب أميركا الاجتماعي٬ ملاقًيا «داعش» وطروحاتها في منتصف الطريق٬ وباللغة نفسها.
مقالات اخرى للكاتب