من المعروف و السائد بأن الانتماء الوطني إلى بلد ما ، هو مسألة شعور وارتباط جذور ، قبل أي شيء أخر ، ولكن بصورة قوية وصميمية عميقة تصل لحد التقديس ، وعلوا شامخا فوق جميع المقدسات والعقائد والعشائر أو القبائل ، قبل أن تكون مسألة أوراق ثبوتية و تجنس طارئ قديما أو حديثا ..
فأوراق التجنس الرسمية لا تصنع وطنا من الورق خارج المشاعر والأحاسيس الحميمة ..
و الشخص المرتبط بوطنه شعورا و وجدانيا عميق الإحساس ، لا يمكن أن يفرط بهذا الوطن ، من أجل عقيدة ما ، مهما كانت لهذه العقيدة من هالة وقدسية أو أهمية ، وذلك انطلاقا من بديهيات و اعتبار من :
أن الوطن يتمتع بالأولوية و الأسبقية معا و فوق كل شيء ، ليشكل خطا أحمر لا يمكن تجاوزه و الإفراط به لصالح الدين أو القومية أو المذهب أو القبيلة أو العشيرة أو التحزبات والفئويات ، وإذا تحقق كل ذلك فيحق آنذاك لهذا الشخص ــ إذا كان عراقي الجنسية ــ أن يقول :
ــ أنا عراقي وبس !..أنا عراقي سجّل !..
فآنذاك ليس من ثمة فرق أو فارق ..
فيُفترض حينذاك بهذا العراقي أن يعتبر جميع العراقيين الشرفاء و المسالمين النبلاء من أبناء وطنه ، و أن يشعر بذاك بدون أي تمييز قومي أو استثناء ديني أو طائفي أو امتياز فئوي ، وبعيدا عن أي انحياز إلى جانب القتلة المحترفين والفاسدين الجشعين ومعطلي تقدم العراق ..
أما أن يقول أحدهم:
ــ سجّل .. أنا عراقي وبس !!..
وهو في الوقت نفسه مع قتلة أو فاسدين من أبناء طائفته أو قوميته قلبا وقالبا : مدافعا عنهم ، مبررا جرائمهم أو فسادهم ، فهذا القول لا يعدو كونه مجرد زعم فارغ ولغو زائف ، وأن قفز مسألة تقسيم العراق إلى الواجهة مجددا في هذه الأيام ، وبهذه الكثرة والكثافة والدعوة المتواصلة ، بل وبكل هذه الجدية ودفع الأمور نحو تلك النوايا الساعية والحثيثة وباستنفار وتجييش و تهييج مهووس ، فهو دليل جديد على رسوبنا نحن العراقيين في امتحانات الوطنية !..
طبعا كل هذا لم يأت من الفراغ ، أنما جاء نتيجة أو محصلة لتربية منظمة ومتواصلة ودائمة على نحو :
الإسلاميون سعوا إلى تربية العراقي على إن الدين أو الطائفة هو أهم بكثير من الوطن ، والشيوعيون ــ في العهود السابقة ــ ركزوا على أهمية الأممية ، و البعثيون على أن المشاعر القومية العربية و وحدة الأمة العربية هي أهم بكثير من الوطنية وفوقها بدرجات أعلى و أعلى ..
و هكذا أصبح ولاؤنا لكل شيء ما عدا للوطن ..
بدليل كثرة الدعوات والمساعي الحميمة لتقسيم العراق ، و كأنه عبارة عن بطيخة أو جبنة !!..
تنويه لابد منه : نحن هنا لا نعمم قطعا ! ، إنما نشير إلى ظواهر من هذا القبيل فقط ، فمن المؤكد يوجد بين صفوف هذه الأحزاب وكذلك المجتمع العراقي نفسه ، ممن هم أكثر وطنية صدقا وإخلاصا لحد التضحية بالنفس من أجل القيم الوطنية إذا اقتضت الحاجة ..
مقالات اخرى للكاتب