نقد المعرفة التاريخية في المنهج الدراسي التربوي العراقي 2-5
الأربعاء, شباط 11, 2015
وليد المسعودي
مع التقدم في المراحل الدراسية سوف نشهد ذات النزعة الانتقائية من التاريخ العربي الإسلامي مع وجود بعض التغيرات النقدية الطفيفة بشكل هامشي على سبيل المثال ما ارتبط بنقد التاريخ الأموي لنزوعه إلى مبدأ الوراثة في الحكم وما جرى فيه من أحداث ومعارك انتهت بمقتل الإمام الحسين وسبي عائلته فضلا عن حادثه احتلال الكعبة ورميها بالمنجنيق (7)، مع الإشارة إلى إن نظام الوراثة في الحكم كان عاملا معجلا في زوال الدولة الأموية ، وذلك الأمر يشكل تناقضا حول ما سيأتي من ذكر للدولة العباسية التي ترسخ لديها نظام الوراثة أكثر فأكثر مع الاعتماد على العناصر الغريبة عن جسد " الأمة العربية " التي كانت سببا في ضعفها وانحلالها ، وهنا مرة أخرى يجري التركيز على الجانب السلبي " للعناصر الغريبة " أو الأجانب ونسيان الدور الفاعل الايجابي الذي أحدثوه في تطور الدولة العربية الإسلامية واتساع مكانتها وهيبتها ، حيث يعزى إلى " الوحدة الفكرية بين أبناء الأمة " الأثر الكبير في تطور الحضارة العربية الإسلامية ، فضلا عن كونها السبب الأساسي في الازدهار الفكري والثقافي (8) ، وكل ذلك يغاير التاريخ العربي الإسلامي إبان الازدهار الفكري والثقافي حيث التنوع الكبير في المدارس والأفكار ، وخصوصا ضمن الفترة ما بين ( 236 -442 ) وهي الفترة الأكثر خصوبة في التاريخ العربي الإسلامي حيث ولادة أجيال ثقافية مختلفة ومتنوعة بدءا بالجاحظ والتوحيدي وابن مسكويه وانتهاء بابن سينا والقاضي ألمعتزلي عبد الجبار وأخوان الصفا وابن جني وابن فارس والسيرافي والخوارزمي ، وهذه الأجيال الثقافية والفكرية لم تولد بسبب الوحدة الفكرية بل لوجود قادة سياسيين ذو أفق منفتح ومشجع للحرية والأفكار المغايرة ضمن حدود النسبي وهم قادة سياسيون كبار من أمثال العميد الأب والابن والصاحب بن عباد وعضد الدولة (9) . وبالتالي لم تكن الحركة الفكرية عربية خالصة التكوين والانتشار كما يحاول المنهج الدراسي تعميمها على التلاميذ ، بل هنالك المؤثرات والتلاقحات بين الثقافة العربية الإسلامية وبين العلوم الإنسانية الأخرى وهذه الحرية الفكرية لم تنشأ مع الإسلام الأولي والعهد الراشدي أو الأزمنة الأموية والعباسية الأولى ، بل نشأت ضمن تصورنا نتيجة لانفتاح العرب أنفسهم بعد السيطرة السياسية والاقتصادية على بقية شعوب المنطقة ، الأمر الذي ادخل الكثير من التعديلات والتطورات في عدة مجالات سياسية واجتماعية وثقافية واقتصادية .. الخ . ولو كانت هذه الحرية الفكرية من حيث ازدهارها خالصة التكوين " عروبيا " فماذا نفسر الكثير من التحولات في السياسة والحكم ، فضلا عن تأبيد نماذج الاستبداد ، وبقاء الأنساق الاجتماعية والثقافية لدى العرب أنفسهم في حالة من الكمون والثبات ، منذ سقوط الدولة العباسية واحتلال بغداد حتى هذه الأزمنة الراهنة ، والجواب يكمن في هجوم البداوة المستمر على جميع مصادر التفكير والتفسير الإسلامي الثقافي والمعرفي المختلفة والمتنوعة ، الأمر الذي أنتج لدينا الكثير من السجون العقلية والمعرفية المغلقة ، ضمن تصور أحادي منتهي الصلاحية مع المصادر الأولى الثابتة للإسلام الأولي ، حيث التحالفات المتواصلة بين العقل الفقهي " المحدد بحرفية النصوص وإمكانية التلاعب فيها " ، وبين العقل السياسي الذي يكسب الاستمرار في البقاء والتبرير لجميع مصادر أفعاله من خلال إستراتيجية العقل الفقهي التي تعمل على تثبيت جذوره بشكل دائم حتى وان كان معتمدا لنظام الوراثة في الحكم أو موضوعا في خانة استغلال واستعباد الناس بالجور والظلم .
التاريخ الحديث والمعاصر
ولا تختلف النظرة إلى التاريخ الحديث والمعاصر عن " التاريخ العربي الإسلامي " من حيث التبعية القومية ، العربية في التفسير والتأثير على الأجيال التربوية ، بشكل يلغي الكثير من الحقائق والوقائع ، وخصوصا في ما يتعلق بجوانبها وتأثيراتها الوطنية ، والدينية والاقتصادية والثقافية .. الخ ، حيث يبدأ التاريخ الحديث مع الغزو المغولي " للدولة العربية الإسلامية " في بغداد بسبب ما كانت تعانيه من ضعف وانقسام ، حيث انتهت " الخلافة العباسية " بمقتل الخليفة المستعصم بالله ، وما لبث " العرب المسلمون " مكانهم في حالة الاستسلام بل هنالك التصدي وإلحاق الهزيمة بقيادة " المماليك " في معركة عين جالوت بقيادة " قطز " حيث الانتصار الساحق على المغول وإيقاف تقدمهم نحو " الوطن العربي " (10) ، وهنا كما أسلفنا تقدم القراءة القومية العربية لتفسير التاريخ بشكل أحادي واضح في المنهج الدراسي ، وغياب القراءة المتعددة التأويل ، الإسلامية والدينية والوطنية والاقتصادية ، في تفسير الأحداث والوقائع ، والتي عادة ما تتخذ بدورها أي " تعدد القراءات " تلك كغطاء أولي يحمل تأثيراته الحقيقية لما هو مسكوت عنه متضمنا طبيعة الصراع السياسي والسلطوي على اكتساب النفوذ والهيمنة ، وعدم إبراز مصادر الضعف الداخلي بشكل حقيقي متمثل بما هو موجود من معوقات وسلبيات يحملها التاريخ العربي الإسلامي من مثل مظاهر الاستبداد والاستغلال في السياسة والاقتصاد والمجتمع بشكل عام . وهكذا يعطينا المنهج الدراسي صورة عن الغالب " المغول " الذي تحول إلى مغلوب بفعل احتواء " الأمة العربية " للأجانب ومقاومتهم بمحافظتها على أصالتها ومبادئها الإسلامية ، فضلا عن التأثير على الغالب بشكل ثقافي ومعرفي تمثل بالتحول من الوثنية إلى عبادة الإسلام (11) ، وهنا أيضا محاولة في تثبيت صورة الانبعاث " للأمة العربية " بشكل يغيب الوقائع التاريخية لتأثيرات المغول على المجتمع العربي الإسلامي وعلى صورة الإسلام نفسه حيث استكمال التحولات المتتالية في المعرفة والعقيدة من إشكالها المتسامحة إلى الإشكال والنماذج الأكثر انغلاقا وبربرية ، خصوصا بعد أن دمرت معالم بغداد وما كانت تحمل من مصادر ثقافية ومعرفية متنوعة ، بالرغم من عدم قدرتها على توسيع دائرة التحضر والتعايش بشكل مكتمل بين المختلف الاجتماعي ، وما عمله المغول يتمثل في " كسر التوازنات الحضرية الهشة التي ارتكزت عليها الثقافة الكلاسيكية " عندما قاموا بإلغاء مؤسسة الخلافة عام 656 -1258م . (12) . بعد المغول يتعامل المنهج التاريخي الدراسي مع دور الصفويين والبرتغاليين والأسبان كقوى أجنبية وسياسية حاولت التوسع في " الوطن العربي " ضمن ذات المنطق القومي دون محاولات الرجوع إلى المصادر التاريخية وتكوين ذاكرة نقدية لدى التلاميذ أو شرح ماهية الصفوية على سبيل المثال من حيث أصولها وتحولاتها من الشكل الديني الأولي إلى الشكل السياسي ألدولتي المتستر بغطاء الدين والطائفة ، كما تفعل بعض المناهج الدراسية العربية (13) في حين يتم إهمال قوى سياسية أخرى كانت قد توزعت في سيطرتها على المنطقة العربية مثل المماليك وفرسان القديس يوحنا ، دون محاولات التعريف بطبيعتها وأصولها ودورها السياسي ، فضلا عن الآثار والمخلفات التي تركوها في مختلف المجالات الاقتصادية والسياسية والثقافية والاجتماعية وخصوصا مع المماليك الذين حكموا في مصر والشام والحجاز واليمن في الفترة بين ( 1250-1517م ) ، ضمن دولة إقطاعية عسكرية حملت في داخلها الكثير من مخلفات السلاجقة تحت تأثيرات الوسيط الناقل والمؤسس لوجودهم العسكري والثقافي متمثلا بالحكم الأيوبي في مصر ، الذي استطاع بدوره العمل على تنامي نفوذهم المكون من قوميات مختلفة " كالأتراك والمغول والصقالبة والجراكسة والأسبان والألمان " وصولا إلى الاستيلاء على الحكم ضمن تجربتين الأولى تسمى بالدولة البحرية والمكونة من " القفجاق والقوقاز " والثانية مكونة من الجراكسة (14 ) ودولة المماليك هي دولة طبقية بامتياز مقسمة إلى طبقتين ، طبقة الحكام وطبقة المحكومين من الرعية (15) ، وهم المصريين من أهل البلاد على اختلاف طبقاتهم . حيث ما زالوا يعانون من مخلفات الوجود المملوكي حتى هذه الأزمنة الراهنة ، إذ يقول احد الكتاب إن " محمد علي " قد اسقط دولة المماليك سياسيا فقط بينما ظل وجودهم الإداري والاقتصادي والثقافي مهيمنا على المجتمع المصري ولم يتمكن من القضاء عليه بشكل نهائي حتى مع مجيء " ثورة يوليو" وظهور القوانين الجديدة من مثل الإصلاح الزراعي ومجانية التعليم ، وكل ذلك ساعد على ظهور العناصر الفلاحية والعمالية ضمن مراكز علمية متقدمة في كليات الشرطة والحربية وبقية الكليات الأخرى الإدارية والعلمية ، من غير العناصر المملوكية ، لكن الأخيرة ما زالت تمتلك الكثير من مفاتيح الصعود والعودة المتتالية إلى السلطة عبر بوابات وجهات التوريث العميق الجذور للإدارة والحكم والخبرات . (16)
المصادر : -
7- بسبب التغيرات السياسية في العراق بعد عام 2003 ، وجدت هذه التغيرات الطفيفة في معالجة التاريخ ومحاولة تقسيمه بشكل طائفي وإرضاء هذا الطرف أو ذاك ، في حين إن جميع الطبعات السابقة لا يوجد فيها أي ذكر نقدي لآثار ومخلفات العصور الإسلامية ، الأموية والعباسية على حد سواء . انظر : تاريخ الحضارة العربية الإسلامية ، الصف الرابع الأدبي / الطبعة الثانية والثلاثون / 2013 ، ص 40 . 8 - تغيرت الوحدة من " الأمة العربية " إلى " الأمة الإسلامية " في هذه الطبعة الأخيرة من كتاب تاريخ الحضارة العربية الإسلامية ، بسبب التحول السياسي في العراق بعد 2003 ، حيث أصبح التطور الفكري والثقافي عائد إلى الإسلام نفسه ، دونما وجود لأبعاد سياسية وثقافية خارجية تدعم ذلك التطور المقصود في زمن البويهيين . تاريخ الحضارة العربية الإسلامية ص 32 ، ص 132 . 9- أركون ، محمد / الفكر الإسلامي .. قراءة علمية / ص 77-78 . 10- جمهورية العراق ، وزارة التربية ، المديرية العامة للمناهج / التاريخ الحديث والمعاصر للوطن العربي / الصف السادس الابتدائي / الطبعة الرابعة والعشرون ، 2013، ص 6 / الصف الثالث المتوسط / الطبعة الثانية والعشرون ، 2013 ، ص 10-11 . لا يعطي المنهج الدراسي أية معلومات عن " قطز " فهو السلطان سيف الدين قطز من خوارزم ، حقق الانتصار على المغول في معركة عين جالوت ، حيث استطاع أن يلهب حماس المسلمين في القتال تحت صيحة " وااسلاماه " التي كانت لها التأثير المعنوي الكبير في تحقيق النصر ، ولكن قطز لم يستطيع الاحتفال بالنصر إذ سرعان ما لقي حتفه على يد احد شركائه وهو الأمير بيبرس . 11- التاريخ الحديث والمعاصر للوطن العربي / الصف الثالث المتوسط ص 12 . 12- أركون ، محمد / الفكر الإسلامي .. قراءة علمية / ص 79 . 13- يعرف التاريخ العربي الحديث والمعاصر في فلسطين ، الذاكرة التاريخية بالتعاون مع المصادر الأساسية للمعرفة التاريخية نفسها من مؤلفات وكتب تاريخية تحدثت عن الكثير من الأحداث والوقائع التي مرت فيها المجتمعات العربية الإسلامية ، حيث تذكر إن أصل الدولة الصفوية يعود إلى الشيخ اسحق صفي الدين زعيم إحدى الطرق الصوفية في أذربيجان فتحولت من شكلها الديني المذهبي إلى شكلها السياسي في منتصف القرن الخامس عشر / التاريخ العربي الحديث والمعاصر / الصف التاسع الأساسي / دولة فلسطين ، وزارة التربية والتعليم العالي / الطبعة الثانية / 2004 ، ص 6 . 14- قاسم ، عبده قاسم / عصر سلاطين المماليك / دار الشروق ، القاهرة ، الطبعة الأولى 1994 ، ص 7 . 15- يقسم المقريزي المجتمع المصري أو " الرعية " إلى سبعة طبقات تبدأ بأهل اليسار من التجار وأهل الرفاهة من أولي النعمة ، ومتوسطي الحال من التجار وأرباب الأسواق والفلاحين وسكان الريف ومن ثم الفقهاء والعلماء وبعدهم يأتي في النهاية المتسولين والشحاذين ، وهذه التوليفة لا تقترب من السلطة ونظامها الاقتصادي الإقطاعي الذي ساهم في تدهور الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية للفلاح المصري ، الأمر الذي جعله يعيش أوضاعا اقرب إلى العبودية في ذلك العصر ، فضلا عن عدم تحمل " دولة المماليك " مسؤولية التعليم والصحة والتغذية للمجتمع المصري فما يهم السلطان يتمثل في جمع الأموال والضرائب على هيئة " غرامات " تتوزع على ساسة الدولة من الأمراء المماليك . المصدر نفسه ، ص 11-12 16- د . ع ، ع / تراث العبيد في حكم مصر المعاصرة / دراسة في علم الاجتماع التاريخي / المكتبة العربية للمعارف ، ص 5- 36
نطلب من زوارنا اظهار الاحترام, والتقيد بالأدب العام والحس السليم في كتابة التعليقات, بعيداً عن التشدد والطائفية, علماً ان تعليقات الزوار ستخضع للتدقيق قبل نشرها, كما نحيطكم علماً بأننا نمتلك كامل الصلاحية لحذف اي تعليق غير لائق.
اخبار العراق اليوم تصلكم بكل وضوح بواسطة العراق تايمز