الساعة الثامنة مساءً من يوم امس قررت ان اكتب ما تحيّرت في الكتابة عنه، اعني المرأة العراقية.
ولعلّني مطالب بالأجابة هنا على سؤالين: لماذا الثامنة من يوم امس تحديداً، ولمَ الحيرة في الكتابة عن المرأة العراقية؟.
دعوني اجيبكم اولاً عن الأمس وما رأيته فيه، فقد كنت عائداً من السويد الى النرويج على متن باخرة الڤايكنگ الساحرة.
كانت الباخرة مكتظة بالمسافرين الذين يكسو وجوههم لون اسكندنافيا المميز، عدا نتفة هنا وهناك من عرب وصوماليين وشرق اوربيين اتخذوا النرويج محلاً لأقامتهم.
لقد شاءت الصدف ان تجلسني الى جنب عائلة نرويجية مؤلفة من ثلاثة افراد فقط، زوج وزوجة وملاك وردي يغفو في حضن أمه.
كان الزوجان يتصرفان كمراهقَين مسّهما العشق تواً وليس كزوجين يقضيان جلّ وقتهما سويّة.
طول الطريق ابو الشباب حاط وجهه بوجه زوجته ويتهامسان كالبلابل. طلب لها عصيراً بارداً وقطعة كيك شاركها فيها وهما يضحكان. صوّرها بهاتفه النقال غير مرة وهي تبتسم. حديثهما لم ينقطع وضحكهما لم يفتأ مدة ساعتين.
هذا وانا اجلس قريباً منهما محاولاً اشغال نفسي بقراءة ما تيسّر من منشورات فيسبوك وأخوته من مواقع الوصل الأجتماعي.
في الساعة الثامنة تماماً حسب هاتفي بدر من الزوج تصرّف غريب، بالنسبة لي طبعاً.
ماذا فعل؟!.
بينما كانت الزوجة تلقم الصغير صدرها منشغلةً بالنظر الى وجهه الملائكي، رفع الزوج قدميها ووضعهما على فخذيه، خلع حذاءها وجوربيها ووضعهما الى جنب، ثم بدأ يدلّك قدميها برفق ليزيل ما بهما من تعب.
تصوّروا معي امرأةً ترضع صغيرها، وزوجها يدلّك قدميها، أيَّ سعادة تعيش؟ واي رحمة تلك التي قذفها الله في قلب ذلك الرجل؟!.
تذكّرت وقتها أمي عندما كنا في سفرةٍ الى كربلاء قبل ثلاثين عاماً، حين عثرت المسكينة بعباءتها وسط الزحام وكادت تسقط فزجرها أبي لذنب لم تقترفه.. فقط عثرتْ!.
مرت صورتها امام عيني وهي تشعر بالأهانة امام الناس محاولة تلافي الموقف بحملي انا ابن الثمانية اعوام.
اي والله تذكرت وجه امي الحزين فكادت دمعة لتقفز من عيني لولا اني شاغلتها بالخروج الى سطح الباخرة.
طلعت الى السطح وجلست هناك انظر الى البحر لأتذكر العراقية وضيمها، ما الذي رأته في الدنيا، وما الذي جنته؟.
كيف نتعامل معها؟ كم لها من وقتنا؟ واهتمامنا؟ وحبنا؟ واحترامنا؟.
كم من الوقت نقضيه نحن الرجال خارج البيت، نجلس حيث نشتهي ونجتمع بمن نريد من اصدقائنا واحبتنا، والزوجة قائمة بين جدران بيتٍ حار تحضّر لخدمتنا؟!.
كم نمزح جاعلين منها محلاً للسخرية من اجل ان يضحك الأصحاب و طزّ بمشاعرها؟!.
كيف نستغفلها مستغلّين طيبة قلبها وثقتها كي نفعل ما يحلو لنا؟!.
لا ادري كيف يسوّغ بعضنا لنفسه كل هذا، لكن ما أدريه ومتيقن منه ومصرّ عليه هو ان المرأة العراقية هي الأطيب قلباً والأسرع رضىً بلا منازع.
عرفت وتعرّفت على الكثير من العائلات العربية وغير العربية، لكني اقول صادقاً غير منحازٍ لبنت بلدي ان لا مثيل للمرأة العراقية.
لا مثيل لها بجمال روحها وكرامة نفسها واحترامها لزوجها وحبّها لبيتها.
العراقية (ام هلا) تستحق منا الحب، الحنان، الأحترام، الوقت، الأهتمام، وكل الخير.
وإن كان ذلك الشاب النرويجي قد دلّك قدمَي زوجته كي يخفف عنها وعثاء سفرٍ قصير، فالعراقية تستحق منا ان ندلّك قدميها ويديها ونقبل جبينها المتعب من جور الزمان وضيم السنين.
هذه المرأة حيّرتني في الكتابة عنها لأن كلها يستحق الكتابة والإشادة.
اقبل جبينك سيدتي العراقية.
مقالات اخرى للكاتب