قبل بضعة أيام، شاهدت برنامجاً حوارياً في إحدى الفضائيات الكوردستانية، عن الإستفتاء وحق تقرير المصير، أدهشني مقدم البرنامج ببعض الأسئلة غير المتوقعة، والأسئلة التي لا ينبغي توجيهها، حيث حاول الترويج لمفاهيم ومصطلحات غيرواقعية، وسحب ضيفه الى المنطقة التي يتصيد فيها، أعاد أكثر من مرة خلال أسئلته غير المهنية ومفردات لاتقل خطورة (في نظري) عن تصريحات وتنظيرات الشوفينيين المعادين للكورد وكوردستان الذين يحاولون المس بالشرعيتين القانونية والدستورية للإقليم، والتي هي من الأسس والمقومات التي تقوم عليها حكومة إقليم كوردستان المنتخبة من قبل شعب الإقليم، والضيف، والحق يقال، دافع عن شرعية ودستورية الإستفتاء المزمع إجراءه، وأوضح بعض دلالاتها العميقة وأرتباطاتها بمسقبل أجيالنا، وأشار الى المكتسبات المتحققة بفضل دماء شهدائنا في ثوراتنا المتتالية ضد الحكومات المتعاقبة ومقارعة الظلم والدكتاتورية، وأشاد بالواقع الذي نعيشه الآن من بناء ونظام ديمقراطي وسلام وحرية، وأكد على أن المكاسب المتحققة والتحولات الواضحة والإيجابية، جاءت نتيجة للنضال وللتضحيات في ثوراتنا المشروعة التي رفضت استخدام الوسائل التي تتعارض مع الغايات التي نسعى لتحقيقها، وقال: الحكومات والبرلمانات الكوردستانية السابقة، والحالية، ثمرات سياسية لمنظومة الديمقراطية التي تتجه نحو النضج والرسوخ، والمحافظة على كوردستانية المناطق التي كانت تقع خارج إدارة سلطات الإقليم تتطلب تظافر جهود جميع القوى السياسية في الاقليم .
ومن خلال متابعة الحوار وأهواء وخيالات المذيع الذي لم يعترف بحساسية المرحلة والظروف التي يمر بها الاقليم، في ضوء الاضطرابات والتوترات المتواصلة في المنطقة، وتوجهه الى أساليب بعيدة كل البعد عن أبسط المفاهيم المهنية، وبذله الجهد الجهيد لإحراج ضيفه، وتسييس الحوار وتقديمه لأفكار تقود الى تعقيد الامور، تبين لي الفجوة بين الرجلين، وبأن هنالك تباعداً كبيراً جداً بين المثقف(الضيف) وصورته، والمثقف المحاور(المذيع) أو ما يمكن تسميته ب(المثقف الديجتل) الذي يُسخَّر ما موجود تحت تصرفه من معلومات ومفاهيم لخدمة ما يريد إيصاله للآخرين بشكل سريع ومكثف (كي يقولوا عنه إنه محاور ناجح) دون أن يعلم أن التطور يغيّر بعض المسميات، وتفرعاتها الكثيرة تشير أحياناً الى تناقضات، وأحياناً أخرى تتحول الى متاهات، والثوابت التي ظلت راسخة لعقود طويلة في وجدان المثقفين التقليديين الكوردستانيين لاتتغير ويمكن إستثمارها في جميع مناحي الحياة، وأن الكوردستانيين لا يخرجون عن نطاق الثوابت، لاسيما أنهم سخروا الشرعية في تأسيس نظام يستند على الشرعيتين الدستورية والقانونية، ويصونون بها العملية السياسية التي تعتبر أهم مكتسبات الشعب، ويمارسون دورهم الحقيقي في حماية المكتسبات وتقويم الحكومة وأدائها ومساندتها في معالجة المشكلات وإجراء الاصلاحات، لأن المسؤوليات التاريخية والأخلاقية تحتم ذلك.
ولا أخفي عليكم إنني تنفست الصعداء عندما سمعت إجابات الضيف المبدئية ورؤيته للمستقبل، وتحدي الذين يريدون تجميد الوقائع من أجل الحصول على إمتيازات شخصية، والذين جعلتهم إنحرافات فهمهم للسياسة يتصورن المستقبل على أنه إستسلام لليأس، وأتصور أن إجاباته على تلك الأسئلة كشفت كثيراً من الأمور المهمة لكسب رهان المستقبل، وخاصة عندما قال: لا تجدي محاربة الشر بالشر والقمع بالقمع والتعصب بالتعصب، ومن الضروري ابتكار أفكار جديدة ووسائل مبتكرة لتطبيق الديمقراطية وتمتين العملية السياسية والحفاظ على مكتسبات شعب كوردستان والدفاع عنها وتحمل المسؤوليات التاريخية والسياسية والأخلاقية تجاه شهداء كوردستان. وفي نهاية اللقاء قال: الرئيس مسعود بارزاني أكد على ضرورة إجراء الإستفتاء وعدم التراجع الى الوراء، وعدم القبول بالعيش في بلد لايطبق فيه الدستور...
مقالات اخرى للكاتب