الاشقاء المصريون اعتادوا التعبير عن إعجابهم بخطب زعمائهم السابقين والحاليين بالقول "حلاوة يا ريس" والتعبير في اغلب الاحيان ، يختزل التأييد الشعبي لموقف رسمي يضمن مصالح شرائح واسعة من المجتمع من قبيل الاستمرار في دعم اسعار الغذاء ومنع مظاهر التجاوز على حرية التعبير، وعندما يكون الخطاب خارج هذا السياق، ويحمل بوادر اندلاع ازمة اقتصادية ، وبروز مشاكل في الساحة المحلية، يرتفع السخط الشعبي مستخدما سلاح السخرية النكتة والاغنية ، احتجاجا على رفع اسعار الوقود، وياخراب اسود على رؤوس المسؤولين بلا استثناء من اكبر الباشوات وحتى سائق الأتوبيس.
المعروف عن اصحاب الجلالة والسمو والسيادة والفخامة العرب، ان بعضهم يمتلك موهبة القاء الخطب الارتجالية في المناسبات الوطنية والقومية، وسط "التظاهرات المليونية" المؤيدة للمواقف الرسمية وسياسية النظام، وهذا النوع من التظاهرات امتازت به المنطقة العربية واستحدثت له مؤسسات رسمية مرتبطة بوزارات وتحت مسميات عدة، تهدف الى تحشيد الجهد الشعبي للوقوف ضد المخططات الخارجية التآمرية بمعنى الدفاع عن السلطة.
"حلاوة ياريس" قول لم يتجاوز الاراضي المصرية، على الرغم من ان معظم زعماء وحكام الدول العربية الاخرى ، يلقون الخطب الاسبوعية والشهرية ، في مناسبات عيد الشجرة واليوم العالمي لمكافحة التدخين، وقبل القاء الخطبة التاريخية، تعلن وسائل الاعلام الرسمية بانها ستنقلها على الهواء مباشرة، فيما توفر جهات الحشد كل مستلزمات التأييد الشعبي والدعم وتسخر كل إمكانيات الحكومة لنقل المتظاهرين إلى مكان انطلاق التظاهرة، وعادة تكون بعد الاستماع إلى الخطاب التاريخي المهم، وبحماية الأجهزة الأمنية من الجيش والشرطة.
قبل إنشاء نفق الباب الشرقي وسط العاصمة بغداد، وعلى مقربة من نصب الحرية للنحات الراحل جواد سليم، كانت تقع منصة الزعيم الراحل عبد الكريم قاسم، بإمكان اي شخص الوقوف فيها والتقاط صورة تذكارية ، وبمبلغ درهم خمسين فلسا من عملة ذلك الزمن ، فتتوفر لصاحب الصورة فرصة تقمص دور الزعيم او الرئيس وتوجيه خطاب لابناء الشعب ، وبعد اضطراب الاوضاع السياسية ، وبروز قوى مضادة، كان البعض حين يشاهد تابوتا على سيارة متوجهة للمقبرة ، يترحم على الميت ويقول: "الف رحمة على روحك روح خلصت من خطب الزعيم" اما الرئيس الراحل عبد السلام عارف فكان قبل وبعد توليه منصبه حريصا الى القاء الخطابات، بوصفه قائد الثورة الشرعي، ومن اقوله انه خاطب الجماهير بقوله "يا اهالي الديوانية يا جيران الناصرية" ولم يكن احد من العراقيين في ذلك الوقت وعلى الرغم من العلاقة المتينة بين بغداد والقاهرة يعلق على الخطاب بقول المصريين حلاوة ياريس.
خطب الزعماء العراقيين ترتبط عادة باندلاع الازمات وبروز صراعات سياسية، وخطاب الرئيس كان اشارة واضحة لبيان مدى تشبثه بالسلطة، باعلان حالة الطوارىء وملاحقة المعارضين وتصفيتهم، والدعوة لمراجعة دوائر التجنيد، استعدادا لخوض منازلة تاريخية، وحلاوة ياريس.
مقالات اخرى للكاتب