مثل أي عراقي يائس تعثرتُ بجثة السنوات العشر التي مضت دونما أن أشعر بأفق جميل ينفتح، لم يغير مطر الساعات الأخيرة من مزاجي على الرغم من شغفي وعشقي له، كانت أخبار فشل الحكومة المحلية في معالجة النفايات مثلا تمثل أكبر خيبة لي، أما أخبار العقود التي تبرمها الشركات النفطية الاجنبية مع العاملين العراقيين فهي أكثر من مُذلَّة، ولم يعد الحديث عن تجريف النخيل وردم الأنهار في البصرة وأبي الخصيب خاصة يثيرني، ذلك لأني ومعي الكثير من الزملاء الصحفيين كتبت العشرات من المقالات والأخبار والتقارير دونما أن يتلفت الينا أحد.

المحافظ مشغول بعدد أعضاء كتلته الـ 18 بعد خروج الشيخ أحمد السليطي بأمر من السيد عمار الحكيم،رئيس المجلس، المحافظ السابق الدكتور خلف عبد الصمد (حزب الدعوة) يفكر بدويبة تنخر كتلة البصرة أولاً (جماعة المجلس والصدريين والقوى المتحالفة معهم) ليعيد كرسيه الذي فقده في الانتخابات الأخيرة التي أذهبت بألـ 130 ألف صوت التي جناها أدراج الرياح. الفريقان الحاكمان في البصرة كل يتربص بالآخر، هذا يريد إبعاد ذاك، وذاك يريد إفشال مشاريع هذا، والناس بين المطرقتين يخشون على فسحة الأمن التي يحيونها متوجسين، خائفين من انهيارها بعد أن تناقلت الأخبار اختطاف الشيخ عدنان الغانم من قبل مجموعة مسلحة ترتدي زيا عسكرياً بوضع كيس أسود على رأسه قرب ساحة العروسة في وضح النهار.

جماعة البصرة أولا، التي منها الدكتور ماجد النصراوي محافظ البصرة الحالي تحلم أحلاماً أكبر من قياسها، لكن الناس تبين لها أن قضية البصرة أولاً، لا أولا ولا هم يحزنون، وكل ما كانت تمنّي نفسها به من قرارات بصرية محلية خالصة تبدد في أول اختبار لها حين أفشل رئيس الوزراء نوري المالكي القرارَ الذي اتخذته بعزل قائد الشرطة اللواء فيصل العبادي، المقرب من حزب الدعوة. الكتلة راحت تبرر بقاء العبادي بما لا يعقله أحد، يقول شرطي في حمايات أحد اعضاء المجلس: (من يتقرب من المجلس يرى ما يلعّب النفس) ومن يعتقد بان السنوات الاربع القادمة ستمر على خير فهو واهم، ومن كان يظن بان المشاريع ستنجح لا يفهم من أمر البصرة شيئاً، مدارس كثيرة تابعة لمديرية التربية بوشر بترميمها بعد شهر أيلول ولم ينته العمل فيها حتى اللحظة هذه، الطلاب رُحِّلوا إلى مدارس مجاورة او بعيدة، هي مزدحمة ومختنقة بطلابها بالأساس. يقول أحدهم ، لعله يبالغ إن الحكومة أوقفت أكثر من محطة توليد للكهرباء في عموم القطر لتستمر بشراء الكهرباء من إيران وتركيا، آيته في ذلك أن الناس في الفترة هذه مستغنية عن المكيف والمدفأة، ويسأل يعني شنو تستغرب ذلك؟

أترك الخوض في أحاديث السياسة والأمن كلما سقطت قطرات من مطر تشرين الأول. أقول: الحياة جميلة وتستحق أكثر من الصبر، وأنا انظر للشجر وهو يخضر ويزرق مبتهجاً بالمطر، وأنا أشم رائحة التراب الذي تعطره القطرات تلك، أحمل جسدي إلى النهر، ألقي بصنارتي فيه، أنتظر سمكتي الموعودة وهي تلتقط الطعم وتمضي بالخيط بعيداً، أسحبه فرحاً بالسمكة والسمكتين والكيس والكيلو والخمسة كيلوغرامات، هل جرّب أحدكم صيد السمك على ضفة بشط العرب، قبالة قصر صدام حسين من جهة الصالحية، هناك حيث يمتد البصر ولا يرتد إلا خاسئاً بعد أن أسقطت الدبابات النخل كله، بعد أن سمحت الحكومة المحلية الحالية ببيع آلاف الدوانم من الاراضي الزراعية، لتصبح مساكن عشوائية، الحكومة التي ظلت تمني نفسها بنجاح مشروع سكني واحد.

يقول صديق قديم أما زلت تحب البصرة فأرد: والله يا صاحبي ما عدت أدري هل أحبها أم أكرهها، لأني لم أعد أذكر هل هي البصرة التي كانت، أم هي البصرة التي يُبغّضني إليها حكّامها الجاهلون؟؟.