"مكالمة واحدة وروايات عدة" بهذه العبارة يمكن تلخيص المكالمة التلفونية التي جرت بين رئيس الوزراء نوري المالكي ووزير الخارجية الاميركي جون كيري مساء أمس، ففي رواية رئاسة الوزراء أن الوزير الاميركي ناقش مع السيد نوري المالكي الأوضاع في سوريا وسبل محاربة الإرهاب.. ولم تنس الرواية الرسمية بان تذيّل خبرها بعبارة انه: "جرى مناقشة العلاقات بين البلدين والقضايا ذات الاهتمام المشترك".
فيما ذكرت مصادر صحفية عربية وأجنبية، أن الاتصال الهاتفي كان الهدف منه اطلاع وزير الخارجية الأمريكية على ما يجري داخل الساحة العراقية، فيما رواية اخرى تربط بين زيارة وفد ائتلاف دولة القانون والمكالمة الهاتفية مستندة، إلى التصريح الذي اطلقه سامي العسكري، وهو احد المقربين من المالكي والذي قال فيه "ان الامريكان اكدوا تأييدهم للخطوات التي تتخذها حكومة المالكي في ادارة البلد، كما اظهرت واشنطن حرصها على دعم العراق وحكومة المالكي".
اختلاف الروايات يجعلنا نطرح سؤالا مهما: هل كانت واشنطن تعلم بما خطط له المالكي بعد انسحاب قواتها من العراق؟ وما حكاية الدعم الذي تقدمة إدارة أوباما لرئيس وزرائنا، وماذا سيفعل المالكي بهدية الدعم هذه، التي يسميها رجال دولة القانون شراكة ستراتيجية؟
ورغم أن الناس تريد ان تعرف حدود الدعم الذي تقدمه أمريكا للعراق، وتسأل ماذا فعل المالكي بعد اكثر من عام على انسحاب اخر جندي امريكي من العراق، وهل ان رئيس الوزراء وفريق عمله يسعون إلى ان يلعبوا دور الانظمة التي تعيش في المساحة المسموح بها بين شعارات السيادة الوطنية، وانشودة "التحالف الاستراتيجي" والتي تضمن لصاحبها شيئاً واحداً هو الاستمرار في السلطة وسط شعارات عن الديمقراطية ونزاهة الانتخابات.
ولهذا ربما نجد ان الادارة الامريكية تمارس اقصى حدود الحساسية في توجيه النقد والملاحظات للمالكي، وهي تظل مطمئنة للرسائل التي حملها وفد دولة القانون من انهم ليسوا ضد الشراكة الوطنية، ويسعون لبناء نظام ديمقراطي متميز، ولهذا فالوفد حاول مع بايدن ولجنة العلاقات الخارجية أن يثبت لهم انه الاقدر على النجاح، والاكثر قابلية على صياغة منهج الاستقرار والهدوء في البلاد.. وانهم تعلموا انهم ليسوا خالدين في السلطة وسيسمحون حتما لغيرهم بتداول شؤون السلطة والحكم.
ولان الإدارة الأمريكية وجدت نفسها تتخلص بنعومة من صداع مزمن اسمه العراق، فإنها ستصدق حكايات قادة ائتلاف دولة القانون عن رغبة المالكي في بناء نظام ديمقراطي تتداول به السلطة بسلاسة وسهولة، بل ان البعض ذهب به الخيال فصور الأمر بان التجربة العراقية ربما تكون الرائدة في المنطقة من خلال ايمان القادة السياسيين بمنهج الحوار والشراكة.. ولهذا فلا مانع من ان يؤيد اوباما المالكي في صراعه مع خصومة.. والذي بدا واضحا حسب رواياتهم في استقبال وفد ائتلاف المالكي، وفي المكالمة المهمة التي أجراها كيري مع المالكي.
ولان زيارة وفد ائتلاف دولة القانون ومكالمة كيري الهاتفية تأتيان والعراق يعيش لحظة سياسية معقدة جدا، لحظة يعتقد فيها العراقيون جميعا انها ستكون الفاصلة بين بلاد واحدة بطوائف والوان متعددة، ام انتقال الى عصر الدويلات الطائفية التي يلوح البعض بها هذه الايام للضغط على خصومه.. لحظة بين الامل ببناء بلد ديمقراطي حقيقي، وبين العودة الى نظام استبدادي يريد من امريكا ان تغض الطرف عن تصرفات حكامه، مقابل الاستمرار في تحالف استراتيجي لا تعرف الناس حتى هذه اللحظة هويته.
وربما يتساءل البعض هل بمقدور العراقيين ان يظلوا حقل تجارب للأمريكان، والسؤال الاهم هل هذه هي الديمقراطية التي بشرت أمريكا بها العراقيين بعد عام 2003.. وهل الديمقراطية مجرد انتخابات، ومجالس محلية ومجلس نواب بلا سلطات وقضاء، لايزال يدور في فلك المسؤولين؟
سيقول البعض ان امريكا لا يهمها ما يجري من ازمات سياسية في العراق، مادام النظام الحاكم يعيش معها شهر عسل لم ينته، مكالمة كيري ربما تجعلنا نطرح أسئلة قاسية، لكنها يجب أن تطرح الآن، وفي ظل حكايات الغرف المغلقة التي جرت بين الادارة الامريكية وائتلاف دولة القانون، هل سنعيش ثانية عصر الانظمة المستبدة التي تبحث عن حليف قوي تعيش تحت جناحيه، لكنها في الوقت نفسه ترفع راية التحرر من الشيطان الأكبر والصهيونية؟ ولكم في تجربة الـ 35 سنة التي عاشها العراق في ظل دولة "القائد المؤمن" ذكرى مؤلمة.
مقالات اخرى للكاتب