يُفهم الكثير من الزيارة التي قام بها المبعوث الأمريكي رئيس أركان الجيوش الأميركية الجنرال مارتن ديمبسي الذي حل ضيفا في المنطقة الخضراء! لكننا سنتطرق لتلك التصريحات المتضاربة التي أدلى بها في العراق والبحرين! ولكونه مازال يمثل دولة الاحتلال المنسحبة قهرا والمتواجدة قسرا في العراق! فينبغي قراءة بوادر الخطة الأمريكية القادمة، والتي ستخرج عن نطاق حدود العراق لتشمل أبعادا أخرى!
في الواقع إن تركيزنا على زيارة ديمبسي ليس لأهميتها قطعا، بل لما قاله في بغداد ونقلته كل الفضائيات والوكالات الإعلامية عن تأييده لجيش الحشد الشعبي "جحش" وخطة أمريكا لدعم المعارك بمزيد من الطلعات الجوية! وهو ما حصل فعلا كتصريح، لكن تلك الفضائيات لم تنقل تصريحه في البحرين التي وصلها بعد مغادرته العراق مباشرة والذي حمل الرسالة الأمريكية الحقيقية، وليس تلك التي حملها للحكومة المتبناة من الأمريكان!
لقد حذر ديمبسي في المنامة من احتمال تفكك التحالف الدولي ضد التنظيمات المتطرفة إذا لم تقم الحكومة العراقية بتسوية الانقسامات الطائفية في البلاد، وهي رسالة واضحة وصريحة لم يسلط الإعلام العراقي -على الأقل- الضوء عليها، كما أشار إلى القلق إزاء صعوبة استمرار التحالف للمضي في مواجهة التحدي ما لم تضع الحكومة العراقية إستراتيجية وحدة وطنية سبق أن التزمت بها، وهنا بدت بوادر عدم الثقة بحكومتهم في بغداد!
ثم تطرق ديمبسي الذي يمثل عمليا وجهة نظر البنتاغون إلى أن التحالف بقيادة الولايات المتحدة يضم دولا سنية بشكل خاص، وإن العلاقات بين بغداد وطهران باتت تثير القلق! وهذا ما سنركز عليه في مقالتنا.
وبعيدا عن كل ما يقال عن توافق أمريكي إيراني يريد الشر بالشرق الأوسط –وهو واقع على أية حال شكليا- لكن بوادر خسارة إيران في العراق تلوح في الأفق القريب، لكن كيف ومتى؟ سيأتي وقتها! أما ما يشير له تواتر الأحداث فيمكن تلخيصه بعشرة نقاط وكالتالي:
1- ابتعاد التحالف عن أي تدخل عسكري جوي أو بري خلال المعارك الأخيرة ( بالرغم من تأييد أمريكا للمعارك الجارية ضد الدولة الإسلامية).
2- تورط جميع المليشيات التي بدأت رائحة جرائمها تفوح (من وجهة النظر الغربية طبعا)!
3- انهيار تام لقوات جيش الحشد الشعبي "جحش" المجاز لها من قبل المرجعية (مع غياب لدور رئيسي للجيش العراقي).
4- تغلغل إيراني غير مسبوق في العراق (وهو الذريعة الأكبر لتبرير التوافق الأمريكي الإيراني).
5- خسائر بشرية إيرانية في العراق وسوريا (أغلبهم قادة ومسؤولين).
6- تحرك تركي نحو دعم الجيش العراقي (لأغراض لا علاقة لها بما يصرح به العراقيون والأتراك).
7- تحرك عربي واضح يغذيه قلق شديد من وصول إيران إلى حدود دول عربية أخرى (وإن كان على استحياء)!
8- بوادر أزمة بين الحزب الديمقراطي الأمريكي ونتنياهو وحزبه حول إيران (بصرف النظر عن نظرية المسرحية)!
9- تحرك إيراني إعلامي خارج عن المألوف وفقا للسياسة الإيرانية الناعمة (وهو خلاف العادة عندما تحتدم المواقف).
10- تطور إقليمي خطير ينطوي على تدخلات إيرانية مكشوفة في عدد من الدول العربية (تهديد لدول عربية أخرى).
مما تقدم وباعتقاد شخصي إن المخطط لم ولن يكون للقضاء على إيران! فلا زالت إيران تمثل التهديد المحمود بالنسبة للغرب ضد الدول العربية، لكن في الوقت ذاته تمثل خطرا استراتيجيا لأمريكا بسبب التوافقات الروسية الإيرانية، وهذا لا حاجة لإثباته! خاصة مع عودة قوية لروسيا إلى المنطقة، والتي ستستثمر جميع أخفاقات أمريكا خلال القرن الماضي في المنطقة لصالحها.
لذلك فالعملية برمتها لن تكون سوى قص أجنحة إيران في المنطقة، وليس القضاء عليها، لكن السؤال ما هي مكاسب الولايات المتحدة من ذلك؟؟
إن إنهاك إيران في معارك خارجية سيأتي بالنفع لأمريكا التي تبحث عن مخرج اقتصادي يبقيها بعيدا عن الانهيار المحتمل –حسب توقع اقتصاديين-، فالاستمرار في خطة جعل إيران البعبع الذي يهدد الوطن العربي على العموم والدول الخليجية على وجه الخصوص لم يعد يفي بالغرض بعد أن تمددت إيران بالفعل في أربع دول عربية، وهو ما سيسقط كذبة أو تبرير أمريكا لاستمرار حلب الدول العربية!
من جانب آخر، لم تكن إيران يوما ما اضعف اقتصاديا وسياسيا من الوقت الحالي، وهو أمر يصعب على كثيرين القناعة به بسبب انتشار إيران الواضح في المنطقة، مع الأخذ بنظر الاعتبار إنه السبب في تشتيت الجهد الإيراني وإضعاف فعالياته التي خطط لها كثيرا في الماضي، لكن في المقابل تعلم إيران جيدا بأنها تلعب بورقة الوقت الذي كلما طال سيعود بالضرر على أمريكا التي بدت وكأنها تستعجل خطواتها نحو حلحلة قضايا المنطقة على طريقة الفوضى الخلاقة.
لن يكون هدف تغيير نظام الحكم في إيران مستساغا لكثيرين، ليس بسبب رفضهم لهذا التغيير! بل لاستبعادهم لاحتمالية التغيير نفسها، فقد وصل اليأس من التغيير إلى الاعتماد الكلي على نظرية التوافق التام اعتمادا على عوامل كثيرة أسست لرسوخ علاقة حميمة بين أمريكا وإيران لن يكون من السهل مسحها من الأذهان، لكن وبالرجوع إلى الوراء قليلا سنجد بأن أمريكا قد دعمت التغيير في إيران نهاية السبعينات ضد شاه إيران محمد رضا بهلوي في وقت كانت إيران تحمل صفة شرطي الخليج! وهذا يعيدنا إلى لعبة المصالح التي لن تقبل صداقة أو عداوة مستديمة.
مقالات اخرى للكاتب