الحكاية الشعبية المستمدة من التراث الشعبي تعتبر أكثر الحكايات مناسبة للطفل، لقدرتها على إثارة خيال الطفل
وتعالج القضايا الرئيسيّة في حياة الفرد من قبيل الحب والكره والطمع، وسعة الرزق بعض الضيق، وتبقى الحكايات الشعبية غنيّة بالتجارب في مواجهة تحديات الزمن الصعب، والأيام القاسية والاستفادة من الحكاية الشعبية في تقديم دراما تربوية وتعليمية وترفيهية للطفل، من أجل خلق عالم واحد يحقق فيه الطفل ما يعجز عن تحقيقه في عالمه الواقعي، وتحويل الحكايات الشعبية بأنماطها المتعددة الى دراما مسرح الطفل، لما تتسم به من خلق عالم سحري وخيالي مثير، يعيش معه الطفل ويستمتع به، ويلعب مسرح الطفل من خلال عملية التعلم الاجتماعي، وتلقينه قيم المجتمع دورًا هامًا في تنشئة الطفل، و يسهم المسرح مساهمة فعالة في نقد التصرفات الخاطئة غير المرغوب فيها، أو تأييد التصرفات الايجابية والمرغوب فيها، وذلك من خلال مشاركة الطفل في تنفيذ العرض المسرحي بالقيام بأداء دور بعض الشخصيات او من خلال الاخراج المسرحي ويقدم الطفل اثناء التدريب النصح إلى الشخصيات المسرحية أو إلقاء اللوم على بعض تصرفاتها.
هذه الحكاية مشابهة لسابقتها بالمعنى والمغزى لكنها تختلف بالمضمون حكاية الصراع بين الثنائيات المتناقضة كالخير والشر، وحب الذات وإنكار الذات، والطمع والأمانة وتهدف إلى إعلاء قيم الخير والسمو لدى الأطفال.
تقول حكاية جدتي:كان يا ما كان وعلى الله التوكل،كان في قديم الزمان في احدى المدن اخوان يعيشان معا، لكن ابواب الرزق انسدت في وجهيهما فقررا السفر الى مدينة اخرى، حمل كل واحد منهما زاده ورحلا، وفي الطريق قال الصغير للكبير: لنأكل من زاد احدانا حتى ينتهي، ثم نأكل من زاد الثاني،اتفق الاخوين على هذه الفكرة، وهما في الطريق أكلا زاد الاخ الكبير أولا، وعندما انتهى زاده وماؤه وهما يسيران شعر الاخ الكبير بالعطش، فطلب من اخيه الصغير ان يعطيه قليلا من الماء لكن الصغير قال: الماء معي يكفيني وحدي وترك اخاه الكبير وانصرف وحده، سار الكبير وحده وهو يعاني الجوع والعطش الشديدين فضعفت قواه، فذهب الى حفرة واضطجع ليستريح فيها وفي هذه الاثناء مر جنيان وجلسا يستريحان قرب الحفرة، قال الجني الاول: كيف تقضي وقت فراغك يا صديقي؟ اجاب الجني الثاني في مكان كذا توجد خزائن كثيرة، اذا (ضجت) انظر اليها وتنشرح نفسي وأنت كيف تقضي وقت فراغك ؟ اجاب الجني الاول: اما انا فإذا ضجت ادخل راس اي فتاة جميلة فتصير مجنونة سأل الثاني: (وما علاجها ؟) اجاب الاول: (يرش على وجهها دم بقرة صفراء، فتصبح عاقلة).
كان الاخ الكبير يسمع حديثهما، وهما لا يعلمان بوجوده في الحفرة وبعد ان استراح الجنيان انصرفا وخرج الاخ الكبير من الحفرة، فأبصر قافلة متجهة الى احدى المدن، فأشار اليها بيده ورآه بعض رجالها فحملوه معهم، ولما دخل المدينة وجد الناس في حالة هرج ومرج فسألهم: ما بكم ياناس ؟
فقالوا له: انت غريب ولا تعرف شيئا، ان بنت السلطان مجنونة، ولا يستطيع احد ان يشفيها، ذهب الاخ الكبير الى السلطان وقال له: (انا اقدر ان اشفي ابنتك) فقال السلطان: (انها محبوسة في غرفتها، والكل يخاف الدخول عليها، اننا نعطيها طعامها وشرابها من الشباك، هل تعلم انه اذا لم يفد علاجك معها قطعت رأسك ؟
ادخله الى غرفة مملوءة بالرؤوس المقطوعة للأطباء الذين لم يستطيعوا علاجها، فطلب الاخ الكبير من السلطان
خمسمائة ربيه وان يمهله فترة فأعطاه السلطان ما طلب، اشترى الاخ الكبير ملابس جديدة واستأجر سكنا، ثم سأل عن سوق الحيوانات واخذ يفتش عن بقره صفراء، ولكن لم يجدها وكان كل يوم يذهب الى سوق الحيوانات من الصباح الى المساء ثم يرجع الى داره مرهقا حزينا، الى ان جاء يوم وهو يبحث في السوق فأبصر فلاحا يجر بقره صفراء ليبيعها فاشتراها منه، وذبحها ووضع دمها في طشت ثم ذهب الى قصر السلطان، وطلب من الخدم ان يفتحوا باب غرفة بنت السلطان ففتحوها له وهربوا بعيدا، اقترب الشاب من بنت السلطان ورش على وجهها دم البقرة فسقطت مغشيا عليها، وبعد ان افاقت من غيبوبتها اخذت تبكي فأسكتتها الخادمات وادخلنها الحمام وحممنها وذهبت الى ابيها وقبلت يده ، ففرح كثيرا جدا .
شكر السلطان الاخ الكبير، وقال له: (لقد شفيت ابنتي، وسأزوجك بها ) فرح وتزوج بنت السلطان ثم ذهب الى محل الخزائن وجمع الذهب والمجوهرات ونقلها الى منزله .
وفي يوم من الايام خرج السلطان في مهمة، فأوكل السلطنة الى الاخ الكبير، وبينما كان الشاب جالسا، والناس يدخلون عليه رأى اخاه الصغير يرتدي ثيابا ممزقة فطلب من الحراس ان يعتنوا به وادخلوه عليه، فعرفه اخوه الصغير وراح يبكي وشكا اليه سوء حاله، وحكى الاخ الكبير ما حدث له، وطلب منه البقاء معه ليشاركه في الحكم لكن الاخ الصغير قال: (انت وصلت الى هذه الحال حين نمت في الحفرة، انا لا أعرف سر الحفرة جيدا، سأذهب الى هناك واسكن احسن هناك ولا اريد منتك).
حاول الاخ الكبير منع اخيه الصغير من الذهاب لكن طمعه جعله يصر على الذهاب، فذهب الى الحفرة وجلس فيها وعندما جاء الجنيان، قال الاول (كيف تقضي وقت فراغك ياصديقي ؟) فأجاب الثاني: لم يعد لدي شيء اتسلى به فقد اختفت الخزائن، فتنهد الثاني وقال: (انا ايضا عرف سري) فقال الاول: ربما يكون ابن ادم قد اطلع على سرنا، احس الجنيان بان في الحفرة شيئا فنظرا فيها ووجدا الاخ الصغير، فانقضا عليه وقتلاه وهذه هي نهاية الطمع.
وكنا عندكم وجئنا ونلتقي في حكاية جديدة
مقالات اخرى للكاتب