ورقة موقف - نحو خطط وسياسة نفطية و حوكمة سليمة
ومعهد التقدم للسياسات الإنمائية يشوه الحقائق
لقد نشر الخبيرين الأستاذ أحمد موسى جياد، الخبير الاقتصادي في شؤون النفط، والأستاذ طارق شفيق، الجيولوجي المخضرم ومؤسس شركة النفط الوطنية، ورقة موقف باللغة الانجليزية بعنوان ""ورقة موقف - نحو خطط وسياسة نفطية و حوكمة سليمة"" (1) يستعرضان فيها نشاط وزارة النفط ووزيرها، وهو الآخر خبير نفطي له من الخبرة ما يزيد على45 عاما في مجال الصناعة الاستخراجية ومدير عام أسبق لشركة نفط الجنوب.
الورقة كانت شاملة تقريبا لمجمل نشاط الوزارة خلال الفترة الأخيرة، ولكن بمعلومات تنقصها الدقة مرة، وأخرى ناقصة لوجود تفاصيل بعيدة عن علم الخبيرين، أعتقد أن نواياهم كانت سليمة، ولو أن الخبيرين كانوا قد استكملوا المعلومات التي طرحت لأدت الورقة إلى أفضل النتائج، لكن الذي حدث هو أن نتائجها جائت معكوسة تماما مع الأسف الشديد.
كان الذي تبنى الورقة هو ""معهد التقدم للسياسات الإنمائية"" الذي يديره الدكتور مهدي الحافظ، فنظم ندوة في المعهد يوم السبت الموافق الأول من نسيان الجاري، حيث دعاني مدير المعهد لعرض النقاط الواردة في الورقة والتعليق عليها.
قدمت مضامين الورقة بأمانة تامة، وكانت ملاحظاتي مركزة على عدم دقة ما ورد بالورقة من معلومات استند إليها الخبيرين وكذلك إكمال ما تيسر لي من معلومات تتعلق بنقص المعومات لديهم، ولطول وسعة المواضيع المطروحة وكثرة الملاحظات التي كان من الضروري تبيانها، أخذ العرض مني نحو ساعة، أو أقل قليلا، وداخل من بعدي عدد من الحضور أهمهم النائب عدنان الجنابي والخبير النفطي الكبير الأستاذ فؤاد الأمير وآخرون كان لكل منهم نقطة واحدة.
لكن، وللأسف الشديد، نشر في اليوم التالي مختصر لمضامين الندوة، كعادة المعهد في مثل هذه الندوات، في صحيفتي الصباح والصباح الجديد (2) و(3)، إضافة إلى أن محتوى المختصر الذي كتبه المعهد والذي تم نشره، كان قد أرفقه الدكتور الحافظ برسالة إلى السيدين رئيس الوزراء ورئيس مجلس النواب، وما فاجأني حقا وأثار غضبي، هو أن كلامي قد تم أختصاره بمقطع من بضعة سطور بالرغم من أني أخذت نحو ساعة بالعرض كما أسلفت، كان المختصر قد شوه بهذه الأسطر المحدودة كل ما قلته وحوره ونسب لي كلاما قاله غيري من السادة المداخلين وكلاما آخر لم أتجرأ على قوله مطلقا، وبعد نشر مختصر مضمون الندوة وإرسال الرسائل الآنفة الذكر، بعث لي المعهد بالمختصر منشورا مع الرسائل وكأني لا شأن لي بالموضوع، أو كأنهم يعتبرون مختصرهم المشوه هو عين الحقيقة التي لا نقاش فيها ولا جدل، حيث أنهم لم يبعثوها لي قبل نشرها لتصحيح ما ورد فيها من أخطاء شنيعة، ومعلومات مشوهة، فضلا تلك عن الملفقة أو المعكوسة المحتوى والمضمون كوني كنت المداخل الأساسي في الندوة، حيث كان الأمر يقتضي مراجعتها من قبلي قبل النشر أو التصرف بها.
بنفس الوقت استلمت رسالة الكترونية من الأستاذ أحمد موسى جياد، بالنيابة عن الأستاذ طارق شفيق وأصالة عن نفسه، تتضمن عشرة أسئلة تتعلق بمضامين الندوة والعرض الذي قدمته، حيث كانوا قد قرأوها منشورة في الصباح الجديد قبل أن أقرأها أنا لانشغالي.
في حال قرائتي لرسالة الخبيرين، أجبت عليها بحسب تسلسل الأسئلة التي ورت فيها.
سأحاول التطرق لأهم المواضيع التي تحدثنا عنها خلال الندوة لإعطاء القارئ صورة أوضح عما جرى.
بما يتعلق بقانون شركة النفط الوطنية فإن الوزارة تعمل عليه ووضعت مشروعا للقانون متكامل، حيث كان الخبيرين قد أرسلت لهم مسودة المشروع لغرض إبداء الرأي، وقد شارك بإبداء الاراء حولها جياد ولم يساهم شفيق بأية آراء أو ملاحظات، وقد أخذت ملاحظات جياد جميعها بنظر الاعتبار، لكن مجلس الوزراء قد إرتأى أن تكون العودة لقانون رقم123 لسنة64 مع بعض التعديلات، وقد صوت مجلس الوزراء على ذلك، وأرسل المشروع إلى مجلس النواب، وهذا ما ذكره الدكتور سليم الجبوري في كلمته بيوم الشهيد، في الأول من نيسان الجاري، أي بنفس يوم إنعقاد ندوة معهد التقدم، وكنت قد أعلمت السيد عدنان الجنابي بذلك قبل أن يقدم مداخلته كونه كان قريبا مني على المنصة، لكن للأسف الشديد تغاضى الجنابي عن هذه المعلومة، وطالب الوزارة بأن تعد مشروع لإعادة تأسيس شركة النفط الوطنية. من الجدير بالذكر أن الجنابي كان واحدا من الذين كتبوا مقترح البرمان العراقي لقانون النفط والغاز في شباط2011 الذي يبيح للأقاليم والمحافظات تطوير الحقول النفطية كما حدث في كردستان، وهذا الفعل أعتبره جريمة بحق العراق بالرغم من رفظ البرلمان لهذا المقترح، وقتها سارعت وزارة النفط وقدمت مشروع رصين إلى مجلس النواب، لكن تم تعطيل القانون من قبل الكتلة التي ينتمي لها الجنابي بالتعاون مع الكتلة الكردية آن ذاك، لذا بقي العراق بدون قانون للنفط والغاز لحد الآن، ومن الجدير بالذكر أيضا أن السيد الجنابي تحدث باستفاضة عن ذلك الجهد التشريعي الكارثي باستفاضة خلال الندوة وكأنه نضالا وطنيا بأهداف نبيلة، لكن تقرير الندوة لم يتطرق لحديثه في هذا الشأن، وكان من الضروري أن يتطرق التقرير لهذه المسألة لكي يعرف الشعب العراقي، ما هو هدف الجنابي من حضور الندوة.
وهكذا بدا واضحا الهدف الأكبر من وراء تنظيم هذه الندوة، لكن للأسف الشديد أسيء من خلاله لكتاب ورقة الموقف، رغم تسرعهم بإصدارها، وكذلك المداخل الرئيسي، أنا شخصيا، وباقي المداخلين الغافلين عن حقيقة ما جرى، وربما لحد الآن.
ذكرت لهم أيضا أن الوزارة تعمل على، بل أنجزت، مشروع لقانون شركة الغاز الوطنية العراقية ولكن تم التريث بالصويت عليه من قبل مجلس الوزراء لأسباب أجهلها.
كما وذكرت لهم حقائق أخرى غائبة عنهم منها أن الوزارة، على حد علمي المتواضع، من أشد الجهات معارضة لموضوع تطوير حقول جديدة صغيرة وحتى متوسطة، حيث أنها ترى أن التركيز يجب أن يكون على الحقول الحدودية في حال تم الاتفاق مع الجانبين الإيراني والكويتي بشكل نهائي، حيث أن الطرفين الأخيرين يسوفان في هذا الموضوع ولا يريدان حسمه في حين أن العراق متحمس لمثل هذه الاتفاقات. لكن للأسف الشديد أن المختصر الذي أعده المعهد لم يذكر شيئا من هذا القبيل، كما أن ورقة الموقف للخبيرين، أهملت حقيقة أن الإعلان الذي جاء من مسؤولين في المحافظات بتطوير حقول عائدة لها لم يأتي باتفاق مع الوزارة، بل أن الوزارة أعلنت بأن مسألة تطوير الحقول شأنا سياديا ولا علاقة للمحافظات به، والكل يعرف أن مثل هذه المحاولات قد حدثت من قبل وأعلنها مسؤولون في تلك المحافظات، حيث من المعروف أن هذه المحاولات يقف ورائها جشع السياسيين المتنفذين في تلك المحافظات لنهب ثروة العراق على غرار ما حدث في كردستان، لذا كان رد فعل الوزارة حاسما لهم، معلنة بأن مسألة تطوير الحقول شأنا سياديا وليس من حق المحافظات الإعلان عنه.
وكنت قد تحدثت عن مسعى الوزارة لإعادة هيكلتها ولكن بعد إعادة تأسيس شركة نفط الوطنية، بحيث تتفرغ الوزارة لمراقبة أداء الصناعة الاستخراجية ووضع السياسات الرصينة لها من خلال هيكلة عصرية على أيدي شركات استشارية رصينة وهو ما تحدث به السيد الوزير من خلال المناقشات معه حول هذا الموضوع، وذكرت للخبيرين أنه ربما يكونون من ضمن الجهات التي سيتم الاستعانة بها في هذا المجال في حينه.
وقد أوضحت لهم أيضا أنه من خلال اطلاعي المباشر بأن الوزارة اليوم تمتلك نفس الرؤيا التي لديهم بما يتعلق الأمر بالعقود المعيارية للصناعة الاستخراجية، المعروفة بعقود الخدمة، وهم اليوم من أشد الناس تمسكا بعقود الخدمة بعد أن شاهدوا نتائجها الباهرة على أرض الواقع وأن الوزارة تعمل على تحسين إدارة هذه العقود بما يحقق المزيد من الربح ويحد من الهدر، أما تعديل العقود فإنه يجب أن يكون مدروسا من قبل خبراء.
أما عن إعلان الزيادة بالاحتياطي النفطي التي أعلنت عنها الوزارة كان حديثي في الندوة يختلف عما ظهر في التقرير، حيث أن لأخطاء التي وردت بتقرير المعهد كانت كثيرة، فإني ذكرت بالتحديد: أن الإعلان عن ارتفاع الاحتياطي النفطي من قبل الوزير الأسبق لم تكن تستند إلى اكتشافات جديدة، بل استندت إلى إعادة تقييم من قبل الشركات للمكامن النفطية التي في حقولها حيث وجدت أنه يمكن إنتاجها بنسبة استخلاص أعلى بحيث تصل إلى35% وحتى40% في بعض الحقول لكن بعد توفر الماء لضخه في المكامن، وهذه الأرقام هي التي تم التراجع عنها، أما الإضافة الجديدة للاحتياطي التي وردت بتصريح السيد وزير النفط الحالي فإنها كانت كنتيجة لاكتشافات جديدة في حقول السيبة والسندباد وديما وأريدو بالإضافة إلى الزيادة في حجم مكامن حقلي الناصرية والعمارة بعد أن تم حفر المزيد من الآبار فيها، وعليه فإن هذه الاكتشافات الجديدة قد زادت الرقم من142 إلى153 مليار برميل كرقم جديد للاحتياطي.
كان تقرير المعهد قد حرف الرأي الذي قلته بالموضوع المتعلق بالاستكشاف في مياه الخليج، حيث اعترض الخبيران علي في هذا الشأن أيضا، وذكرا بأنهما ليسا ضد الاستكشاف عموما، ولكن ضد الاستكشاف في مياه الخليج تحديدا كونها عمليات مكلفة من الناحية الاقتصادية، وهذا ما عرضته في الندوة، لكن في الحقيقة أنا كنت قد اختلفت معهم بمسألة الاستكشاف في مياه الخليج، حيث على حد علمي المتواضع أن هناك معلومات مؤكدة بوجود حقل غاز عملاق يقع بين الكويت وإيران ويعتقد أن له إمتدادات كبيرة في المياه العراقية، لكن الذي يعيق تطويره هو الصراعات السياسية والخلافات الخليجية الإيرانية، وهذه الخلافات لا تعنينا، إضافة إلى أننا بحاجة إلى المزيد من الغاز على الأقل لتغطية احتياجاتنا المحلية، لذا كنت أتفق مع رؤيا الوزارة من ناحية الاستكشاف في الخليج بالرغم من ارتفاع تكاليفه.
أما بالنسبة لمسألة إعادة النظر بعقود الخدمة، فأنا كنت أتفق مع رؤيا الخبيرين وحتى مع التعديلات التي اقترحاها، وهي بالفعل اقتراحات بناءة ويجب أخذها بنظر الاعتبار مستقبلا، أما الآن يجب تحاشي مسألة تعديل العقود خوفا من وقوع المفاوض العراقي بأخطاء كما حصل بالتعديل السابق للعقود والذي أضر بمصالح العراق.
وأخيرا فإن الدليل الذي لا يقبل الشك بأن مسألة تحريف آرائي مسألة مقصودة هو أن التقرير كان قد اعتبرني من المؤيدين لعقود المشاركة بالإنتاج! في حين يعرف القاصي والداني من أني من أشد الناس تأيدا لعقود الخدمة، وأرفض مبدأيا عقود المشاركة فضلا عن تعارضها مع الدستور، ولا أدري كيف نسب لي المعهد هذه التهمة التي يجب أن يعاقب عليها القانون، وأعتبرت هذا الخطأ الذي ارتكبه المعهد من أفضل الأمثلة على بؤس التقرير المنشور في الصحيفتين.
روابط الموضوع:
1-الرابط لورقة الخبيرين أحمد موسى جياد وطارق شفيق
file:///C:/Users/Hamza/Downloads/Documents/Ahmed-Mousa-Jiyad-Position-Statement-TES-AMJ-IBN-March2017.pdf
2-نشرت صحيفة الصباح تقريرا موجزا عن الندوة
http://www.alsabaah.iq/ArticleShow.aspx?ID=134718
3-نشرت صحيفة الصباح الجديد تقريرا تفصيليا عن الندوة، وهو التقرير المقصود بهذا الرد.
http://newsabah.com/newspaper/116982
مقالات اخرى للكاتب