يسعى الإِعْلام بتعددِ وسائله وتباين سبلها إلى تعميقِ أذرعه، والَّتِي تحقق له النجاح في مهمةِ نقل التفاصيل الخاصَّة بكثيرٍ مِنْ الوقائعِ والأحداث، إلى جانبِ بذلِ أقصى الجهود الرامية لتحليلِ المهم مِنْ المجرياتِ عَلَى أروقةِ الساحة الدولية، بالإضافةِ إلىتغطيةِ مجالاتٍ عديدة لأجلِ إدامةِ التواصل مع المتلقي بالاِسْتِنادِ إلى طبيعةِ الموضوعات، الَّتِي تُعَد بحسبِ الخبرة والمِهْنية مِنْ أولوياتِ اهتماماته.
غَنِيٌّ عَنِ البَيَانِ أنَّ ثقلَ المحتوى الَذي تَنُوء بحَمْلِه الحقائب الإِخْباريَّة عَلَى سبيلِ المثال لا الحصر جعلها تعج بالمهمِ والمثير مِنْ الأخبار، فأصبحت مليئة بما يبعث عَلَى التفاؤلِ والأمل أو ما يفضي إلى الحزنِ والقلق والهم والتوتر وربما الاكتئاب أو ما يثير العجب والاستغراب.
فِي الأيامِ الماضية شُغِلَ الإِعْلام العالمي بقرارِ نجم كُرَة كرة القدم البرازيلي السابق ( بيليه ) بيع ما يزيد عَلَى ألفي قطعة مختلفة مِنْ تذكاراتِه، والَّتِي حصل عليها خلال مسيرته الطويلة فِي المستطيلِ الأخضر، ولاسيَّما ميداليات كأس العالم الثلاثة بمزادٍ يستمر ثلاثة أيام فِي لندن؛ لأجلِ جمع الكثير مِن الأموالِ تمهيداً لإنفاقِها فِي مشروعاتٍ وأعمالٍ خيرية، فِي القلبِ منها إقامة مُسْتشفًى للأطفال، بالإضافةِ إلى مساعدةِ ناديه السابق ( سانتوس )، والَذي يُعَده مَنْ صنعه وقاده إلى بناءِ أمجاده.
لسنا هُنَا بصددِ التعليق عَلَى مبادرةِ أفضل لاعب أنجبته ملاعب الكُرَة عَلَى مدارِ تاريخها، ولا علاقة لنا بمسيرةِ هذا النجمِ العالمي فِي سوحِ الرِّياضة، إلا أنَّ ما يلزمَنا الإشارة إلى ما أقدم عليه، هو الكوارث الَّتِي تنهال عَلَى رؤوسِنا مِن دونِ توقف بفعلِ التصدعات البِنْيَويّة الَّتِي طالت مَنْظومة مُجْتَمَعنا القيمية، إذ مِنْ غيرِ المعقول أنْ يفاجأ المواطن بانتشارِ شريط فيديو يظهر فيه مسؤول تنفيذي فِي حالةِ سكر شديد مع مجموعةٍ مِن بائعاتِ الهوى بإحدى نوادي العالم الليلية في وقتٍ ينتخي فيه غيارى العراق شيباً وشباباً للذودِ عَن حياضِه، والَّتِي ما تزال عرضة للأعداءِ والطامعين. ولا أعتقد أنَّ هناكَ مَنْ يشعر بالاطمئنانِ إلى مستقبلِ بلاده وأطفاله حين ينصت إلى عضوٍ فِي مجلسِ النواب وهو يعترف بعظمةِ لسانه عبر القنوات الفضائية بتلقِيه رشوة ماليةتصل إلى ( 2 ) مليون دولار أميركي، والجميع يعلم أنَّ الكثيرَ مِن المتطوعين في فصائلِ الحشد الشعبي، لا حيلة لهم فِي الوصولِ إلى منازلِهم عندما يحين موعد الإجازة الدورية بسببِ عدم امتلاكهم ما يكفي مِنْ المالِ لسدادِ أجرة النقل!!.
لعلَّ ما يثير الانتباه فِي جملةِ الأخبار المحلية هو قيام لص عراقي بإعادةِ مبلغ قدره عشرة ملايين دينار عراقي بعد مرور يومين عَلَى سرقتِه مِنْ أحدِ المنازل السكنية في المحيطِ الشرقي لقضاءِ المقدادية بمحافظةِ ديالى بعد أنْ تبين له أنَّ المبلغَ المسروق هو عبارة عَن ميراثٍ لأطفالٍ يتامى حصلوا عليه مِنْ بيعِ قطعة أرضٍ سكنية يملكها والدهم، والَذي أودى بحياتِه انفجار سيارة مفخخة قبل أربع سنوات!!.
لا أظنُ أنَّ هَذَا اللص، والَذي عاش عقدة تأنيب الضمير فِي أعقابِ عملية السطو سيلجأ إلى خيارِ السرقة في حالِ حصوله عَلَى فرصةِ عملٍ تدر عليه رزقاً حلالاً، إذ أنَّ الإخفاقاتَ الحكومية في مواجهةِ آفة الْفَسَاد المالي والإداري وخيبة أذرعها التنفيذية بمهمةِ مكافحة العمليات الإرهابية ساهمت بما لا يقبل الشك فِي تنامي معدلات الجريمة وتصاعد وتائر ظاهرة الْفَسَاد بمجتمعِنا.
عراقيٌ ربما دفعته ظروف موضوعية إلى ولوجِ عالم اللصوصية، خجلَ مِنْ نفسِه لأن ما سرقه مِنْ أموالٍ تعود ملكيتها إلى أطفالٍ صيرهم الإرهاب يتامى، فمَنْ يعيد للشعبِ أمواله المنهوبة، ومَنْ بمقدورِه إعادة الاعتبار لعوائلِ الشهداء وضحايا الإرهاب مِنْالأيتامِ والأرامل والثكالى، وهل سيطرق مسامعنا خبراً ولو بعد حين عَنْ قيامِ مسؤول عراقي بإنشاءِ روضة أو مدرسة أو مستوصفاً أو قاعةً رياضية أو بناية لمنتدى ثقافي أو متنزهاً؟!.
أغلبُ الظن أنَّ هذه التطلعاتِ ستبقى مجرد آمال حبيسة صدور الفقراء والمعوزين إلى قيامِ الساعة.
في أمانِ الله.
مقالات اخرى للكاتب