لاتمر العديد من المناسبات التي يحضرها "الحجي ابو اسراء" دون ان يثبت لنفسه وحزبه القائد قبل الاخرين من انه ليس برجل دولة، بعد ان وضعته الاقدار الحمقاء وغيره من الاميين والجهلة والطائفيين لقيادة بلد متعدد القوميات والاديان والمذاهب من جهة، وله "العراق" تاريخ سياسي طويل عمّدته دماء شهداء احزاب وطنية قدّمت قوافل من الشهداء (كالحزب الشيوعي العراقي) من اجل سعادة شعبه وليس سرقته كأحزاب السلطة اليوم، كما العراق.
وعندما نقول ان المالكي ليس برجل دولة فاننا نعني عدم توفر صفات رجل الدولة فيه، فعلى الرغم من عدم وجود تعريف دقيق لرجل الدولة لكننا نستطيع ان نضع بعض المواصفات التي على السياسي ان يتصف ولو ببعض منها كي يكون رجل دولة حقيقي، ومن هذه الصفات او السمات بل واهمها هو قدرته على قيادة بلده ورسم استراتيجية واضحة ومرنة كي تكون قابلة للتطبيق من اجل بناءه "البلد" اثناء السلم، وان يمتلك المهارة الدبلوماسية في تضييق شقة الخلاف مع اعداء بلده وتحييدهم اثناء الحرب والازمات، وحنكته في تجاوز المشاكل القومية والدينية والمذهبية والسياسية في حياة بلده الداخلية. فهل هناك سمات من تلك التي اوردناها في المالكي؟
وعودة للتاريخ الذي لم يقرئه المالكي على ما يبدو فانني أحيله الى قراءة حياة الكاردينال والسياسي الفرنسي الكاثوليكي "ارماند دي ريشيليو" الذي كان يساند الولايات البروتستانتية في حروبها ضد امبراطور النمسا على رغم مخالفة ذلك لعقائده لان مصلحة فرنسا البلد هي اهم بنظره من مصلحة فرد او دين او مذهب. لذا نراه على رغم اختلاف وجهات النظر حوله قد نزع ردائه كرجل دين ليقود دولة مدنية، اي بالضبط عكس المالكي الذي يلتف بعمامة دينية وعباءة عشائرية ليقود بلد علماني الى بلد ديني فاشل بكل المقاييس، واثبتت تجربة الاسلام السياسي وتجربته شخصيا باعتباره اطول رئيس وزراء عمرا بعد الاحتلال هذا الفشل وترجمته من خلال ما نراه من حطام في كل ارجاءه.
لقد وقف المالكي مرة بمناسبة ذكرى استشهاد محمد باقر الصدر وامام جيش من المعممين في مدينة النجف الاشرف ليصب جام غضبه على العلمانيين والحداثويين والماركسيين والملحدين، وان كان له بعض الحق في اشهار عدائه للملحدين لانه من خلفية دينية، الا انه يعرف جيدا "اتمنى ان يعرف" ان النظم الديموقراطية الحقيقية تمنح الانسان حرية الرأي والفكر والمعتقد وتمنع مصادرتها، وقد جاء في المادة 40 من الدستور العراقي والذي لم يقرئه المالكي هو الاخر على ما يبدو من ان ( لكل فرد حرية الفكر والضمير والعقيدة). ولم يكتفي المالكي بذلك بل عاد وقبل فترة وفي لقاء تلفزيوني جمعه وبعض الصحفيين ليعلن عدائه لليبرالية عندما خاطب الصحفي قائلا لتكن انت على ليبرليتك وانا على اسلاميتي، هذا عدا العديد من المواقف المتشنجة في خطبه ولقاءاته عن الكرد والسنة ليثبت لنا من انه ليس رجل دولة عليه الاعتراف بالتنوع الديني والمذهبي والقومي والفكري واحترامها، بل قائد حزب طائفي "شيعي" وصل الى السلطة ممتطيا حصان الديموقراطية الذي يراد له ان يكون اليوم "كديشا" من خلال قانون انتخابات ينصف اللصوص . الا ان ما جاء في كلمته امام المؤتمر التأسيسي لرابطة ذوي الشهداء في الخامس من الشهر الجاري ببغداد حول ماعاناه مناوئي البعث والمناضلين ضده في سجونه ومعتقلاته الرهيبة وتجييره لصالح الاسلاميين فقط مع مرور خجول على نضالات غيرهم من يساريين وقوميين كردا وعربا وديموقراطين ومستقلين ووطنيين، يجعلنا ان نعود بذاكرة شعبنا والتي لازالت طرية لعقود مرّت كي نثبت فيها دجل وكذب المالكي في حديثه الانف الذكر.
السادة اعضاء حزب الدعوة الاسلامية، ما هو حجم نضالات حزبكم اثناء العهد الملكي وهل شهدت سجون الحلة وبعقوبة والكوت والمركزي ونقرة السلمان والعشرات من السجون والمعتقلات في طول العراق وعرضه شيئا من جهادكم مثلما يحلوا لكم وصفه، وهل تعرفون مدى التعذيب الذي تعرض له الشيوعيون العراقيون على يد جلادي بهجت العطية، وهل قدم حزبكم قادته شهداء كما قادة الحزب الخالدين (فهد وحازم وصارم)؟ أين هم شهدائكم في اضرابات ووثبات وانتفاضات شعبنا من اجل الحرية والانعتاق كما شهداء الحزب الشيوعي العراقي، وما هو دوركم ان كان لكم دور في اضرابات عمال السكك 1936 وكاورباغي ووثبة كانون 1948 وانتفاضة 1952وغيرها العشرات وما هو حجم نضالاتكم ضد الاقطاع حينها؟ وهل ساهمتم في انجاح ثورة الجيش والشعب في 14 تموز عام 1958 ام كنتم وحلفائكم من الذين ساهموا في اغتيال تلك الثورة؟
وبعد اغتيال الثورة هل تستطيعون ان تدلوني على عذاباتكم "التي سطرها المالكي" في اقبية ودهاليز قصر النهاية او سجون العراق ومدارسه وملاعبه الرياضية التي حولها الفاشيون الذين تحالفت معها المؤسسة الدينية، الى اماكن لاغتصاب وتعذيب وقتل الالاف من الشيوعيات والشيوعيين العراقيين؟ لقد قدم الحزب الشيوعي وللمرة الثانية قيادته ورفاقه على مذبح حرية الشعب العراقي الذي يذبح بعهدكم الميمون اليوم، وما سلام عادل والعبلي ومتي الشيخ والحيدري والجلبي والالاف من رفاقهم الا دليلا ساطعا على همجية البعث وكذب سيدكم في المنطقة الخضراء الذي يحلم بان يجعل من حزبكم اليوم حزبا جهاديا وفيه من البعثيين والجلادين واللصوص المئات من الذين تعرفونهم انتم قبل غيركم والعديد منهم في مراكز سياسية هامة في الحكومة والبرلمان، من الذين استغلوا مناصبهم في نهب ثروات البلد ليصبحوا مافيا مالية تمتلك المليارات وفيهم من نعرفهم بالاسماء من الذين لم يكونوا يملكون قبل الاحتلال شروى نقير.
نعم لقد قاسمتم باقي الاحزاب الوطنية والقومية الكردية عذابات الدكتاتورية البعثية منذ ما بعد اواسط السبعينات حتى ساعة احتلال العراق وقدمتم كما قدموا قوافل الشهداء من اجل غد افضل لشعبنا ووطننا وفشلتم بعد وصولكم للسلطة بالامتحان فشلا ذريعا، لكن معاناتكم تلك ودماء شهدائكم البررة لاتمنح لسيدكم الحق بالقفز على نضالات وعذابات الاخرين. كما وانه لمن المعيب على "سياسي" ان يتجاوز نضالات احزاب قدمت المئات بل الالاف من الشهداء وهي تقاتل الطاغية من ذرى وجبال كردستان من اجل حرية شعبها ووطنها ويقارنها باحزاب كانت تقاتل الطاغية بتمويل من بلد جار.
المجد لشهداء الحزب الشيوعي وشهداء الحركة الوطنية العراقية
المجد لشهداء حركة التحرر الوطني الكردية
المجد لشهداء الحركة الاسلامية
والخزي والعار للقتلة ودكتاتوريي الامس واليوم
مقالات اخرى للكاتب