في ظل غياب الرقابة الكافية، أو بوجودها الصوري دون التنفيذ القانوني الفاعل، سيصبح من الممكن اختراق منظومة الدولة والعبث بها، ونهشها بسهولة وتدمير امكاناتها. وبموازاة التحديات الأمنية الكبرى التي تواجهها البلاد، تبرز الحاجة إلى أهمية التركيز على رقابة أخرى، هي الرقابة الغذائية، كدرع حصين في منظومة الأمن الغذائي، ففي الجانب الصحي تُنشر تفاصيل موحشة بين فترة وأخرى؛ عن دخول مواد نافذة الصلاحية، ومخالفة للشروط الصحية والجودة المرتجاة.
مع بدء العام الجديد، وبعد أكثر من سنتين على إقراره من قبل مجلس النواب، نشر خبر عن البدء أخيراً بتنفيذ قانون حماية المستهلك. وبالتأكيد مثل هذا الخبر سيترك باب السؤال مفتوحاً عن سبب التأخير كل هذا الوقت، وعدم اكتمال الإجراءات الفنية الكفيلة بتطبيقه.
قبل أيام نشرت صحيفة "الغد" الأردنية، تقريراً معزّزاً بالصور، عن شحنة بسكويت فاسدة منتهية الصلاحية في أيلول 2013، تم تمدّيد صلاحيتها بالتزوير إلى عامين إضافيين، بغية التصدير إلى العراق، حيث كان من المفترض توزيعه على المدارس ضمن برنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة، على الرغم من كونه غير صالح للاستهلاك البشري.
القضية يتم تداولها الآن بين وزارة التربية ووزارة الخارجية والجهات الأردنية المسؤولة، وممثل البرنامج الأممي، وسيجري التحقيق في الانتهاكات إن وجدت لتتم معاقبة الجهات المسؤولة وفق القانون. ولا يمكن استباق تلك الإجراءات بأي تكهّن، وهي ليست القضية الأولى التي يثيرها الإعلام الاستقصائي في الأردن، حيث يحرّك السواكن بالتنقيب عن أدق الحيثيات في قضايا عديدة كل سنة. ولعلّ من المهم هنا الإشارة إلى دور الصحافة الاستقصائية لديهم وتمكينها لممارسة دورها بحيوية ومثابرة واضحة.
وبقدر الإشادة بتلك الجهود نرى أن من الواجب ذكر دور لجان الرقابة الصحية الحدودية المحلية التي رفضت إدخال الصفقة في وقت سابق، حيث بينت وزارة التربية في تقريرها بشأن الموضوع أن فرق المتابعة الصحية أعادت الشحنة إلى الأردن ولم تدخلها إلى العراق. والسؤال هنا عن تفاصيل هذا الإجراء، هو: هل تم بمعاينة تواريخ نفاذ الصلاحية الموضوعة على العلب، أم إن إجراءات الفحص تمت من خلال الفحص الكيميائي؟.
وهل إن مثل هذا الفحص موجود على الحدود، وكيف يمكن تفعيل تلك الإجراءات مع الدول المجاورة، من خلال 13 منفذاً حدودياً لإدخال البضائع، لبلد يستورد أكثر من 80 بالمئة من المستهلك الغذائي اليومي؟.
وعليه فان قضية (البسكويت المدرسي) على أهمية موضوعها ستصبح هامشية وعابرة في حسابات تلك النسبة الكبيرة، وهي كفيلة بأن تجعلنا نركّز من جديد على ما يخشى منه بين وقت وآخر، فالبضائع الداخلة ضمن المستهلك والمتداول اليومي، من دون رقابة أو مواجهة كافية، غدت من المخاطر الكبرى، وبالأخص حين تصبح كميات تلك المواد كبيرة، فالسيطرة الرقابية ستكون بالتأكيد أمراً صعباً..وتلك هي القضية.
مقالات اخرى للكاتب