قبل سنوات طالعت كتيباً مهما بعنوان "دليل التعامل البرلماني مع وسائل الإعلام" من إعداد مؤسسة رؤساء المجالس التشريعية ببرنامج الأمم المتحدة الإنمائي، وأتمنى أن يطالعه نوابنا الجدد، فلعلّ نقد الأداء البرلماني من قبل الإعلام هو أول ما يسعى إليه مجلس النواب، بعد أن ألزم نفسه في يمين التعاقد بالوفاء التام، تحقيقاً للتكامل الديمقراطي، وبناء المستقبل، ولعلّ في السعي النيابي شيئا مختلفاً الآن، وبالأخص بعد أن أعلن البرلمان عبر دائرته الإعلامية، عن خطة جديدة للتفاعل والتواصل، ربما كانت باكورتها التوقيع على مذكرة تفاهم مع شبكة الإعلام العراقي مؤخراً، من أجل ضمان حرية التعبير، وتحقيق الالتزام بين البرلمان والإعلام عبر لوائح مكتوبة، فاعتماد البرلمان على الإعلام بنشر قراراته ونشاطاته وفعالياته المهمة، يفرض عليه واجب الحماية والضمان للحق الإعلامي بالنقد والملاحظة.
بالطبع لن يستطيع مجلس النواب إحراز رضا الإعلام أو المتابعين جميعا لمجريات عمله، فوجود ملفات مؤجلة كثيرة مختلفة، سيجعل من أكثر الجلسات المقبلة وعلى مدار أشهر محل انتقاد واعتراض، وبكل تأكيد سيكون منطلق تلك الاحتجاجات من تحت قبة البرلمان نفسه، وخاصة حين تبث وقائع الجلسات في النقل المباشر، والتي تعد بحد ذاتها قضية مهمة، فالبعض يرى أهمية أن يتواصل البث المباشر تنفيذا لنص دستوري بمادته المرقمة 53/ أولاً، والتي تجيز للمجلس أيضاً حق حجب ما يراه منافياً للشرط الأمني أو كل ما يتعلق بضرورة؛ كوجود طرح غير قانوني أو تجاوز لفظي، وفي مثل هذه الحالة سيكون من الصعب على الدائرة الإعلامية إبداء الرأي والتوضيح المعلن عن تفاصيل كل حجب وأسبابه، لأنه سيدخل ضمن تفاصيل خاصة.
إن المتابع لمجريات الوقائع والتفاعل البرلماني مباشرة سيتعامل مع مادة أولية خام، فالعملية البرلمانية من أهم ميزاتها - وبحسب التجارب الديمقراطية الناجحة- المشاكسات وبحث التفاصيل ومناقشة مختلف الآراء، حتى يبدو المشهد مربكاً للمتابع العادي ويحسبه فوضى، ومثل تلك التفاصيل تحتمل أن تكون أيضا مادة إعلامية معرضة لتشويه الصورة الأصل حين تقتطع من سياق نقاش طويل، حتى يكون بناء المشهد من قبل وسائل الإعلام مرسوماً وفق غاية كل رسالة.
تلك العلاقة ومعلن مضامينها تشكل سرّ الجدل الأزلي، حمّال الأوجه، بين الإعلام والبرلمان، وهي مفيدة ونافعة وفق شروطها وآلياتها في السياق الديمقراطي، لكنها قد تصبح غير مفيدة، بل معيقة وضارة حين تستغل خارج الشرط.
ربما يكون من واجب الجهات الإعلامية المختصة في البرلمان تقديم توضيحات تفصيلية وإجابات على بعض الأسئلة والانتقادات، وبمختلف طرق التعبير والتواصل، من قبيل حق الردّ أو التوضيح العمومي، لأن ما يطرح في وسائل الإعلام سيشكّل في المتراكم رأياً عاما، أو هو جزء منه، خاصة حين يبحث الاعتراض والنقد في شأن وطني مهم.
مقالات اخرى للكاتب