في أول قرار تتخذه وزارة التربية لمراقبة أداء المدارس الأهلية ، أعلنت المتحدثة الاعلامية للوزارة السيدة سلامة الحسن في العاشر من الشهر الجاري ، أن الوزارة قررت ( غلق المدارس الاهلية التي لاتصل نسب النجاح فيها الى (30%) ، أعتباراً من هذا العام ) .
القرار رغم أهميته ، جاء صادماً في مضمونه الذي يمثل اعترافاً لايقبل الشك بمستوى تدني كفاءة تلك المدارس ، للحد الذي تكون فيه نسبة النجاح ( 30%) كافية لبقائها مفتوحة رسمياً ، وهذا يعني أن فشل ( 70%) من طلابها سنوياً أمراً طبيعياً بالنسبة للوزارة ، في الوقت الذي تتعرض فيه ادارات المدارس الحكومية للمسائلة والتحقيق ، الذي ربما تترتب على نتائجه عقوبات ادارية تطال الكوادر التعليمية فيها ، وفقاً للضوابط الرسمية التي تحكم اداء وزارة التربية العراقية منذ بداية تأسيسها .
اذا كان مبررالقائمين على مشروع التعليم الأهلي هو( ضعف) التعليم في المدارس الحكومية ، فأن نسبة الـ ( 30% ) التي أعتمدتها وزارة التربية حداً لبقاء مدارسهم مفتوحة ، تعني أنهم لم يصلوا اليها خلال السنوات السابقة ، أي أن واقع مشروعهم لايبرر اقامته والاستمرار به ، ناهيك عن تقاعس الوزارة طوال السنوات الماضية عن المراقبة الجدية لتلك المدارس ، اذ كان المفروض أن تحدد نسبة النجاح المطلوبة مسبقاً في ملف منح الاجازة ، كي لاتضطر الوزارة لاحقاً لاصدار هذا القرار .
أن واقع حال المدارس الأهلية في العراق معروف للجميع ، وهو لايخرج عن الواقع العام لباقي المؤسسات التي على شاكلتها ، وهو محكوم بالفساد والمحسوبية وسوء التخطيط والتحايل على القوانين النافذة ، وباستطاعة لجنة نزيهه ومتخصصة الكشف عن مستوى الالتزام بالضوابط التي تتضمنها ملفات أجازة أي مدرسة أهلية مفتوحة الآن ، ومقارنتها بالواقع الذي تزوره على الأرض ، لتتأكد من أن الغالب هو هياكل فارغة من اساسيات مفهوم المدرسة الذي يحدده القانون ، وعلى سبيل المثال نتسائل ، كم مدرسة منها تشتمل على ( المختبرات المتخصصة والمكتبة وقاعات للرسم والرياضة ) ؟ ، وكم مدرسة منها تشغل أبنية لاتصلح في الاصل فضاءاً للتعليم ؟ ، وأين مسؤولية لجان الوزارة التي كشفت في البدء عن تلك الابنية ووافقت عليها ؟ ، وأين هي تقارير المفتشين الذين زاروها ؟ !.
المفارقة الأكثر مدعاةً للألم ، ماصرح به مسؤول التعليم الأهلي في الوزارة ، عطفاً على هذا القرار لتأكيد أهميته حين قال ( أن الوزارة تعمل بشكل دائم على تطوير عجلة التقدم التربوي ، ساعية الى جعل الطالب العراقي بمستوى من الكفاية العلمية والمعلوماتية ..! ) ، ونحن هنا نسأله أذا كانت نسبة الـ ( 30% ) تنسجم مع تصريحه حول تطوير عجلة التقدم التربوي !!.
أن قرار وزارة التربية هذا ليس صادماً فقط ، أنما فاضحاً أيضاً لمستوى الأداء المتدني لها طوال السنوات الماضية ، رغم حجم التخصيصات المالية الهائلة التي تسربت كالبخار ، دون منافع جدية للعراقيين في مجال اختصاصها المهم في اعادة بناء التعليم في العراق ، بعد الخراب الخطير الذي اصابه في زمن الدكتاتورية ، وبدلاً من معالجة الحكومات المتعاقبة لهذا الملف المهم والحيوي في اعادة بناء الانسان والمؤسسات ، نجدها تحشره في دهليز المحاصصة الطائفية التي فشلت في تفكيك اختناقاته ، لأنها لاتملك برامج علمية مناسبة لاعادة تنظيمه ولتطويره .
الأمرالأكثر خطورة في قراروزارة التربية حول مدارس التعليم الأهلي ، يتمثل في كونه محاولة غير مسبوقة لتغيير الأساس المعتاد لخط الفصل بين النجاح والفشل في أذهان العراقيين ، وهو نسبة الـ ( 50 % ) ، وبدلاً من أن تسعى الوزارة لرفع هذه النسبة لحث الخطى باتجاه تحفيز طلبتها للاجتهاد وصولاً لتسريع وتائر اعادة البناء ومواجهة الارهاب بالارتقاء العلمي ورفع مستوى المسؤولية ، نجدها تصدر قرارات تأكل من جرف التعليم بدلاً من ترميمه وتقويته وبث الحيوية في مفاصله وقواعد بنائه ، وتحاول (سحب) خط النجاح الى مستوى متدني وغير مقبول في جميع بلدان العالم !.
على هذا وغيره الكثير ، نحن ندعو وزارة التربية الى مضاعفة النسبة المحدده في قرارها أعلاه لتكون ( 60%) ، اعتماداً على المبررالذي أستندت اليه الجهات التي أفتتحت تلك المدارس ، في أنها توفر تعليماً أفضل من المدارس الحكومية،أي أننا نطالب بأن تكون نسبة النجاح المعتمده في هذه المدارس ( 60% ) كي تتجنب الاغلاق ، ليس تجنياً على أصحاب المشروع ، لكن لضمان جديته ودوره في تطوير عجلة التعليم كما يدعون ، ودون ذلك يكون المشروع برمته أحد الاساليب التجارية التي ليس لها علاقة بالتعليم وأصوله ، وتكون وزارة التربية مساهمة في تواصله على حساب دورها ومسؤولياتها في ادارة وتطوير التعليم في العراق
مقالات اخرى للكاتب