لم يشهد تاريخ الشعوب مثيلا لما يجري في العراق، حيث مصلحة السياسيين تتقدم على حقوق الشعب بدون أي شعور بالمسؤولية الدستورية في حماية العراق و شعبه، فكل ما يحدث في الغرف المفتوحة و المغلقة هو كيفية الابقاء على نظام محاصصاتي يضمن للفاشلين البقاء في دائرة النفوذ، عكس القاعدة الاجتماعية التي تقول ان " المُجرب لا يجرب"، لكن ما يحدث في العراق هو عكس ذلك تماما، حيث تطالعنا نفس الوجوه منذ 2003، شاخ العراق فيها و لم تتوقف شهوة النهب المنظم للأموال العامة.
منذ سنة و العراقيون يتظاهرون للمطالبة بحقوق نهبها الفاسدون في مؤسسة الحكم، ومنذ ذلك التاريخ و الوعود تأكل سابقاتها فكل ما يتعارض و الطائفية السياسية مرفوض جملة و تفصيلا، لذلك تحولت مؤسسات الدولة الى دكاكين حزبية بالولاء و الانتفاع ، ما يحرم كفاءات الوطن من فرصة العمل في مؤسسات عامة تحولت الى ملكية حزبية و شخصية، لذلك سيكون من الصعب التفكير بالتغيير مع الابقاء على ذات البيادق، التي لو تترك غالبيتها تتجول في بغداد بدون حمايات ربما ضاعوا في أزقتها لأن غالبيتهم غرباء عنها في الأنتماء و الولاء.
ما يحدث منذ أشهر من " قراءات للكفوف و الفناجين" لمعرفة مستقبل العملية السياسية أظهر بشكل لا يقبل اللبس فشل تجربة الحكم الديني في العراق، و الحاجة الملحة لاعادة تفعيل المؤسسة الوطنية، التي قد تكون من بين بوادرها انتفاضة النواب ضد حكومة المحاصصات، و هي واجب شرعي و أخلاقي لأن الشعب حملهم المسؤولية و لن يقبل التحايل عليها، بدليل ما حدث من هرج و مرج داخل منطقتهم الخضراء في أيام الأعتصامات على أسوارها، و التي تمنينا مواصلتها حتى بزوغ شمس الحرية بتشكيل حكومة تترفع عن المحاصصات و التوافقات و تبويس اللحى.
و من خلال قراءة متواصلة لم أجد تجربة سبقت العراق الى سياسية التسويف و اللف و الدوران و عدم الالتزام بالعهود، بدليل أن كل الاجتماعات لم تخرج بنتائج و أخرها و ثيقة الاصلاح التي تم التملص منها قبل أن يجف حبرها، ما يعني أن المراهنة على التغيير من رحم التوافقات السياسية خاسرة جدا، لأن الغالبية العظمى من السياسيين يتظرون الى الشعب و همومه من ثقب باب مصالحهم الشخصية و الحزبية، التي لا علاقة لها بالتمثيل الطائفي سيء النية، فلا زال ماء البصرة مالحا و مدارس الناصرية طينية و مشاريع الأعمار منهوبة في بغداد و باقي المحافظات، و الارهاب يستهدف أخوتنا و وحدة البلاد و العباد.
ليس هناك من أمل يرتجى من تشكيلة الحكم الحالية، ما يجعل من ضغط الشارع مسؤولية تاريخية و شرعية ملحة للغاية، لاعادة توجيه بوصلة الولاء الوطني ، ومنع سراق المال العام من مواصلة تخريب مؤسسات الدولة، ومنع رياح الفتنة من حرق الأخضر باليابس، فبعض رؤوس الفساد لا يهمها استقرار العراق و لا حماية نسيجه الاجتماعي، بعد أن تسلل سحتهم الى اموال اليتامي والفقراء والارامل ، دون مخافة من
الله رغم ما يظهرونه من ورع ديني يخفي وراءه مسلسلا طويلا من الفساد و اللامسؤولية في الحكم .
ليس كل ما يعرف يقال لكن بأختصار أن تجربة الحكم في العراق استثناءا من كل قواميس الشعوب و الحكومات لأن غالبيتهم ولدوا من رحم الاحتلال و يهددون بالانقلاب عليه، أنه فعلا زمن المضحك المبكي.. و يبقى الله بعونك ياعراق!!
مقالات اخرى للكاتب