اتركوني اليوم افرش لكم أخبار السياسة في البصرة، والتي قد تضيع بين ضجيج المعلومات داخل مطابخ الصراع الأخرى.
لقد أسفرت نتائج الانتخابات الأخيرة في المحافظة عن ظهور فريقين قويين، واضحين وفريق ثالث لم يُحسَم أمره بعد، أو لم تتضح نهايات ميوله بعد. وبين الفرق الثلاث هناك أسماء وكيانات تأتلف في العلن وتتطاعن في السر، وداخل الكيانات هناك من يعمل لصالح هذه الشخصية أو بالضد من تلك.
ولأنها البصرة، لأنها بيضة القبان العراقية الكبيرة، منها يبتدئ كل خير ولا غرابة إن ينتهي إليها كل شر، لذا لم يكن كل ما يعتمل داخلها بين أطرافها، كاف لحسم أمر توزيع المناصب الكبيرة فيها. فدخلت بغداد على الخط.
قبل أسبوع طافت شوارع البصرة جماهير مؤيدة لكتلة المواطن والكيانات والشخصيات المؤتلفة معها (البصرة أولا)، معلنة فوزها ومناصرتها لزعيم الكتلة الدكتور ماجد النصيراوي الذي يقولون أنهم رشحوه،لا بل نصبوه محافظا على المدينة، وحتى اللحظة هذه يعلنون بأنهم جمعوا 19 مقعداً، الأمر الذي يحقق أمنياتهم في تسنم المنصبين الكبيرين- المحافظ ورئاسة مجلس المحافظة- وهم يتحدثون عن تماسك تحالفهم، وأن البصرة ستشهد عصرا جديدا، وهذا ما دعمه قيادي بارز في الحزب الشيوعي يقول أن الدكتور النصيراوي قام بزيارتهم في مقر الحزب بضاحية الجزائر وأنه أكد انفتاح تحالفه، وسعة رؤياه وتصوره عن الحياة الجديدة بل أنه أكد لهم بأن فيروز الممنوعة في راديو صوت البصرة والممول من قبل الحكومة المحلية ستكون أول المسموحات فيه.
أما داخل ائتلاف دولة القانون فهناك من يتحدث عن حسم الخلافات التي كانت دائرة داخل التحالف على منصب المحافظ بين الدكتور خلف عبد الصمد ومنافسه أبو أحمد الراشد (بدر) وأن القضية سويت بين الرجلين كما وأن أحلام صفاء الدين الصافي وأمنياته بمنصب المحافظ حسمت كذلك، ونفى صحة التقارير التي تحدثت عن تنصيب عامر الخزاعي مرشح المالكي لمنصب محافظ البصرة، وأن المالكي وتحالف دولة القانون لا يفرطون بمنصب محافظ البصرة وهناك ضغوط خارجية وداخلية تحول دون إعطاء المنصب لكتلة المواطن.
هؤلاء يؤكدون أن تحالف (البصرة أولاً) لم يجمع سوى 17 صوتا، وبينهم من وضع قدما معهم، وبينهم من يعول على مناصب وُعِدَ بها، غير مدركين بأن الكتل الكبيرة لا تمنح المناصب السيادية إلا لأعضائها!
وهناك مشكلة داخل كتلة المواطن هي أن المحافظ الحالي خلف عبد الصمد، جمع ١٣٠ ألف صوت، وهو أعلى رقم يجمعه مرشح في العراق، فيما يفيد العارفون بأن الحوار بين رئيس الوزراء نوري المالكي وزعيم المجلس الأعلى عمار الحكيم خلص إلى أن منصب المحافظ من نصيب عبد الصمد، ذلك لأن مرشح كتلة المواطن الدكتور ماجد النصيراوي "لا يمتلك خبرة قيادية كبيرة" بالرغم من تمتعه بسمعة طيبة بين أقرانه الأكاديميين وداخل المجلس الأعلى. لكن الأرجح كما يبدو كلام من يقول بأن "دولة كبيرة ذات نفوذ داخل العراق" لا تفضل مرشح كتلة المواطن، بعد الخلاف المعلن بين زعامتها وزعامة الكتلة هذه.
لكن المشكلة هذه المرة اكبر وأعقد، وهناك من يهمس قائلا أن ائتلاف دولة القانون لم يعد قادرا على تشكيل حكومة محلية، وهو يعاني من انشقاقات داخلية عميقة. وهذا يشجع كتلة المواطن وحلفاءها على أن يقولوا أن تحالفهم غير معني بما يدور في بغداد بين زعامات الكتل الكبيرة، وأنهم رفعوا شعار البصرة أولا لكي يعملوا على أن يكون قرارهم بصريا 100% بعيدا عن كل الضغوط.
أما صعود الأصوات المستقلة فتدفع البعض الى القول أن المرحلة المقبلة ستكون مرحلة صعود القوى غير الدينية، وأن الأصوات التي بدت صغيرة اليوم ستكون ذات فعالية وأهمية كبرى مستقبلا.
وحتى يتم الإعلان والمصادقة الدستورية على النتائج النهائية لانتخابات مجالس المحافظات ستكون البصرة قد تعرضت لأكثر من هزة سياسية، لكن الراجح أنها ستكون بيضة القبّان السمراء الوحيدة التي ستصنع توازن العراق في المحافظات الأخرى، وستكون أطيب بيضات البلاد قاطبة، وهي الأشهى لغير أهلها أبداً، أطبخت الصفقة في البصرة أم أكلت في بغداد.
مقالات اخرى للكاتب