لإدوارد سعيد كلمه مهمه في كتابه (صور المثقف) وهي ومضة تشخيصة لمهمة المثقف ودوره ضمن الاطار التوعوي والتعبوي, فهو يقول: " مهام المثقف هي بذل الجهد لتهشيم الآراء المقولبة والمقولات التصغيرية التي تحدّ من الفكر الإنساني والاتصال الفكري" هذا المفهوم الجامد نوعا ما والذي نستقرءه من تلك المقولة يأتي من خلال تحديد دور المثقف وما يتناوله كـ(مهمه) او(وظيفه) ثبوتيه تبادليه لأجيال اختلاف القيم ثقافيه التي ستشكل ربما امتدادا برغماتيا يتناسب وما يلائم الزمان والمكان محل القيام بهذا الدور كـ(مثقف).
هذا المعنى بحد ذاته قد يشكل المحور المهم في معرفة الطبيعة الذاتية للمثقف وادلجتها بمنظور يساير مفاهيم الحداثة والتغيير, وهو يقف على النقيض من الثقافة المؤدلجة (الارثية) التي تبنى على اسس قد تكون قريبه من واقعية المجتمعات سياسيا على الاقل فضلا عن كونها روحيه (دينيه) اقتصادية واجتماعية, وبعبارة اخرى اننا نبحث عن مثقف (مؤدلِج) بكسر اللام وليس مثقفا (مؤَدلَج) اي مثقفا يثري الثقافة دونما تثريه وتجعل منه مثقف (خصوصي) كناية بسيارة الأجرة التي تسخر خدمتها لزبون واحد دون آخر.
وكما معلوم ان الأدلجه هي ترسيخ مجموعة من القيم والمفاهيم والأفكار والرؤى المرتبطة بأيديولوجية معينة بعدة صور وأشكال باتجاه شخص أو مجموعة بغية جعل هذا الفرد أو المجموعة ممن يؤمن بهذه الأيديولوجية , وهي بهذا المفهوم تكون قد سلبت جزأً من قدرة الفرد أو المجموعة على التفكير المستقل والحر.
ودعونا نعود مرة اخرى لمقولة سعيد تلك, ليتبين لنا الان جليا ان دور المثقف المؤدلَج (بكسر اللام) سوف لن يوافق ذلك الدور في مضمونه وهو بذلك يسير بعكسه تماما اذ انه سيرسخ ويؤكد ايدولوجيات ومفاهيم وقيم بدلا من تهشيمها -وفق تعبير سعيد- وهنا سوف يخرج من دائرة الوظيفة الثقافية المرجوة من مثقف يحمل على عاتقه مهمة التحليل والاستقراء والاستنتاج عاملا بفوقيه فكريه تكاد تشابه سيطرة الجمهور على ارض الملعب من اللاعب نفسه الذي تتولد له تلك الرؤية الشمولية والمتجزأة للواقع, وهذا ما يقودنا للإقرار بأدلجة بعض المثقفين وتحميلهم مهمة الداعية والمفسر لثقافه يراد ان تصل للجمهور من خلال التأكيد عليها ومحاولة زجها في واقع ثقافي خصب مثكل بمثقفين يسيرون وفق اهواء التحولات السياسية والصراعات السلطوية دونما يشعرون انهم جزء من تعقيد العقدة وتزويق الصورة العبثية لذلك الواقع المدلج اساسا بقوى اوسع من الثقافة ذاتها كما يتصورون.
كل هذا لان المثقف لا يدرك قيمة الدور والمهمة التي حمل لوائها بسارية تتغير فيها الرايات كلما تطلب الامر مسايره إيحائية او قبول غير مدروس. وبجمله مختصره جدا اقول ان المثقف يمكنه ان يكون أيدولوجية موجبه لا تلتقي مع الايدولوجيات السلبية الا بالنفور.