غالباً ما يقع القارئ في أفخاخ بعض دور النشر، يشتري كتاباً لكانط بعنوان لم تسمع أو تقرأ عنه، تبدأ في قراءته تجده كتاباً عن كانط! خدعة تجارية تمرُّ بلا حساب مع أسماء لامعة أخرى، حدث معي ذات باشلار وذوات أخرى. اليوم اكتشفتُ طريقة أخرى، تشتري كتاباً لدريدا، تأخذهُ لتقرأه فإذا به مقالة لدريدا بعنوان (أبراج بابل) والبقية لمؤلف آخر: 53 صفحة لدريدا بالحجم الصغير والخط المتوسط أو الكبير، هذه الصفحات عينها ترجمها جوزيف غراهام إلى اللغة الانكليزية في عشرة صفحات فقط. وترجمها عزالدين الخطابي في أربعين صفحة تقريبا في كتاب (استراتيجية تفكيك الميتافيزيقا) والصادر عن “دار أفريقيا الشرق” في المغرب سنة 2013. ست مقالات لدريدا مع نصُّ خطابه بمناسبة نيله جائزة ثيودور أدورنو لمدينة فرانكفورت في 22/9/2001. يحقُّ لــــ “دار أفريقيا الشرق” استخدام اسم دريدا تجارياً! لكن لدينا كتاب أصدرته دار الحوار 2015 في مئتين وأربعين صفحة من المفترض أنْ يكون مؤلفه جاك دريدا، بينما في الحقيقة لم يكن للمسكين المُفترى عليه سوى عشرة صفحات. لكل صفحة دريدية أربع عشرة صفحة تزعم لنفسها وِصاية، لأنها جاءت في الكتاب قبل النص الدريدي. مُقدِّم الكتاب يبدأ بعناوين تحاول أنْ تكون برَّاقة لقارئٍ مبتدئ: نتذكر ما ليس يُنسى ص9- 15. في حضرة بابلياذا ص15- 23. أبعد من بابل بالذات ص23- ص36. الوضع المتأزِّم، أ هو متأزِّم؟ ص36- 44. ما يعدنا به الانفجار الصادم ص44- 57. سأتوقف هنا عن تعداد العناوين الفرعية وإحصاء صفحاتها. نقتبس سطوراً (نتذكر ما ليس يُنسى: نتذكر بابل ذات التاريخ، ونقرأ بابل التاريخية، وبين بابل المنتمية إلى الذاكرة، وتلك المقيمة في الكتب، تلك المرئية والملموسة في المنحوتات والوثائق أو الرقم الطينية وغيرها، بين بابل الشفاهة حيث يكون الصوت، النبرات، وإذ يكون اللجوء إلى منح الخيال، وآلاء التصورات، وبابل الكتابة، وكيف ينعدم الصوت كلياً، لأنَّها كتابة بداهةً، وهذه تعني المقروء، والمقروء لا بدَّ أنْ يكون في هيئة كلمات، رموز، علامات/ أبراج بابل- ص9). كلام إنشائي يعدد أوصاف ومرادفات، وهذا التعداد وللأسف الكبير، يسميه بعض المثقفين في مدينتي وخارجها: فلسفة! بعنوان (الترجمة على الخط) يقول المُقدِّم (الترجمة التي تعِّرف بمدى الحاجات المتبادلة لدى البشر، داخل العائلة الواحدة، بالنسبة للشخص الواحد، وهي في هذا المعنى تعلمنا بضعف ماكن، أو نافذ في الكينونة، ضعف، خور، خلل ما، يحول دون تمثل الكينونة بشكل فعَّال… تأتي الترجمة في اللحظة الأخيرة، لتمارس عزاء من عاشوا قتالاً/ ص58) الماكن: القاسي الصلب القوي الشديد، والضعف الماكن هو المربَّع الدائري، والنافذ في الكينونة، يحول دون تمثل الكينونة، غرابٌ أبيض حيث (يمكن الإخلال بالقضية ذات الحقيقة باكتشاف حقيقة جديدة: “الغربان جميعها سود”، تصبح زائفة إذا استطعنا تقديم غراب أبيض) . وهذا هو اللغو الذي تحدث عنه كانط (لا توجد علوم جميلة، بل هناك فقط فنون جميلة، إنَّ علماً يصبو إلى أنْ يكون جميلاً هو لغو، لأننا إذا سألناه، باعتباره علماً عن مبادئ وبراهين، فلن نحصل إلى على كلام جميل) . لنأخذ العنوان الأخير للمقدِّم، وفي العنوان دريدا، وفي المتن تفاصيل علاقة المُقدِّم بالمترجم، وهي علاقة لا يمكن أنْ يكون لها علاقة بدريدا أو بنصه (وقفة مع دريدا ونصه “أبراج بابل”: لنتوقف عند عمل دريدا وكيف تعاملنا معه. التحدث بصيغة الجمع، يسمينا معاً: الكاتب والصديق “صبحي دقوري” المقيم في فرنسا منذ أكثر من ربع قرن، وتخصصه الهندسة المعمارية، وحقوقه في التحصيل التعليمي الجامعي، ومن “عامودا” أصلاً” في أقصى الشمال الشرقي من سوريا”، ويهتم بثقافات الآخرين، حيث أعرفه عن قرب، وهذا العمل هو الأول من نوعه في التشارك فيما بيننا، ومن خلال متابعات مشتركة، وبالتحديد: عبر تفاهمات مشتركة ترجمة انشغالنا بما هو حيوي في حياتنا، كما لو أنَّ الحدود غير موجودة، أنَّ ليس من اعتبار للمسافات، من خلال توفر وسائل الاتصال/ ص142) ثم يكمل (لولا هذه المساعدة، لما كان لهذا التقديم وهو أكثر من تقديم، كما نوَّهت آنفاً، إلى جانب تبادل الآراء حول دريدا… دون أيِّ ادعاء من أيِّ منا، أنَّ المُقدِّم نموذجي، ذلك قرار قارئه/ ص143).
مقالات اخرى للكاتب