بسم الله الرحمن الرحيم
منذ عودتنا الى العراق بعد سقوط النظام عام 2003 ، تركز نشاطنا على إلقاء المحاضرات فيما يخص تغيير الرؤية نحو مدينة أفضل جمالياً ، ومستقبل زاهر لشعبٍ عانى طويلاً من الظلم والقهر والاستبداد . . . وشاركنا بفعالية في تلك الحركة ضمن اشكال المساهمة المتفائلة ، والجدية الطامحة في عقد العديد من الندوات والملتقيات والمؤتمرات المتعلقة بالاعمار والتنمية ومستقبل السياحة في العراق ، إذ شهدت مدن بغداد والنجف الاشرف وكربلاء المقدسة نشاطاً محموماً ، بغية إدراك نتائج عملية وبلوغ صيغ علمية ، تكفل تحقيق أهدافنا بأكمل وجه ، وأفضل اداء وانجاز . . . وقد وفقنا لأعداد مخططات دقيقة وتصاميم جميلة لمشاريع التطوير والتعمير لعددٍ من المعالم العمرانية ومنها : المشاريع المقترحة لتطوير مركزي مدينتي النجف الاشرف وكربلاء المقدسة ، وبعض المراقد الدينية . . . بالاضافة الى إعداد تصاميم لبيوت وشقق واطئة الكلفة في المدن والقرى والارياف العراقية ، وهي البديل الحضاري للاحياء العشوائية المنتشرة في أرجاء المحافظات الوسطى والجنوبية من العراق . . . ويمكن القول أن هذه النشاطات كانت
تمثل البادرة الاولى في هذا المجال بعد سقوط النظام عام 2003 . . . ان الهدف من هذه النشاطات هو تحريك كوامن الطاقات الفنية والامكانات العلمية ، وتشخيصها والتعرف عليها ، واستقطابها ، ورفع مستوى العقلية السائدة في مجال الاعمار والتطوير الى مصاف آخر يساير مراتب التقدم والازدهار الذي تشهده الدول الراقية في هذا الحقل ، للألتحاق بركب حركة العمران والتشييد السائرة بوتيرة متسارعة في تلك الدول ، كما تهدف الى اكتشاف اتجاه بوصلة العراقيين في الداخل واتجاهاتهم بهذا الخصوص .
ولكن من المؤسف ، هو اننا اصطدمنا بواقع محبط يتلخص في حقيقة ان الحكومات التي تلت التغيير لم يكن من اهتماماتها وأولوياتها بناء الوطن وتعميره ، واسعاد المجتمع وتطويره ، مما يستلزم الأخذ بهذه المشاريع الاساسية والمهمة والحيوية الكفيلة باحداث نقلة نوعية ، وانعطافة كبرى على مستويات التأهيل والتشييد للبلد الذي حوله النظام البائد الى مساحات مهدمة شاسعة تنتشر فيها مشاهد بائسة من الخرائب والدمار . . . ولا يحتاج المراقب والمتابع لاحوال الوطن الى جهدٍ واسع كبير وبحثٍ عميق ، ليقف على حقيقة عدم أهلية القسم الاكبر من طبقة المتصدين للادارة السياسية والجماعات المحيطة بها ، كونهم بعيدون عن مستويات ادراك واستيعاب وفهم التطور التكنولوجي المعاصر الذي شمل كل مرافق الحياة في العصر الحديث ، وأضحى يشكل سمة أساسية فيه . . . وكون تلك الطبقة الغالبة تفتقر أيضاً الى عقلية قديرة ، بل الى ارادة حقيقية تنسجم مع الحاجة الملحة للبلاد والى حركة العمران والتطوير ، فاتجهت سياساتها وتركزت على تهميش الكفاءات العلمية التخصصية العراقية تلك المتواجدة داخل العراق وخارجه . . . إذ ان ثمة شخصيات سياسية بعيدة عن التخصص والخبرة والكفاءة أشغلت مواقع خطيرة وحساسة غير مؤهلة لها في مؤسسات الدولة . . . بالاضافة الى بعض عناصر النظام السابق السيئة والمتخلفة التي انتمت للاحزاب السياسية وإحتلت مواقع مهمة في مؤسسات الدولة بسبب اعتماد نظام المحاصصة الحزبية المقيت . . . الى جانب حملة الشهادات المزورة المحسوبين على الاحزاب والتيارات السياسية . . . وان الكثير من الكوادر العلمية العراقية العالية غادرت العراق خشية على حياتها ، علماً ان كثيراً من تلك الكوادر العلمية والمهنية التي كانت تعيش داخل العراق لم تكن من انصار النظام المباد ، ولم تتورط في حركة الادارة السياسية الفاسدة لذلك النظام الارهابي المقبور .
وكنتيجة طبيعية لتلك الممارسات الشاذة والمنحرفة التي أشرنا إليها ، استشرى الفساد المالي والاداري بصورة خطيرة جداً في جميع مؤسسات الدولة ، واتسعت ظاهرة الرشاوى وفقاً لتقارير صادرة عن تلك الحكومات ومنظمات عالمية ، ووصل الحال بالعراق الى أن يُعد في طليعة الدول الأكثر فساداً ونهباً للمال العام ، الى الحد الذي يعجز معه المرء عن تقديم بيانات حقيقية وواقعية بحجم الاموال التي نهبت من خزينة الدولة خلال السنوات الاخيرة .
وما زالت الحكومة الحالية تعاني من العجز الحاصل في ميزانية الدولة نتيجة ضياع مليارات الدولارات في الدورة السابقة ، دون معرفة أوجه الصرف لها . . . وان الجهود المبذولة حالياً هي لأعادة هذه الاموال المختفية بغية اعادتها الى خزينة الدولة ورصيدها الوطني . . . ومن الواضح ان تلك الاموال الطائلة انما اختفت بسبب سوء استغلال السلطة من قبل عدد غير قليل من المفسدين ومحدودي القدرة والكفاءة ، وهم الانتهازيون والوصوليون الذين يفتقرون الى الامانة والمستوى العلمي والقدرة على الابداع الذي تقتضيه عملية الاعمار والتطوير . . . في الوقت الذي يتم فيه ابعاد الكفاءات والخبرات العلمية العالية وحرمانها من المساهمة في بناء العراق وتطويره . . . لذا كانت المحصلة النهائية مخيبة للأمال والتوقعات .
نأمل من الحكومة الحالية التوجه لاعادة هيكلة مؤسسات الدولة وفق أسس علمية متطورة وابعاد العناصر غير الامينة والسيئة التي عاثت في البلاد فساداً خلال السنوات الماضية . . . واستحداث مؤسسات عالية الكفاءة والنزاهة كـ ( مجالس إعمار وتطوير المحافظات العراقية ) التي أشرنا إليها في مقال سابق ، ليعود العراق الى مكانته الطبيعية المتقدمة بين دول العالم المزدهرة .
مقالات اخرى للكاتب