قراءة في قرار المحكمة الاتحادية العليا الخاص بمناصب نواب رئيس الجمهورية
الخميس, تشرين الأول 13, 2016
اسماعيل علوان التميمي
بتاريخ10/10/ 2016 اصدرت المحكمة الاتحادية العليا قرارها المرقم 119/اتحادية بخصوص دعوى الطعن المقدمة من قبل السيد اسامة النجيفي نائب رئيس الجمهورية بقرار الغاء مناصب نواب رئيس الجمهورية القاضي بالغاء قرار مجلس الوزراء بالغاء مناصب نواب رئيس الجمهورية المرقم( 307لسنة 2015) الحقيقة يمكن القول ان المحكمة وفقت بالحكم ولكنها للاسف اخفقت في تسبيبه وفي توقيته .ولغرض مناقشة القرار من الناحية الدستورية والقانونية ومن اجل وضع القارئ الكريم في الصورة بكامل ابعادها، سنتناول هذا الموضوع المهم الذي اثار جدلا واسعا على صعيد النخب وعلى صعيد الشعب ، بثلاث فقرات . خصصنا الفقرة الاولى لقرار الحكم .والثانية لتسبيبه . والثالثة لتوقيته . املين ان نوفق في هدفنا الثابت وسعينا الدائم لخدمة القارئ الكريم ورفده بالراي القانوني السليم المجرد عن الهوى باسلوب قانوني مبسط ومركز تسهيلا للقارئ غير المختص بوجه خاص .
اولا-قرار الحكم . ان قرار المحكمة بالغاء قرار مجلس الوزراء المرقم( 307 لسنة 2015) المتضمن الغاء مناصب نواب رئيس الجمهورية جاء سليما تماما . لان قرار مجلس الوزراء المرقم( 307لسنة 2015) جاء مخالفا لنص المادة 69 الفقرة ثانيا من الدستور التي نصت على (تنظم بقانون احكام اختيار نائب او اكثر لرئيس الجمهورية ) وهذا النص الزم ان يكون لرئيس الجمهورية نائب واحد او اكثر بمعنى ان الدستور حدد الحد الادنى لنواب رئيس الجمهورية بنائب واحد على الاقل دون ان يحدد الحد الاعلى لعدد نواب الرئيس حيث تركه مطلقا. كما جاء مخالفا لاحكام قانون نواب رئيس الجمهورية رقم (1) لسنة 2011 الذي نظم الية اختيار واعفاء نواب رئيس الجمهورية وحدد الشروط الواجب توفرها فيهم وهي ذات الشروط الواجب توفرها برئيس الجمهورية. كما قيد الحد الاعلى لعددهم بان لا يزيد عن ثلاثة نواب ، وابقى على الحد الادنى لعدد نواب الرئيس كما حدده الدستور وهو نائب واحد على الاقل. وعليه فان قرار المحكمة بالغاء قرار مجلس الوزراء الذي الغى مناصب نواب رئيس الجمهورية جاء موافقا للدستور والقانون . وهنا يثور السؤال التالي : لماذا الزم كلا من الدستور وقانون نواب رئيس الجمهورية بان يكون هناك نائب على الاقل لرئيس الجمهورية ولم يشترط ذلك لرئيس مجلس الوزراء حيث الزم ان يكون لرئيس مجلس الوزراء نائبان وللدورة الانتخابية الاولى فقط والتي انتهت في عام 2010حيث ورد ذلك في المادة 139 من الدستور وذلك ضمن الفصل الخاص بالاحكام الانتقالية والتي تم اضافتها ارضاء للكتل المعترضة على الدستور انذاك . فالجواب هو ان رئيس مجلس الوزراء في حالة تمتعه باجازة مرضية او سفره خارج العراق فبأمكانه ان يخول اي من وزرائه ليحل محله خلال فترة مرضه او سفره وبذلك سوف لن يحصل اي فراغ في رئاسة الحكومة باعتبار ان وزرائه جميعا قد تم الموافقة على منحهم الثقة من قبل مجلس النواب بالاغلبية المطلقة وبذلك لا يوجد بموجب الدستور ما يمنع اي من الوزراء من ممارسة مسؤولية رئاسة الحكومة وكالة . اما في حالة سفر رئيس الجمهورية الى خارج العراق او تمتعه باجازة داخل او خارج العراق سواء كانت مرضية او اعتيادية . فان الامر مختلف تماما عن وضع سفر او مرض رئيس مجلس الوزراء ، لانه اذا لم يوجد لدى رئيس الجمهورية نائب يحل محله في حالة مرضه او سفره فليس لرئيس الجمهورية ان يخول غير احد نوابه لأن يحل محله كون نائب الرئيس لا يمارس مهامه كنائب للرئيس الا بعد التصويت عليه في مجلس النواب فهنا وفي هذه الحالة سيحصل فراغ في (السلطة التنفيذية- رئيس الجمهورية) وبالفعل حصل فراغ في منصب رئيس الجمهورية في كل الحالات التي سافر فيها رئيس الجمهورية الى خارج العراق بعد الغاء مناصب نوابه من قبل رئيس مجلس الوزراء خلافا للدستور وللقانون . وكان علي رئيس الجمهورية ان يمتنع عن السفر تجنبا لوقوع مثل هذا الفراغ الخطير باعتباره كما وصفه الدستور (رئيس الدولة ورمز وحدة الوطن ،يمثل سيادة البلاد ، ويسهر على ضمان الالتزام بالدستور والمحافظة على استقلال العراق وسيادته ووحدته وسلامة اراضيه وفقا لاحكام الدستور) . كما يمكن ان يحتج البعض بان موافقة مجلس النواب على ورقة الاصلاح التي قدمها رئيس مجلس الوزراء التي من بين فقراتها الغاء مناصب نواب رئيس الجمهورية تعد كافية لتغطية قرار مجلس الوزراء بالغاء مناصب نواب رئيس الجمهورية قانونيا . الجواب هو: ان مجرد موافقة مجلس النواب على ورقة الاصلاح لا تمنح الاصلاحات قوة القانون وانما هي موافقة مبدأية على ورقة اصلاحات ولكي تاخذ هذه الاصلاحات قوة القانون يقتضي ان تقوم الحكومة بتحويلها الى مشاريع قوانين او الى مشاريع تعديل قوانين تقدم الى مجلس النواب لاقرارها لتصبح قانونا لايحتاج لكي ياخذ طريقه الى التطبيق الا لمصادقة رئيس الجمهورية وان ينشر في الجريدة الرسمية . وهذا للاسف ما لم تفعله الحكومة العراقية لغاية اللحظة ولم تقدم اي مشروع قانون او مشروع تعديل قانون لذلك بقيت اصلاحاتها مجرد حبر على ورق لانها لم تحصل على قوة القانون وبقيت عارية بدون غطاء قانوني . فمثلا كان بامكانها ان تقدم مشروع تعديل قانون نواب رئيس الجمهورية رقم (1) لسنة 2011 وتحدد فيه نائب واحد بدلا من ثلاثة نواب وبذلك سيكون هذا التعديل منسجما مع النص الدستوري الذي الزم ان يكون لرئيس الجمهورية نائب واحد على الاقل . ولكن الحكومة للاسف لم تع ذلك ولم تسير عليه .
ثانيا- تسبيب القرار . الحقيقة لم تكن المحكمة موفقة في تسبيب قرارها بشكل دستوري وقانوني محكم ورصين فمع ان تسبيبها جاء سليما في الشق الاول منه الا انه جاء معيبا في الشق الثاني حيث جاء في الشق الاول من التسبيب ما يلي( وتجد المحكمة الاتحادية العليا ان وجود نائب او اكثر لرئيس الجمهورية امر الزمته المادة(69 ثانيا )من الدستور وبناء عليه صدر القانون رقم (1) لسنة 2011( قانون نواب رئيس الجمهورية ) لتنظيم نائب او اكثر لرئيس الجمهورية وكذلك صلاحيتهم وكبفية انهاء مهامهم . ثم جاءت (المادة 75 ثانيا وثالثا) من الدستور فاناطت بهم ممارسة مهام رئبس الجمهورية عند غيابه و خلو منصبه لاي سبب كان .فوجود نائب او اكثر الزام نص عليه الدستور اقتضاء للمصلحة العامة للحيلولة دون حصول فراغ في السلطة التنفيذية – رئاسة الجمهورية ) انتهى الشق الاول وهو سليم لاغبار عليه لندقق ما جاء في التسبيب الوارد في الشق الثاني الذي اوردته المحكمة الذي جاء فيه ما يلي ( لذا فان منصب نائب رئيس الجمهورية يعني تعديل احكام دستور جمهورية العراق لعام 2005 بتعطيل المادتين ( 69ثانيا ) و (75 ثانيا وثالثا) منه بغير الاسلوب المنصوص عليه في المادة 142 من الدستور التي تقتض في مثل هكذا حالات موافقة الاغلبية المطلقة لعدد اعضاء المجلس على التعديل وعرضه على الشعب للاستفتاء عليه وحيث ان القرار المطعون بعدم دستوريته بالغاء مناصب رئيس الجمهورية قد صدر خلافا لما رسمته المادة 142 من الدستور فيكون مخالفا لاحكامه مما يقتضي الحكم بعد دستوريته وبناء عليه واستنادا الى احكام ( المادة 93 اولا )من الدستور قررت المحكمة الاتحادية العليا الحكم بالغاء الفقرة (2 اولا ) من قرار المدعى عليه اضافة لوظيفته الصادر بالعدد (307)في 9/8/2015 المتضمن الغاء مناصب رئيس الجمهورية .....) عند امعان النظر في الشق الثاني من التسبيب الذي اوردته المحكمة الاتحادية العليا نسجل الملاحظات الاتية عليه .
1- لا يمكن لقرار مجلس الوزراء اذا صدر مخالفا للدستور ان يعني تعديلا للدستور بغير الاسلوب المصوص عليه في المادة 142من الدسنور بل لا يمكن لقانون صدر مخالفا للدستور ان يعني تعديلا للدستور وانما يعد مخالفا للدستور وعليه فان تسبيب قرارالمحكمة لكون القرار المطعون فيه قد صدر خلافا لما رسمته المادة 142 التي نظمت الطريق الاستثنائي لتعديل الدستور مع ان القرار المطعون فيه لا يتعلق بتعديل احكام الدستور وانما يتعلق بالغاء مناصب نواب رئيس الجمهورية الذي نظمته المادة 69 ثانيا والمادة 75 ثانيا وثالثا ونظمه القانون رقم (1) لسنة 2011 وعليه فان تسبيب قرار المحكمة على اساس تعارضه مع احكام المادة 142 لا علاقة له لا بموضوع قرار مجلس الوزراء ولا علاقة له بالمواد الدستورية التي نظمت احكام مناصب نواب رئيس الجمهورية ولاعلاقة له بالقانون الذي نظم احكامها وعليه فان المحكمة اقحمت المادة 142 اقحاما لايجد له سند في الدستور او القانون . وكان على المحكمة ان تسبب قرارها كما يلي ( ولكون القرار المطعون فيه قد صدر مخالفا لاحكام ( المادتين 69 ثانيا و75 ثانيا وثالثا ) من الدستور وكذلك مخالفته لاحكام المادة( 1 )من قانون نواب رئيس الجمهورية رقم (1 لسنة 2011) قررت المحكمة الاتحادية العليا الحكم بالغاء الفقرة (2 اولا ) من قرار المدعى عليه اضافة لوظيفته الصادر بالعدد (307)في 9/8/2015 المتضمن الغاء مناصب رئيس الجمهورية .....) 2- وردت سهوا في الشق الثاني من التسبيب عبارة ( الغاء مناصب رئيس الجمهورية) والصحيح هو (الغاء مناصب نواب رئيس الجمهورية) وكان على المحكمة ان تدقق القرار لغويا وطباعيا قبل اصداره لما لهذه المحكمة من مكانة عالية في الدولة العراقية صممها لها دستور 2005 فليس من اللائق ان تظهر هكذا اخطاء في هكذا محكمة عالية المكانة وان كانت سهوا . ثالثا التوقيت . يؤخذ على المحكمة الاتحادية العليا انها تراهن على الوقت اكثر من الوقائع في اصدار احكامها . والحقيقة لكي يكون حكمنا على هذا المأخذ منصفا لا بد لنا ان نراعي الوضع السياسي والامني الذي تمر به البلاد قبل ان نقيم عمل المحكمة . فليس محرما على المحكمة الاتحادية العليا باعتبارها محكمة دستورية ان تراعي الوضع السياسي وحتى الامني القائم عندما تصدر احكامها وخاصة في موضوع توقيت اصدار الاحكام . ولكن المحرم على المحكمة ان تخضع للضغوط السياسية من كتل سياسية باتجاه اتخاذ قرار معين . لاشك استغرق اصدار الحكم في هذا الموضوع بحدود السنة وهذه الفترة طويلة نسبيا لا سيما ان القرار يتعلق بموضوع نواب رئيس الجمهورية وما ترتب عليه من فراغ في منصب رئيس الجمهورية عند غيابه وعليه فان المحكمة اخفقت فعلا في توقيته .
الخلاصة 1-ان المحكمة الاتحادية العليا ما تزال تعمل وكانها محكمة قضاء عادي وليس كمحكمة قضاء دستوري ولا سيما ان كل اعضائها هم من القضاء العادي .ورغم مضي اثنتا عشرة سنة على تاسيسها لم تنجح للاسف بان ترقى لان تكون محكمة قضاء دستوري حقا ولم تحض بثقة الجميع . 2-ان المحكمة الاتحادية العليا تمارس اربعة انواع من الاختصاصات وهي اختصاصات رقابية بموجب الفقرة اولا من المادة93 من الدستور واختصاصات تفسيرية بموجب الفقرة ثانيا من المادة( 93) واختصاصت قضائية بموجب الفقرات ثالثا ورابعا وخامسا وسادسا وثامنا من المادة( 93 ) وتمارس اختصاصات تصديقية بموجب الفقرة سابعا من الدستور المتمثلة في المصادقة على النتائج النهائية للانتخابات العامة النيابية . لذلك نجد المحكمة تمارس اختصاصها القضائي في الفصل في المنازعات بموجب دعوى وهذا امر مسلم به قضائيا لكننا نجد المحكمة لم تباشر دورها الرقابي في الرقابة على دستورية القوانين والانظمة النافذة المنصوص عليه في الفقرة الاولى من اختصاصاتها الواردة في المادة (93) من تلقاء نفسها عملا بدورها الرقابي الذي جاء مطلقا بمعنى انها تتمتع باختصاص الرقابة السابقة والرقابة اللاحقة وهذه الرقابة يمكن ان تباشرها المحكمة من تلقاء نفها دون الحاجة الى دعوى او طلب يقدم من جهة او فرد ولو ان المحكمة مارست دورها الرقابي من تلقاء نفسها لما وصلت الامور في البلد الى ما وصلت اليه وكان بامكان المحكمة دستوريا ان تنبه وترشد وتصوب قرارات الحكومة من تلقاء نفسها دون الحاجة الى دعوى لو طلب يقدم لها لذا وجدت ان هذه القرارات تتعارض مع القانون او الدستور . كما بامكان المحكمة ان تباشر اختصاصها الرقابي على دستورية قرارات مجلس النواب من تلقاء نفسها دون الحاجة الى دعوى او طلب . لذا اوصي بان يقدم مجلس الوزاراء مشروع قانون تعديل قانون نواب رئيس الجمهورية( رقم 1 لسنة 2011) يحدد بموجبه نائب واحد لرئيس الجمهورية )
نطلب من زوارنا اظهار الاحترام, والتقيد بالأدب العام والحس السليم في كتابة التعليقات, بعيداً عن التشدد والطائفية, علماً ان تعليقات الزوار ستخضع للتدقيق قبل نشرها, كما نحيطكم علماً بأننا نمتلك كامل الصلاحية لحذف اي تعليق غير لائق.
اخبار العراق اليوم تصلكم بكل وضوح بواسطة العراق تايمز