المقدمة حافظ العسكريون الاتراك على دورهم المؤثر في الحياة السياسية منذ قيام الدولة العثمانية حيث كان لهم دور مزدوج يتمثل بالفتوحات الواسعة التي قامت بها تلك الدولة. ودورهم السياسي الداخلي المتمثل في تثبيت السلاطين. فمع ان السلطان كان يأتي من آل عثمان دون منازع، الا ان تتويجه وتغليبه على منافسيه من اخوته او ابناء عمومته كان للجيش دورا حاسما فيه. اما في عهد مصطفى كمال اتاتورك مؤسس الدولة التركية العلمانية الحديثة فلم تتراجع اهمية العسكر بل أسند اليهم مسؤولية تثبيت اركان النظام العلماني الجديد حيث لعبوا دورا أساسياً في القضاء على الثورات الداخلية والتحركات الإنفصالية داخل الدولة، وكان لقادة الجيش التركي اليد الطولى في تولي المناصب المهمة في الدولة في عهد اتاتورك. بقي هذا الدور للمؤسسة العسكرية قائماً بعد وفاة أتاتورك باعتبارها حامي حمى العلمانية في تركيا التي مكنتها من التدخل في الشؤون السياسية بحجة مسؤوليتها عن حماية النظام السياسي العلماني في الجمهورية التركية فقام عدد من جنرالاتها بعدة محاولات انقلابية ناجحة واخرى فاشلة. وكان اول انقلاب عسكري ناجح قام به رئيس اركان الجيش انذاك البارسلان تركش ضد حكومة الحزب الديمقراطي الحاكم عام 1960وقام باعدام رئيس الوزراء عدنان مندريس والسجن المؤبد على رئيس الجمهورية جمال بيار. وفي عام 1963قام الكولونيل طلعت آيدمير بمحاولة انقلاب فاشلة ادت الى اعدامه. وفي عام 1971 قام حزب الشعب بعد فشله بالانتخابات بانقلاب عسكري بواسطة اذرعه العسكرية ضد جودت صوناي رئيس الجمهورية. وفي العام 1980 قام الجنرال كنعان ايفرين بانقلاب عسكري ضد سليمان ديمريل فاصبح كنعان ايفرين رئيسا الجمهورية وفي العام 1995 فاز الاسلاميون بقيادة حزب الرفاه وحليفه ( الطريق القويم) بالانتخابات العامة ليصبح الزعيم الاسلامي نجم الدين اربكان رئيسا للوزراء مما اغضب العلمانيين فاستعانوا بدستور عام 1982 وذلك بتفسيسر مواده على اساس ان اربكان يسعى الى تطبيق الشريعة الاسلامية فتم حظر حزب الرفاه فادخل اربكان وكبار معاونيه الى السجن من ضمنهم رجب طيب اردوكان رئيس الجمهورية الحالي الذي حرم من ممارسة السياسة بحجة انه ردد ابيات شعرية اسلامية في مناسبة عامة. ولأهمية موضوع الانقلاب كحدث سياسي فيه الكثير من عناصر المفاجأة وربما بعض عناصرالصدمة، كانت محل اهتمام مكثف من قبل دول المنطقة والعالم وفي مقدمتها الدول الكبرى والولايات المتحدة الامريكية التي تربطها بتركيا حزمة مصالح متشابكة ومتنوعة في غاية الاهمية. اضافة الى الاهتمام الواسع من قبل الرأي العام سواء في تركيا ودول المنطقة والعالم وتجد ذلك واضحاً تماماً في الاهتمام الواسع الذي ابدته مواقع التواصل الاجتماعي. اضافة الى اهمية ما سيترتب على هذا الانقلاب من نتائج ستلقي بظلالها دون أدنى شك على مستقبل الديمقراطية في تركيا ودول المنطقة وعلى موضوع قبول انضمامها في الاتحاد الاوربي وعلى مستقبل حزب التنمية والعدالة وعلى مستقبل اردوغان السياسي نفسه. وجدنا من الضروري ان نتناول الموضوع بما يغطي أهم جوانبه ووضع القاريء الكريم قدر ما نستطيع في الصورة بكامل ابعادها او اهم ابعادها اذا جاز التعبير. لذا فقد حرصنا على إضفاء قدر من المنهجية والحيادية على طريقة بحثنا لهذا الموضوع فقسمنا بحثنا الى ثلاثة مباحث خصصنا المبحث الاول لاردوغان وحزبه والنجاحات التي تحققت بإيجاز خلال الفترة من 2003 لغاية وقوع الانقلاب وخصصنا المبحث الثاني لاهم الاخفاقات التي وقعت خلال تلك الفترة وركزنا على الاخفاقات وبشكل خاص في ملف السياسة الخارجية لاردوغان وحزبه ثم تناولنا في مبحث ثالث موضوع الانقلاب واسباب فشله وردة الفعل التي تجري الان ضد منفذيه وانصاره ثم ختمنا بحثنا باهم الاستنتاجات والتوصيات التي توصلنا اليها ولا نريد من القاريء الا ان يتحملنا وان يجود علينا بشيء من الصبر قبل أن نضع أمامه استنتاجاتنا وتوصياتنا. المبحث الاول نجاحات اردوغان وحزب العدالة والتنمية ولد رجب طيب أردوغان في 26 فبراير 1954 في إسطنبول. أمضى طفولته المبكرة في محافظة ريزة على البحر الأسود. ثم عاد مرة أخرى إلى إسطنبول وعمرهُ 13 عاماً. نشأ أردوغان في أسرة فقيرة فقد قال في مناظرة تلفزيونية (لم يكن أمامي غير بيع البطيخ والسميط في مرحلتي الابتدائية والإعدادية؛ كي أستطيع معاونة والدي وتوفير قسم من مصروفات تعليمي؛ فقد كان والدي فقيراً). تمكن اردوغان من إكمال دراسته الجامعية من كلية الاقتصاد والعلوم الادارية من جامعة مرمرة. انضم أردوغان إلى حزب الخلاص الوطني بقيادة نجم الدين اربكان في نهاية السيعينات، لكن مع الانقلاب العسكري الذي وقع عام 1980 تم الغاء جميع الاحزاب. وفي العام 1983 عادت الحياة الحزبية الى تركيا، وعاد نشاط اردوغان مجدداً من خلال حزب الرفاه في اسطنبول، حيث رشحه حزب الرفاه عمدة لمدينة اسطنبول أكبر وأهم مدن تركيا وفاز فوزاً ساحقاً. الا انه اتهم في العام 1988 بالتحريض على الكراهية الدينية بسبب ترديده ابيات من قصيدة تقول (مساجدنا تكناتنا ..قبابنا خوذاتنا…مآذننا حرابنا…المصلون جنودنا … هذا الجيش المقدس يحرس ديننا) وسجن ومنع من تولي الوظائف الحكومية ومن الترشيح للانتخابات. اغتنم فرصة حظر حزب الفضيلة لينشق مع عدد من الأعضاء منهم عبد الله غول وتأسيس حزب العدالة والتنمية عام فأعلن أن حزب العدالة والتنمية سيحافظ على أسس النظام الجمهوري وقال “سنتبع سياسة واضحة ونشطة من أجل الوصول إلى الهدف الذي رسمه أتاتورك لإقامة المجتمع المتحضر والمعاصر في إطار القيم الإسلامية التي يؤمن بها 99% من مواطني تركيا. خاض حزب العدالة والتنمية الانتخابات عام 2002 وحصل على 363 نائبا مشكلاً بذلك اغلبية ساحقة لم يتمكن اردوغان من ترأس الحكومة بسبب تبعات سجنه وقام بتلك المهمة عبدالله غول وتمكن اردوغان في مارس من عام 2003 من تولي رئلسة الحكومة بعد اسقاط الحكم عنه. سياسياً وتحديداً في الشأن الداخلي، يتمتع اردوغان بكاريزما آسرة ونادرة لم يتمتع بها احد من الرؤساء الاتراك الذين خلفوا اتاتورك. لديه خطاب سياسي سلس فيه قدر مناسب من العاطفة والقوة والاتزان، مما جعله مؤثراً في الرأي العام. كما اظهر اردوغان قدرة عالية على توجيه دفة القيادة في حزبه وفي حكومته على حد سواء. لديه سرعة بديهية عالية ظهرت واضحة جدا في مؤتمر دافوس عندما رد على كلمة نتنياهو في المؤتمر بشكل يثير الاعجاب، وقرر الانسحاب من المؤتمر. متابع لعمله في الميدان. يحرص دائماً على إبراز إنجازاته للجمهور بشكل عفوي يخلو من الابتذال والتكلف. حريص على إدامة علاقته بالجمهور وتعزيزها. تمكن من المحافظة على المكانة السياسية والشعبية لحزبه (قوة الزخم)، وبقي يتمتع بالاغلبية الساحقة في البرلمان وتمكن من تشكيل الحكومات المتعاقبة بعد 2003 منفرداً. كما تمكن اردوغان من احتواء التظاهرات الشعبية في ميدان تقسيم التي راهن معارضوه بانها ستلقي بظلالها على نتائج الانتخابات التي جرت في العام 2015، الا انه تمكن من تجنب ذلك وأبدى قدراً عالياً من المهارة سواء في اتخاذه لقرار إعادة الانتخابات او في نجاحه في استمالة العديد من اصوات الناخبين المترددين. وبالتالي قلب المعادلة لصالح حزب العدالة والتنمية بشكل حاسم فاق الكثير من التوقعات. اقتصاديا تمكن اردوغان من تحقيق قفزات كبيرة. فخلال عقد التسعينيات من القرن الماضي كان لعدم اليقين السياسي في تركيا آثار سلبية تركت الاقتصاد تحت وطأة الدَّين المحلي والأجنبي بسبب ارتفاع التضخم، وعجز الموازنة الكبير، وارتفاع عجز الحساب الجاري. أخفقت الحكومات الائتلافية في معالجة هذه المشكلات. ولكن بعد صعود اردوغان إلى السلطة في 2002، وضع حزب العدالة والتنمية منظوراً جديداً للإقتصاد، يشار إليه إجمالاً بـ”تركيا الجديدة”. أكدت الحكومة الانضباط المالي، والتحول الهيكلي، والخصخصة. خلال هذه الفترة، تعافت تركيا سريعًا من الآثار السلبية لأزمة 2001 المالية، وحققت معدل نمواً مطرداً. كما نجت البلاد من أزمة 2008 المالية العالمية بأقل ضرر. في عام 2023 كما سجل الاقتصاد التركي نمواً سنوياً بمعدل 8.5 بالمئة ليصبح ثاني أسرع اقتصاد نمواً في العالم، بعد الصين التي بلغ نموّها 9.2 بالمئة في 2011. في 2012، بلغ الناتج المحلي الإجمالي للفرد 10504 دولارات أمريكية مقابل 3492 دولارًا في 2002. تسعى الحكومة لتحقيق أهدافها وخططها الاقتصادية بحلول الذكرى المئوية لتأسيس الجمهورية. المبحث الثاني اخفاقات اردوغان وحزب العدالة والتنميةلاشك هناك اخفاقات داخلية يمكن ايجازها بانفراد حزب اردوغان في تشكيل الحكومات المتعاقبة، وعدم إشراك أي من الأحزاب الأخرى المنافسة، والاستحواذ على الرئاسات الثلاث ومناصب الدولة العليا والرئاسات كافة . لا شك ان هذه السياسة اذا استمرت سترتد سلباً على شعبية اردوغان وحزبه مستقبلاً. كما فشل اردوغان في الإستفادة من دعوتي عبدالله اوجلان زعيم حزب العمال الكردستاني الذي يقضي عقوبة السجن المؤبد في جزيرة آمرالي منذ عام 1999الى انصاره الاولى في عام 2006 التي دعا فيها مقاتلي الحزب الى عدم استخدام السلاح الا في حالة الدفاع عن النفس ودعاهم الى تحسين العلاقة مع الحكومة التركية في مسعى منه للمصالحة والثانية في عام 2013 عندما دعا مقاتلي حزبه الى وقف إطلاق النار والإنسحاب الى الاراضي العراقية. الا إن الحكومة التركية لم تبد تنازلات شجاعة من أجل التوصل الى حل سياسي لمشكلة داخلية بالغة الخطورة. وبالتالي عادت المعارك بين الطرفين الى سابق عهدها في حين كان بالامكان التوصل الى حل سياسي وايقاف نزيف الدم في تركيا. اما الاخفاقات في السياسة الخارجية فيمكن تلخيصها بالآتي: 1- ملف الارهاب بوجه عام. لم يقدّر اردوغان خطر الارهاب مبكراً ولم تتعامل حكومته مع خطر الارهاب على أنه خطر قائم وداهم على تركيا. رغم وقوع هجمات إرهابية متفرقة خلال الفترة من 2003 الى 2016. وبقيت تركيا ممراً رئيسياً لمجندي القاعدة وداعش المتجهين من اوربا الى سوريا والعراق وبالعكس. وكان ذلك بعلم تام من قبل الحكومة التركية التي كان يهمها اسقاط الاسد اكثر من مواجهة خطر الارهاب، لا بل استعانت تركيا بشكل او بآخر ببعض المنظمات الاسلامية المتطرفة وبجبهة النصرة الارهابية لإسقاط نظام بشار الاسد. ولم تتخذ السلطات التركية اجراءات جدية لوقف مرور الارهابيين عبر اراضيها الا بعد تفجيرات مطار اتاتورك. ولم تزل هذه الاجراءات دون المستوى المطلوب لمواجهة خطر دولي داهم كالخطر الذي يمثله تنظيم داعش. 2- العلاقة مع العراق. مع إن حجم التبادل التجاري بين العراق وتركيا بحدود 10 مليار دولار سنويا لصالح تركيا طبعا الا إن السياسة التركية الخارجية مع العراق لم تكن مستقرة وشهدت فترات توتر عديدة لأسباب تعود الى تدخل تركيا بالشأن الداخلي العراقي ولا سيما بعد لجوء نائب رئيس الجمهوية العراقي طارق الهاشمي (احد قيادات الاخوان في العراق) الى تركيا بعد صدور مذكرة قبض بحقه من قبل القضاء العراقي، وقيامها باستضافة مؤتمرات لبعض القوى المعارضة للنظام السياسي في العراق. وكذلك قيامها بشن هجمات على حزب العمال الكردي المعارض في داخل الاراضي العراقية دون التنسيق مع الحكومة العراقية. كما قامت بإدخال قوات عسكرية الى الموصل وما تزال دون موافقة الحكومة العراقية، ودون إجراء اي تنسيق معها، وأظهرت تجاهلاً واضحاً ومقصوداً ومؤلماً لسيادة الدولة العراقية، لقي رفضاً شعبياً واسعاً من قبل كل المكونات العراقية عدا بعض السياسيين العراقيين من قيادات الاخوان المرتبطين مباشرة بالدائرة الضيقة المحيطة باردوغان. 3- العلاقة مع سوريا. يمثل نموذج العلاقة التركية السورية مثالا ناصعا لحجم الإخفاق في السياسة الخارجية التركية تجاه سوريا. من المعلوم ان العلاقة التركية السورية كانت ممتازة ولم تشهد اي فترة توتر الا في العام 1988، حيث طلبت تركيا من سوريا تسليمها عبدالله اوجلان زعيم حزب العمال الكردستاني المعارض واعتذرت سوريا في البداية عن تسليمه كونه لاجئاً سياسياً، ولكنها اضطرت الى اخراجه من اراضيها الى روسيا، ومن ثم توجه الى ايطاليا وأخيراً إختبأ في السفارة اليونانية في كينيا فالقت القوات الكينية القبض عليه وسلمته الى تركيا بعد أن هددت تركيا بشن الحرب على سوريا اذا لم تقم بتسليمه او اخراجه من اراضيها. ولم يزل عبدالله اوجلان في السجن ولم ينفذ به حكم الاعدام بسبب الغاء تلك العقوبة في قانون العقوبات التركي إمتثالاً لشروط الاتحاد الاوربي التي من بينها الغاء عقوبة الاعدام في تركيا. بدأت اعمال العنف في سوريا في 15 مارس اذار عام 2011 عندما تظاهر مئتا شخصٍ في سوق الحميدية في دمشق مطالبين باجراء تغييرات واصلاحات. وتم اعتقال عدد منهم ثم اندلعت الاحتجاجات في درعا لتنتقل الى عدد من المحافظات الاخرى ثم تطورت من طابعها السلمي الى اعمال عنف نتيجة سوء تعاطي النظام معها. اضافة الى تدخلات خارجية امريكية وفرنسية وبريطانية وفي مقدمتها التدخل التركي الذي سهل وساعد في دخول تنظيم القاعدة والمنظمات الارهابية الاخرى الى سوريا عبر المطارات والموانئ التركية ثم جاء التدخل السعودي ومن ثم التدخل الايراني والعراقي والروسي. في حين كان بامكان تركيا وهي الجارة الكبيرة لسوريا وهي اول بلد اجنبي بادر الى التدخل في الشأن السوري ان تبحث عن خيارات اخرى متاحة غير خيارت النار والموت والدمار. وهي البحث عن حل سياسي متوازن في سوريا وهي تعلم الطبيعة الشمولية لهذا النظام الذي اثبت انه يمتلك الكثير من عناصر القوة الداخلية والخارجية التي مكنته من المطاولة. كما تعلم تركيا او كان يفترض ان تعلم ان البديل الوحيد لنظام الاسد هو تنظيم القاعدة واخواتها وبناتها. اما الفصائل المسلحة المعارضة الاخرى المدعومة من الغرب وامريكا وتلك المدعومة من السعودية فانها لم تحقق اي مكاسب عسكرية في الميدان. فهي تعتاش على الدعم المالي السخي المفتوح المقدم لها من السعودية والولايات المتحدة، ولا تتمتع باي دعم شعبي حقيقي، وثبت للجميع في اكثر من مناسبة بما فيهم داعميها ان هذه الفصائل لاتمتلك ارادة القتال وغير قادرة على الصمود لا بوجه داعش ولا بوجه قوات النظام، فوقعت في الارض الحرام بين قوات الطرفين، وسقطت مرارا فريسة لداعش ولقوات النظام اللتين استولتا على مخازن تحتوي على أحدث الاسلحة التي تزودت بها تلك القوات من قبل الولايات المتحدة والسعودية. لقد ارتكب اردوغان خطأً فادحاً عندما رفع منذ اليوم الاول شعار اسقاط النظام قبل ان ترفعه التظاهرات والاعتصامات الشعبية ذاتها التي كانت في البداية تطالب باجراء تغييرات سياسية في اسلوب تداول السلطة وادارة الدولة، وليس اسقاط الدولة واحراق الشعب كما جرى طيلة السنوات الاربع الماضية. اخيراً وقبل الانقلاب بأيام أعلن رئيس الحكومة الجديد عن نية حكومته اقامة علاقات طيبة مع سوريا ويبدو انهم اكتشفوا مؤخراً ان طريقة تعاطيهم السابقة مع المشكلة السورية بسبب دعمهم لحركة الاخوان المسلمين في سوريا فاقمت المشكلة وأضرت بالشعب السوري نفسه وأضرت بمصالح تركيا والامن القومي التركي وأمن دول المنطقة كافة. 4- العلاقة مع روسيا. في 30 سبيمبر 2015 باشرت روسيا اولى غاراتها ضد داعش والمنظمات المتطرفة الاخرى بناء على دعوة من قبل الرئيس السوري بشار الاسد للرئيس السوري فلاديمير بوتين الذي حصل على تخويل مجلس الاتحاد الروسي باستخدام القوات المسلحة خارج روسيا لمحاربة الارهاب حصراً. الا ان تركيا عارضت هذا التدخل اكثر مما عارضته الولايات المتحدة وحلف الاطلسي فاستغلت دخول طائرة روسية كانت تطارد داعش الى الاجواء التركية خطأً فأصدر اردوغان شخصياً أوامره باسقاط الطائرة الروسية. مما اشعل ازمة كبيرة بين البلدين كادت ان تشعل حربا بين البلدين، لولا توسط الامريكان وبريطانيا والمانيا لتهدئة الازمة بين البلدين. ويبدو أن اردوغان اكتشف مؤخراً أن قراره كان خاطئاً وألحق ضرراً بالمصالح العليا لتركيا، فاعتذر شخصياً من الرئيس الروسي قبل ايام من الانقلاب تمهيدا لتطبيع العلاقة بين البلدين. 5- العلاقة مع الاتحاد الاوربي. رغم تولي حزب اردوغان منفرداً السلطة في تركيا منذ 2003 الا انه اخفق في استكمال الشروط التي فرضها الاتحاد الاوربي لانضمام تركيا اليه. 6- العلاقة مع اسرائيل. في 31 مايو 2010 هاجمت قوات خاصة اسرائيلية كبرى سفن اسطول الحرية كانت متجهة الى غزة لكسر الحصار الاسرائيلي المفروض على غزة تقل 581 ناشطاً متضامناً ينتمون الى ستين بلداً نظمتها حركة غزة الحرة ومؤسسة الاغاثة الانسانية التركية، أدت الى قتل تسعة اتراك وامريكي من اصل تركي، اضافة الى خمسين جريحا. وفي 22 مارس 2013 قدم رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو اعتذاراً رسمياً لنظيره التركي رجب طيب أردوغان خلال مكالمة هاتفية عن الهجوم واعترف بحدوث “بعض الأخطاء العملية” وتعهد بدفع التعويضات لأسر الضحايا، مقابل الاتفاق على عدم ملاحقة أي جهة قد تكون مسؤولة عن الحادث قانونياً. واتفق الجانبان على تبادل السفراء وتطبيع العلاقات، وذلك خلال مكالمة هاتفية شجع عليها الرئيس الأمريكي باراك أوباما خلال زيارته إلى إسرائيل في تلك الفترة. وبتاريخ 26/6/2016توصلت كل من تركيا واسرائيل في روما الى اتفاق لتطبيع العلاقات بين البلدين وتبادل السفراء والزيارات الودية تضمن تعهد تركيا بعدم رفع دعاوى ضد عدد من قادة الجيش الاسرائيلي المسؤولين عن ذلك الهجوم الى المحكمة الجنائية الدولية. كما تضمن تنازل تركيا عن شرط رفع الحصار عن قطاع غزة مقابل السماح لتركيا بإدخال معدات ومساعدات انسانية الى غزة عن طريق ميناء أشدود بعد الخضوع للفحص الأمني الإسرائيلي، وللأتراك إقامة محطة كهرباء ومحطة تحلية للمياه، مقابل ان تدفع اسرائيل 21 مليون دولار لجمعية إلاغاثة الانسانية التركية لتسليم التعويضات لعائلات الضحايا من سفينة مرمرة وللجرحى، على ان تبطل تركيا الدعاوى المرفوعة في المحاكم التركية في اسطنبول ضد قادة وجنود في الجيش الاسرائيلي من المتورطين في الجريمة. كما تلتزم تركيا بأن لا تعمل حماس ضد اسرائيل من أراضيها، مقابل تنازل اسرائيل عن الطلب من تركيا ابعاد قيادة حماس عن الأراضي التركية. كما تعود الدولتان للتعاون الأمني والاستخباري بينهما الى سابق عهده والبدء بمفاوضات لمد خط انابيب لنقل الغاز من فلسطين الى تركيا. يتضح مما تقدم ان اردوغان اكتشف مؤخراً ان انقطاع العلاقات بين تركيا واسرائيل قد اضرت بالمصالح السياسة والاقتصادية التركية وبعلاقاتها بالولايات المتحدة وحلف الناتو والاتحاد الاوربي المتعاطفة دوما مع اسرائيل. فقرر اتخاذ القرار باستئناف العلاقات مع اسرائيل الى سابق عهدها. 7- العلاقة مع مصر. تدهورت العلاقات بين مصر وتركيا الى حد بعيد على اثر قيام الرئيس عبد الفتاح السيسي باسقاط حكم الاخوان المسلمين في مصر واعتقال الرئيس المصري المتخب محمد مرسي ومن ثم محاكمته على خلفية خروج مظاهرات شعبية مليونية طالبت باسقاط حكم الاخوان الذي اظهر ميلاً كبيراً في الاستحواذ على السلطة اكثر من ميله لتقديم الخدمة للمواطن المصري، مما ولد استياءاً شعبياً من سياساته عبرت عنه المظاهرات المليونية في القاهرة وكبريات المدن المصرية وبذلك خسر الاخوان كل السلطة عندما استحوذوا على كل السلطة. القى الرئيس اردوغان خطاباً في الامم المتحدة هاجم فيه الرئيس عبد الفتاح السيسي ووصفه قاد انقلاباً عسكرياً ضد الشرعية المتمثلة بالرئيس المنتخب محمد مرسي، رغم ان العلاقات التركية شهدت تطوراً كبيراً عندما عقد البلدان اتفاقية التجارة الحرة في عام 2010 واتفاقية الرورفي عام 2012 التي تضمنت السماح لتركيا بإيصال البضائع التركية الى دول الخليج عبر الموانئ والاراضي المصرية بعد ان منعت الحكومة السورية مرورها عبر الاراضي السورية بسبب التدخل التركي في سوريا. حيث بلغ حجم التبادل التجاري بين البلدين بحدود 3 مليار دولار لصالح تركيا. ولا نستبعد ان تكون تركيا قد راجعت علاقاتها مع مصر وان لم تعلن عن ذلك لنفس الاسباب التي دعتها الى مراجعة علاقاتها مع الدول التي ذكرناها. يتضح مما تقدم ان اردوغان وحزبه قد راجعوا سياستهم الخارجية الداعمة للاخوان المسلمين في المنطقة قبل الانقلاب بعناية وشجاعة ومسؤولية ووجدوا انها ألحقت ضرراً بالغاً بمصالح تركيا الاقتصادية وبالأمن القومي التركي وبحزب العدالة نفسه. وقرروا ترجيح مصلحة تركيا والأمن القومي التركي على ما عداها بما فيه مصلحة حركة الاخوان في المنطقة وباشروا فعلاً بتطبيع العلاقات مع دول المنطقة جميعاً بما فيها سوريا واسرائيل وروسيا والعراق وقريبا مصر.المبحث الثالث الانقلاب العسكري الفاشلوالان نبدأ بمناقشة الانقلاب وأسباب فشله في الفقرة أولاً ثم نتناول في الفقرة ثانياً تداعيات الانقلاب وإجراءات رد الفعل لأردوغان وحزبه لمرحلة ما بعد افشال الانقلاب. أولاً- الانقلاب واسباب فشله: لقد سمعنا وقرأنا وشاهدنا الكثير من الآراء عن الانقلاب العسكري في تركيا ومنها تلك الآراء التي استعانت بنظرية المؤامرة لتفسير الانقلاب ويمكن تلخيصها برأيين: الأول يقول انها مسرحية أخرجها اردوغان لتصفية حساباته مع الجيش والثاني : يقر بالانقلاب الا انه يتهم امريكا يانها تدخلت في اجهاضه عندما اسقطت طائرات الانقلابيين بواسطة طائراتها في قاعدة انجرليك التركية. والحقيقة ان هذين الرأيين لا يستندان الى أي حجة او واقعة تدعمهما وانما يعبران عن موقف مسبق معارض او ناقم على اردوغان وحزبه لأسباب مختلفة لسنا بصدد ذكرها. في واقع الامر فان الانقلابات العسكرية ليست شيئاً جديداً في تركيا كما ذكرنا في مقدمة بحثنا وهذا الانقلاب هو الرابع من نوعه منذ تأسيس الجمهورية التركية الحديثة بقيادة كمال مصطفى اتاتورك في العام 1923. واذا أضفنا لها اسقاط حكومة نجم الدين اربكان بحجة مخالفتها للدستور فانه سيكون الانقلاب الخامس ، وهو انقلاب واسع ساهمت فيه مختلف صنوف الجيش التركي البرية والجوية والبحرية، اضافة الى الاستخبارات العسكرية . ولكن كل الانقلابات العسكرية التي وقعت في تركيا منذ تأسيس الدولة التركية بقيادة اتاتورك عام 1923 كانت تجري تحت عباءة علمانية عدا هذا الانقلاب فانه جرى تحت عباءة اسلامية هي عباءة فتح الله غولن الداعية الاسلامي المعروف والحليف السابق لاردوغان ضد حكومة جاءت الى السلطة تحت عباءة اسلامية ايضا . محمد فتح الله كولن مفكر إسلامي وداعية تركي. معروف على مستوى العالم بتسامحه ودعوته للانفتاح على العالم ويحظى باحترام واسع في تركيا وله اكثر من 60 مؤلف اغلبها تتمحور حول تنظيف العقيدة الاسلامية مما رافقها من غلو وتعصب. ولد محمد فتح الله كولن في 27 أبريل 1941 في قرية صغيرة بمحافظة أرضروم، ونشأ في عائلة متدينة. بدأ فتح الله -ولا سيما بعد عام 1990- بحركة رائدة في الحوار والتفاهم بين الأديان وبين الأفكار الأخرى متسمة بالمرونة والبعد عن التعصب والتشنج، ووجدت هذه الحركة صداها في تركيا ثم في خارجها. ووصلت هذه الحركة إلى ذروتها في الاجتماع الذي تم عقده في الفاتيكان بين الشيخ فتح الله وبين البابا إثر دعوة البابا لـه. لقد آمن بان العالم أصبح -بعد تقدم وسائل الاتصالات- قرية عالمية لذا فان أي حركة قائمة على الخصومة والعداء لن تؤدي إلى أي نتيجة إيجابية، وأنه يجب الانفتاح على العالم بأسره، وابلاغ العالم كله بان الإسلام ليس قائماً على الإرهاب -كما يصوره أعداؤه- وان هناك مجالات واسعة للتعاون بين الإسلام وبين الأديان وأول ما يلفت النظر في كولن هو أنه لا يفضل تطبيق الشريعة في تركيا، حيث يقول الغالبية العظمى من قواعد الشريعة تتعلق بالحياة الخاصة للناس، فيما الاقلية منها تتعلق بإدارة الدولة وشؤونها، وانه لا داعي لتطبيق احكام الشريعة في الشأن العام. ووفقا لهذا يعتقد كولن ان الديمقراطية هي أفضل حل، ولهذا يكن عداء للأنظمة الشمولية في العالم الإسلامي. ينظر نجم الدين اربكان إلى كولن بأنه أستاذ اردوغان الحقيقي. كتبت الكثير من الدوريات الغربية عن كولن تصوره كزعيم حركة اجتماعية إسلامية قومية غير معاد للغرب، ووجه المستقبل للإسلام الاجتماعي في الشرق الأوسط، لكن معارضيه يقولون عنه انه الخطر الحقيقي على العلمانية التركية، ويتهمونه بمحاولة تقويض العلمانية التركية عبر أسلمة الممارسات الاجتماعية للاتراك. في 18 يونيو(حزيران) عام 1999 , غادر كولن إلى الولايات المتحدة الامريكية بعد توتر العلاقة بينه وبين المؤسسات العلمانية التركية التي اتهمته بمحاولة تطبيق الشريعة الاسلامية في تركيا العلمانية.كان كولن من حلفاء الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إلى نحو سنة 2013 ، حين ظهرت تهم فساد على بعض المسؤولين في الحكومة التركية من المقربين لاردوغان، واتهم أردوغان كولن بالوقوف وراء تلك المشكلة للتأثير سلبا على حزب العدالة والتنمية. ومنذ ذلك الحين توترت العلاقة بين الرجلين ووقعت القطيعة بينهما. واخيراً إتهم اردوغان حليفه القديم وخصمه الحالي بتشكيل كيان موازي وبالوقوف وراء المحاولة الانقلابية وطلب رسمياً من الولايات المتحدة تسليمه للحكومة التركية الا ان كولن انكر التهمة تماماً . اما الولايات المتحدة فطالبت الحكومة التركية بتقديم الادلة الكافية لاثبات تورط كولن بالمحاولة الانقلابيةقبل ان تنظر ي امر تسليمه .اما اسباب فشل الانقلاب فيمكن إيجازها بالآتي :ـ 1- انكشاف امر الانقلاب قبل خمس ساعات من تنفيذه وقبل 13 ساعة من الموعد المقرر لتنفيذه من قبل رئيس جهازالمخابرات التركية (كما ذكرت بعض التقاريرالاخبارية) حيث رصدت في الساعة الرابعة عصر الجمعة 15/7/2016مكالمات مشبوهة تشير الى ان هناك محاولة انقلابية بدأ تنفيذها فعلاً في الساعة التاسعة من مساء اليوم نفسه (السادسة بتوقيت غرينيش) واستمرت حتى صباح اليوم التالي وتشير المعلومات إلى أن المخابرات رصدت في الساعة الرابعة عصر الجمعة مكالمات مشبوهة تشير إلى أن هناك محاولة انقلابية، بدأ تنفيذها بالفعل في الساعة التاسعة من مساء اليوم نفسه بالتوقيت المحلي (السادسة بتوقيت غرينتش) واستمرت حتى صباح اليوم التالي. وتظهر المعلومات أن الانقلابيين اضطروا لتقديم موعد الانقلاب بدلا من الساعة الثالثة من فجر السبت بعدما تنبهوا لانكشاف المخطط الانقلابي مما اربك خططهم وطريق تنفيذهم الى حد بعيد، وبما أن المخابرات ليست لديها الصلاحيات اللازمة لمتابعة الجيش التركي، فقد قام رئيس المخابرات هاكان فيدان بالتوجه إلى قيادة الأركان فورا والتقى رئيس هيئة الأركان العامة آكار خلوصي بحدود الساعة الرابعة والنصف وأطلعه على هذه المعلومات بعد ذلك أجرى رئيس الأركان اتصالاته، لكن مدير الاستخبارات العسكرية الذي كان ضالعاً في المؤامرة وكذلك مساعد رئيس الأركان أكدا أن لا شيء غير طبيعي وأن هناك تحركات عادية لبعض القوات ولكن تحت إصرار رئيس المخابرات أصدر رئيس هيئة الأركان أمرا لكافة فرق ومعسكرات الجيش بوقف أية تحركات ذلك اليوم حتى المعتادة منها، وأمر بوقف مهام أية طائرات عسكرية. غادر هاكان فيدان مبنى هيئة الأركان قرابة الساعة الخامسة والنصف مساء، وعاد إلى مقر المخابرات واستمر في تتبع الأمر رغم تأكيد هيئة الأركان عدم وجود أي شيء مريب. ولكن بعد علم الانقلابيون أن المخابرات بدأت تتابع الأمر، قرروا تقديم خطة الانقلاب المقررة في الساعة الثالثة صباحاً والمباشرة بها فوراً، فقامت قوة من الانقلابيين باعتقال رئيس هيئة الأركان ومحاولة إجباره على الانضمام للانقلاب، وبعد رفضه تم تقييده وتغطية رأسه ووضعه في غرفة. واعتقل كذلك نائب رئيس هيئة الأركان، وقائد القوات الجوية. وبحدود الساعة الثامنة مساء تأكدت المخابرات من أن هناك انقلاباً، فاتصل رئيسها هاكان فيدان بالرئيس اردوغان الذي كان يقضي عطلة في منتجع مارمريس غربي تركيا وأخبره بالانقلاب، وطلب منه الحديث إلى الشعب عن الأمر، كما أمر كافة فروع المخابرات بالتصدي للانقلابيين والقتال حتى الموت.2-عدم اعتقال اردوغان. طلب الانقلابيون من قائد الجيش الأول اوميت دوندار الانضمام إليهم، غير أنه طلب منهم امهاله للتفكير، واتصل فوراً بالرئيس أردوغان بحدود الساعة الثامنة والنصف متعهداً له بتأمين الحماية لطائرة الرئيس. بعد انتهاء المكالمة مباشرة غادر اردوغان الفندق قبل عشرة دقائق فقط من وصول مروحيات عسكرية تحمل قوة عسكرية مهمتها اعتقال اردوغان وبالفعل أمر قائد الجيش الأول طائرتين من طراز أف ٤ بالتصدي لطائرتين من طراز أف ١٦ تابعتين للانقلابيين وإبعادهما عن أجواء إسطنبول، بينما أقلع الرئيس أردوغان من مطار ديلمان بطائرة عادية وليس بالطائرة الرئاسية، وأقلعت معها طائرتان أخرييان مدنيتان باتجاه إسطنبول للتمويه، مما أربك الانقلابيين ومنعهم من استهداف الطائرة التي أقلت أردوغان. وبفضل تدخل الجيش الأول تم تأمين طائرة الرئيس التي استمرت تحوم لساعة ونصف الساعة فوق إسطنبول حتى تمكن المواطنون والشرطة من تأمين المطار واقتحامه وإجبار الانقلابيين على إخلاء المطار، مما ساعد على تأمين المدرجات وهبوط طائرة الرئيس، الذي اتخذ من مطار إسطنبول مقرا له لعدة ساعات، وألقى فيه كلمة علنية وخاطب الجماهير المحتشدة بشكل مباشر. ولو تمكن الانقلابيون من اعتقال اردوغان لتغيرت المعادلة لصالح الانقلابيين.ثانيا- اجراءات اردوغان لما بعد فشل الانقلاب. لم يكن اسلوب الايغال بالانتقام من الانقلابيين الفاشلين ومن الحاكمين الذين ينجح الانقلاب ضدهم جديداً في تركيا فعلى سبيل المثال قام كنعان افرين عندما نجح في محاولته الانقلابية صبيحة يوم 12 أيلول/ سبتمبر من عام 1980على الحكومة المدنية انذاك بإلغاء البرلمان التركي وإيقاف العمل بالدستور. وإغلاق مقرات كافّة الاحزاب السياسية ومنعها من ممارسة اي نشاط سياسي، وقام ايفرين بسحب الجنسية التركية من 14 ألف شخص واعلان الاحكام العرفية التي استمرت 7 سنوات، حيث تمت محاكمة 230 ألف شخص ضمن 210 دعوى قضائية وحكم على 517 شخص منهم بالاعدام وطرد ما يقارب 30 ألف شخص من أعمالهم من دون وجود مبرّرات قانونية تستوجب عزلهم عن أعمالهم وأغلاق عدد كبير من الجمعيات والمؤسسات الإنسانية في البلاد. أمّا على الصّعيد الإعلامي، فقد تمّ منع 937 فلم سينمائي من العرض ولم تستطع ما يقارب 300 صحيفة من ممارسة أعمال النشر والطباعة. اما بالنسبة لاردوغان فانه صرح امام جمع من مناصريه في مطار اسطنبول وقبل فشل الانقلاب (لقد آن الاوان لتطهير الجيش ). بالفعل ومنذ الساعات الاولى للانقلاب بدأت حملة اعتقال واسعة جداً شملت عشرات من كبارالجنرالات ومئات من كبار الضباط وآلاف اخرين من الرتب الاخرى. كما طالت القضاء والادعاء العام بما فيهم عدد من اعضاء مجلس القضاء الاعلى وقضاة محكمة النقض (التمييز) العليا وقضاة المحكمة الدستورية وقضاة المحكمة الادارية العليا والشرطة وكبار الموظفين في مكتبي رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة واساتذة الجامعات من المتأثرين بكولن وزج بهم بالسجون، حيث تم اعتقال اكثر من عشرة آلاف وعزل اضعاف هذا الرقم وما تزال حملة التطهير ( اعتقال او عزل) في اوجها. ويبدو انها تعتمد على الشبهة اكثر مما تعتمد على الادلة. كما اعلنت حالة الطوارئ لمدة ستة اشهر. كما اعلن اردوغان شخصياً انه لا يستبعد استئناف العمل بعقوبة الاعدام وانه يصادق عليها اذا تم اقرارها من قبل البرلمان.الخاتمةوفي خاتمة بحثنا نضع استنتاجاتنا وتوصياتنا التي توصلنا اليها امام القارئ الكريم ونبدأ بالاستنتاجات ثم التوصيات.الاستنتاجاتأولاً- حقق اردوغان وحزبه نجاحات سياسية واقتصادية مهمة في المجال الداخلي، حظيت بتأييد وترحيب شعبي واضح. واظهر اردوغان قدراً عالياً من النجاح في القدرة على تحشيد الرأي العام الداخلي واستمالة الناخب وتمكن من الاحتفاظ بقوة الزخم لحزبه منذ 2002 ولغاية الانقلاب. وبقي يحتفظ بكاريزما قوية تحظى بالإحترام العام لدى الحزب والدولة والشعب. واستطاع وبالذات في الشأن الداخلي التركي ان يكبح الى حد بعيد الميل للأسلمة لدى حزبه والذي تعاني منه الاحزاب الاسلامية في المنطقة عموماً. الا انه فشل في حل المشكلة الكردية وأهدر فرصة ذهبية وفرها له عبدالله اوجلان زعيم حزب العمال الكردستاني عندما مد له يد المصالحة منذ عام 2006. كما فشل اردوغان في إشراك منافسيه السياسيين في السلطة وانفرد حزبه بتشكيل الحكومات المتعاقبة وتولي مناصب الدولة منذ 2003.ثانيا- فشل اردوغان وحزبه في ادارة ملف السياسة الخارجية حيث تم استعداء العديد من دول المنطقة ليس على أساس المصلحة التركية العليا وإنما على اساس مواقفها من حركة الاخوان المسلمين في دولها. وألحقت هذه السياسة ضرراً كبيراً في مصالح الشعب التركي وأدت الى حرمانه من فرص تجارية مهمة، وفرص أخرى أهم في مجال الاستثمارالخارجي لرأس المال التركي، الذي يتطلع جنوباً للبحث عن فرص ذهبية للإستثمار حيث تنحسر هذه الفرص شمالاً. بمعنى آخر ان اردوغان في الوقت الذي استطاع فيه ان يكبح الميل للأسلمة في الشأن الداخلي نجده قد أطلق العنان للأسلمة لأن تتحكم في الشأن الخارجي لتركيا، وبتعبير أكثر دقة ظهرت تركيا بمظهر الدولة العثمانية في علاقاتها الخارجية فألحقت ضرراً كبيراً بتركيا. وظهرت بمظهر الدولة العلمانية في الشأن الداخلي فحققت نجاحات كبيرة لتركيا.ثالثا- نجح اردوغان في افشال الانقلاب العسكري وادارة الجهد الامني والشعبي المضاد للانقلاب، عندما خاطب الشعب طالبا منه النزول الى الشوارع وافشال الانقلاب. ولا سيما قراره الشجاع بمغادرة فندق مارماريس المطل على الساحل التركي والتوجه بطائرة الى مطار اسطنبول والإلتحاق بانصاره هناك رغم تحليق طائرات الانقلابيين في سماء اسطنبول.رابعا- لمّح اردوغان وهو في مطار اسطنبول وقبل الإنتهاء من إفشال الانقلاب بانه سينتقم من الانقلابيين وذلك عندما أعلن ان مرحلة تطهير الجيش قد بدأت وطالب الولايات المتحدة بتسليمه الداعية الإسلامي فتح الله كولن المقيم في الولايات المتحدة والمتهم بالوقوف خلف الانقلابيين. وبالفعل شنَّ اردوغان حملة تطهير واسعة وعميقة لم تقتصر على وزارتي الدفاع والداخلية وكبار الجنرالات وكبار الضباط وانما امتدت لتطال كبار القضاة والادعاء العام واساتذة الجامعات وكبار الموظفين من وزارات لدولة المختلفة من اتباع وانصار ومؤيّدي كولن ويبدو ان اغلب هذه الاعتقالات والإقالات تعتمد على الشبهة وليس على الادلة. لا شك ان هذه الاعتقالات والاقالات الواسعة التي ذكرت اخر التقارير انها تجاوزت الخمسين الف بين مقال ومعتقل، كما اعلن اردوغان حالة الطوارئ لثلاثة اشهر، علما ان الدستور يمنح الرئيس التركي ورئيس الحكومة صلاحيات واسعة في حالة الطوارئ بما فيها تعطيل بعض مواد الدستور واصدار قرارات لها قوة القانون دون الحاجة الى اللجوء الى مجلس النواب لتشريعها. لا شكّ أن هذه الاجراءات ستوسع دائرة العداء والنفور الشعبي وسترتد وترتد عكسا على اردوغان وحزبه لانه من المعلوم ان الانتقام ليس له قاع. فدروس التاريخ تخاطب السلاطين والرؤساء والزعماء لتقول لهم (كلما تنتقم اكثر كلما اصبحت بحاجة الى المزيد من الانتقام، وكلما افرطت في الانتقام كلما اقتربت من نهايتك).التوصيات ملاحظة: تنطلق هذه التوصيات من مبدأ ان مواجهة خطر الارهاب هو خطر دولي هائل قائم وداهم ، يجب أن يتصدر أولويات كل دول المنطقة والعالم، وإن أي صراع اخر داخل احدى الدول او بين الدول عدا ذلك، يقتضي ان تلتحم دول العالم كافة لبذل كل الجهود الممكنة لتسويته، او على الاقل ان يتنحى هذا الصراع جانباً لصالح التفرغ التام لمحاربة هذا الخطر، وان حالة عدم الاستقرار في أي بلد من بلدان المنطقة ستصب في مصلحة الارهاب حتما وتنعكس سلباً على أمن كل دول المنطقة وعلى السلام والأمن الدولي. اولاً- اطلاق سراح المعتقلين المدنيين من غير المشتركين فعلا بالانقلاب ولا سيما القضاة واساتذة الجامعات فوراً. ثانياً- الغاء الاقالات التي صدرت بحق المدنيين واعادتهم الى مناصبهم او نقلهم منها او احالتهم على التقاعد اذا ما ثبت أن بقائهم بالمنصب يشكل خطراً على أمن الدولة. ثالثاً- بعد استقرار الوضع الأمني الداخلي في تركيا وإزالة آثار الانقلاب العسكري تماماً، وزوال خطر قيام محاولة إنقلابية أخرى، تقوم الحكومة التركية بإصدار عفواً عاماً عن المشاركين في الانقلاب ممن لا يشكل اطلاق سراحهم خطراً على أمن الدولة. رابعاً- يمكن البناء على الموقف الجيد لأحزاب المعارضة التركية من الانقلاب وذلك باشراكها في الحكم. خامساً- الاستمرار بعملية مراجعة السياسة الخارجية التي بدأت قبل الانقلاب وتفعيل تصريح اردوغان الاخير (لقد وضعنا خلافاتنا مع دول الجوار خلف ظهورنا) وهو تصريح ايجابي جداً واذا ما تم تجسيده من الاقوال الى الافعال سيساهم في دعم استقرار المنطقة بشكل حاسم. سادساً- إعادة العلاقة الطبيعية مع الحكومة السورية بما يسهم في ايجاد حل سياسي متوازن لاخماد الحريق المشتعل في سوريا. ويمكن ان تكون تركيا مكاناً مناسباً لعقد تسوية بين بشار الأسد ومعارضيه قد تخمد الحرائق الهائلة في سوريا. سابعاً- تطوير العلاقة مع العراق ودعم الحكومة العراقية ودعم جهدها في تعزيز انتصاراتها على داعش والانسحاب فوراً من الاراضي العراقية او استحصال موافقة الحكومة العراقية على البقاء لحين طرد داعش من الموصل وفق اليات يتفق عليها بين الطرفين. وتشجيع الحكومة العراقية وقوى المعارضة السياسية غير المرتبطة بالارهاب على التوصل الى تسوية سياسية تاريخية شاملة ونهائية تتسع لجميع العراقيين غير المتورطين بالارهاب، ويمكن ان تكون تركيا مكاناً مناسباً للتفاوض بين الحكومة العراقية ومعارضيها برعاية تركية لكل الاطراف. ثامناً- اعادة العلاقة مع مصر ودعم الحكومة المصرية ومساعدتها في التوصل الى حلول سياسية مع الاخوان بدلاً من تحريض الاخوان على التصادم مع سياسات السيسي، ويمكن ان تكون تركيا مكاناً مناسباً لعقد تسوية سياسية بين الاخوان وحكومة السيسي. تاسعاً- اعادة العلاقة مع روسيا وإبداء أكبر قدر من التعاون والتنسيق معها لتسهيل مهمتها وحملتها في محاربة الارهاب في سوريا. عاشراً- بامكان تركيا ولا سيما بعد استعادة علاقاتها مع اسرائيل، وبحكم علاقتها الحميمة مع الفلسطينيين ولا سيما حماس، ان تلعب دوراً مهماً في التوصل الى اتفاق بين الطرفين لرفع الحصار عن غزة.
نطلب من زوارنا اظهار الاحترام, والتقيد بالأدب العام والحس السليم في كتابة التعليقات, بعيداً عن التشدد والطائفية, علماً ان تعليقات الزوار ستخضع للتدقيق قبل نشرها, كما نحيطكم علماً بأننا نمتلك كامل الصلاحية لحذف اي تعليق غير لائق.
اخبار العراق اليوم تصلكم بكل وضوح بواسطة العراق تايمز