حاول آلغرب و قبله آلشّرق إبانَ آلحُكومات ألمُختلفة ألتي تعاقبتْ عليهم و على بلادنا بعد رحيل ألرّسول ألأكرم إشاعة مبدأً مفادهُ؛ أنّ حرمة و قداسة آلسّياسيّ و آلحاكم خطُ أحمر لا يُمكن تجاوزهُ, و على آلرّعية(ألعوام) إتّباعهم مهما كانتْ ألأحوال, بلْ إنّ آلكثير من آلرّوايات ألتي وردتْ في فقه ألصّحاح تُجيز علناً إطاعة ألحاكم ألظالم و حُرمة ألوقوف ضدّهُ, و لذلك خُليَ آلتأريخُ من إنتفاضاتٍ أو ثوراتٍ ضدّ آلحكام الظالمين, و لم يُؤيّد كُتّاب آلصّحاح جميع الثورات و آلأنتفاضات ألعلويّة ضدّ إستبداد الحكام و ظلمهم. و مع إنتصار آلثورة الأسلامية في إيران و دخولنا في آلألفية ألثّالثة, تشابكت ألأوضاع و تعقيداتها على كلّ صعيدٍ, و نشر الحاكمون بين آلنّاس مبدأ فصل ألدّين عن ألسياسيّة لكونها خبيثة و آلدّين طاهر و مقدس و لا يجوز خلطه بآلسياسة, و للأسف الشديد ما زالت هذه الخدعة الكبيرة يؤمن بها معظم إن لم أقل كل الصّحفين و الكتاب العرب ناهيك عن العوام الذين باتوا لا يعرفون يمينهم عن شمالهم, فهذا المبدأ يسعى لسلب حقوق الناس و ظلمهم بينما الدين بآلعكس يسعى لتأمين كرامة الناس و عيشهم! لا يزال الصّحفيّ ألمسلم لا يعرف حقيقة الأسلام ألّذي يُؤكّد ألقيم و يرفض ألظلم من الحاكمين و غيرهم, و هم إنّما يُشيعون ذلك جهلا أو تجاهلاً و من ورائهم ألسّياسيون ليصبحَ آلحاكم و آلنّخب ألسّياسية بمثابةِ ألقيادة الحقة ألشّرعية, بل و آلهة لا يعدوهم أحداً, و باتوا مُقدّسين من دون كلّ آلوجود و حرمتهم وحقوقهم فوق كلّ آلحرمات و آلكرامات و الحقوق مهما كانت! و أكثر آلكُتّاب و آلصّحفيون في بلادنا و على إمتداد ألمسير كان لهم دورٌ في تثبيتهم للتقرّب إليهم من أجل معيشتهم لا منْ أجل قداسة مهنتهم ألّتي باتتْ ببغائية بإمتياز, و آلمُضحك ألمبكي أنّ ألمُفكّر ألحقيقيّ كان عليه و ما زال في هذا آلوسط أنْ يتّبعَ ألسّياسييونَ, و إلاّ فهو خارج عن آلقانون و زنديق يستحقّ آلموت من أجل بقاء الحاكمين و إستمرار فسادهم و نهبهم! هذا التفكير الذي ساد في آلشّرق كما في آلغرب سبّبَ أوجاعاً كثيرةً و محناً للبشرية جمعاء, بدأتْ و تعمّقت و إستمرّت مَعَ مرور ألزّمن و نَتَجَتْ عنها آلطبقيّة و آلفوارق ألأجتماعيّة و آلظلم و آلأرهاب و بأسوءِ صورةٍ. لقد إستطاع السّياسيّون إخضاع كلّ آلصّحفيين لمنهجهم بسبب إمتلاكهم للمال و السّلطة و لمنظماتٍ و جيوشٍ بوليسيةٍ و مخابراتيةٍ تحاصر و تضرب بيد من حديد كلّ من يقف أمامهم و يعتدي على مصالحهم و بنوكهم و شركاتهم و رواتبهم أو يحاول الوصول إلى أعتابهم "المقدسة" تحت ذريعة آلقانون! أمّا ما هي حقيقة هذا آلقانون؟ و ما هي فلسفته؟ و طبيعتهُ؟ و غايتهُ؟ فأنّ أكثر ألنّاس لا يعلمونَ و إنّها من أسرارِ ألحاكمين ألكبار في آلمنظمة آلأقتصاديّة ألعالميّة ألّتي تُسيطر على كلّ حكومات ألأرض و آلموارد ألطبيعيّة فيها, بغطاء ألدّيمقراطيّة ألتي قنّنوها بشكلٍ يحفظ مصالحهم و إستمرار نهبهم لحقوق النّاس و ثرواتهم من قبل طبقة ألتكنوقراط ألّتي لا تدين بدين أو ضمير و بإسم ألقانون و غطاء آلدّيمقراطيّة! و قد يستغرب آلبعض لو علم بأنّ آلصّحفيّ كان لهُ آلدور ألأوّل و آلأبرز في تحقيق و تعميم هذا آلوضع ألمأساويّ ألفاسد, بعد ما سفّهوا آراءَ و دورِ ألمُفكرين ألحقيقيين و مُعتقداتهم آلتي نظّرتْ لصالحِ ألأنسان و كرامته و بَدَلَ أن يكونوا أبواقاً و سنداً لدعم مواقفهم و نظريّاتهم؛ صاروا يمدحون و يسندون آلحكام بما ليس فيهم طمعاً للمال و آلمقام, فتعاظم آلظلم على آلمفكريين بآلدّرجة ألأولى و تحجّم دورهم و كأنّهم صاروا مصدرَ قلقٍ يُهدّد بؤر آلفساد و آلفتنة من قبل آلحاكمين, إن أسوء ما سبّبَ وصول ألحال إلى هذا آلحدّ هو آلصُّحفي بآلدّرجة ألأولى لكونه لم يعرف تفسير قوله تعالى: (ما ينطق من قولٍ إلّا لديه رقيب عتيد), بل يجهلون بأن نظرة بسيطة من إنسان قد تسبب مشاكل كبرى متوالية, حدث هذا كلّه بعد ما إعتبر نفسه ليس فقط بمستوى آلمُفكّر بلْ يفوقهُ و يتعدّاهُ, و من هنا بدأت محنة ألأنسانيّة ألقديمة - الحديثة تتشعّبُ على كلّ صعيد, مسبّبةً؛ ألطبقات؛ ألأرهاب؛ ألحروب؛ ألفقر؛ ألجّوع؛ ألفساد الأخلاقي و آلأقتصاديّ و آلسّياسيّ ألدّيمقراطي ألذي بات عنصراً فاعلاً لأدامة التّسلط ألحزبي ألنخبويّ على طبقة الشباب الذين إنغمسوا في الفساد و آلمخدرات بعد ما إزدادت الهوة بين الأثرياء و عامّة آلشعب! لقد نسى آلصحفيون دورهم ..أو هكذا كانت ثقافتهم, حين عظموا الحاكمين فأنتشرت قسوتهم لتقتل الرحمة بين الناس, كتاباتهم سطحية؛ تراكمية؛ تكرارية, لا قوّة فيها للتأثير على النفوس, بل بعضهم المتدين بظاهر الدين جعلوا المقدسات سياجاً حديدياً لا يمكن تجاوزهو فتصور الناس بأن العقيدة شعارات و مواسم للزيارات و العبادات المجردة, و من هنا تعمقت المحنة أيضاً حين فهم الناس الدين بآلخطأ! لم يكن كلّ ذلك لولا قتلهم للمفكرين الحقيقيّن و آلتجاوز على حرمتهم, أؤلئك ألّذين هم منبع ألثقافة و آلفكر و آلأخلاق و آلقيم بسبب نزعة ألتمرّد ألصُّحفيّ و موت الضمير ألّذي أصيبَ به آلكُتّاب ليسَ في عالمنا ألعربيّ بل كلّ ألعالم للأسف ألشديد! لم يعد آليوم بجانب ما أشرنا قيمة حتّى للفنّ أيضاً, بلْ لعلّ آلّذي يمتهن آلفنّ بكلّ تشكيلاته يموتُ من الجّوع و القهر لعدم إهتمام آلناس بهم لجهلهم – ألناس و السّياسيّون – بأهميته و دوره في حفظ ألرّوح و تنمية الفكر و آلضمير و تهذيب آلخيال و آلأخلاق, و آلذي عادةً ما يُؤدّي إلى آلأبداع و الكشوفات العلميّة! لقد بدى إنحطاطاً واضحاً في آلقيم على مستوى آلعالم ألّذي نعيشُ في ألفيتهِ ألثّالثة لعدم معرفة ألفرق ألكبير بين آلمُفكّر و آلكاتب ألصُّحفي, بجانب ألجّهل ألكبير في معرفة مواصفات آلمُفكّر, فالكُتّاب بسبب سطحيّة أفكارهم يُعانون تكبّراً و ترفّعا شديدين عن عامّة ألنّاس، مُتصوّرين أنفسهم فلتة آلزّمن و إعجوبة آلدّهر و نجوماً في السّماء لا بُدّ للعامّة أنْ يُقدّسونهم, بل عليهم أنْ يطيروا بسرعةِ ألضّوء إنْ أرادوا اللحاق بهم! و آلملاحظ أيضاً أنّ ألصّحُفي ألعربيّ أشدُّ تكبراً من آلمفكّر ألحقيقيّ ألمُبدع .. بل ألمُفكّر تراهُ متواضعاً جدّاً بسبب ما يحمله من أثقال العلم و جواهر ألمعرفة و أسرار ألوجود، و لذلك هو أكثرُ منهُ قيمةً وعطاءً في آلواقع بل لا يُمكن قياسهم مع بعض! فحقيقة ألصّحفي، هو شخصٌ عقيمٌ لا يُقدّمُ و لا يُؤخّر شيئاً ملحوظاً في مسار ألفكر و آلثّقافة و آلحياة ألعلميّة إنّهُ أشبه بقناةِ ألصّرف ألصّحيّ في كثير من آلأحيان لكونهِ ناقلاً للأخبار و آلمعلومات و آلتّعليقات لا أكثر، و يتميّز في كثير من آلأحيان بثرثرةٍ عجيبةٍ و مُستوىً واطئ! يُمكننا وصف حالهم بآلشّعراء و وعاظ ألسلاطين ألّذين كانوا كثيراً ما يمدحون الحاكمين من أجل مطامع الدنيا و العطايا, و قلّما تجد في تأريخنا أديباً أو شاعراً أنصف الحقّ و العدالة و حقوق الناس بعكس التيار! أنّه ناقلٌ و ناقدٌ ليس إلّأ .. و ليس صانعا للفكر ألأبداعيّ أو مُنتجاً للأفكار ألعلميّة, فرغم هذا فأنّنا نجد ألصُّحفي، خاصة مذيع ألنّشرة التلفزيونيّة و رؤساء ألتحرير، غارقين في آلتّرفع حدّ آلاختناق و تنقصهم الكفاءة و آلشجاعة لأبراز آلحق و أهل الحق و ما يفيد الأمة! و لعلّ ما يحدث في بعض ألمواقع ألمعروفة نسبيّاً هو خير دليل على ما قدّمنا؛ حيث نرى أنّ رؤوساء تحريرها ينشرون صورَ بعض ألصُّحفين لمكانتهم السياسية ربّما, و في آلصّفحات ألأولى لأسبابٍ مادّيةٍ على آلأكثر, بينما يحجبون صور ألمفكريين ألحقيقيين و هم قلّةٌ قليلةٌ, و حينَ تسألهُم ألسّبب, لا يأتيكَ آلجّواب! لو كانت حاسّة ألواقع أكثر فعالية من حاسة الخيال عند هؤلاء لما أصيب من أصيب منهم بما نلاحظه أحيانا من الترفع و آلأنحراف إلى درجة التألّه، و لعلكَ تستحضر ألآن بعض البرامج التلفزيونية التي ينسى فيها ألصُّحفي بأنّهُ مجرّد ببغاء مُذيعٌ لأحداثٍ جاريةٍ عادية أو أخبار سياسية أو وقائع تأريخيّة، إذ تراه يتحوّل إلى نائب عام أو إلى قاض يتفلسف و يستجوب ألنّاس بشكلٍ يُثير ألغثيان! لو قرأ هؤلاء تأريخ ألأدب ألعالميّ و آلعربيّ، لَلاحظوا في عصورٍ مُختلفةٍ؛ بأنّ آلكاتب و آلشّاعر و آلمُحقّق و آلجّامع للرّوايات كانوا مُجرّد ببغاوات نستطيع تلخيص همّهُم ألأوّل بكتابةِ و تدوين ما يصل بأيديهم لجعلهِ مؤلفاً بإسمهِ و بعنوانٍ معيّن لا أكثر و لا أقل, بَيْدَ أنّنا نرى آلنّاس للأسف حتّى آلكثير من أساتذة الجّامعات يُعظّمون بل و يُقدّسون آلسّياسيين و آلكثير من آيات آلله ألقاعدين, بينما في آلحقيقية و طبقاً للموازيين العلمية العالية؛ لمْ يكن لهم دورٌ فكريّ إنتاجي في مسار ألعلم و ألفلسفة و آلفكر الأنسانيّ بل بآلعكس, بعد ما إختصر دورهم على آلأجترار و تجميع و ترتيب ألنّصوص و آلرّوايات و آلأحاديث و تكرار الفتاوى بصيغٍ مختلفة على أصلٍ واحدٍ، بل إنّ أكثر الأدباء و آلشعراء، تمّ تشبيههم من قبل بعض ألحاذقين بالكلاب، و ربّما بغيرها من النّعوت بسبب مواقفهم ألشّاذة و دعمهم للظالمين و إنحطاطهم ألأخلاقي, حيث رافقهم حتّى ظهور "ألبدع" و "ألمقامات" ألتي وصلت ألأربعين أو آلخمسين مقاما لتبرز إنحطاط الشعر و آلأدب ألهادف، و سقوطه في الحضيض، و مع ذلكَ نجد أنّ هُناك ألبعض من آلشّعراء ألعرب رفعهم ألشّعر عالياً من آلنّاحية ألماديّة طبعاً و ليست ألعرفانيّة أو ألفلسفيّة أو آلفكريّة, فيكاد يخلو تأريخنا ألعربيّ إلّا ما ندر ممّن تركّ ما يستحق آلإفتخار به قياساً إلى ما تركهُ آلفلاسفة و آلشّعراء ألغربيّون و كذلك آلفارسيّ سعدي و حافظ ألشّيرازي أو صدر ألمتأهلين أو ألنّيشابوري، فإذا كانَ هذا حال ألشّاعر و آلأديب في أمّتنا، فماذا نقول عن ألصّحفيّ ألعربيّ في عصرٍ منحطٍ كعصرنا هذا, حيث يصطفّ فيه مع آلسّياسيّ آلأرهابيّ من حيث يعلم أو لا يعلم؟ هل يُمكن أن يكون مصير آلأمّة أفضل مما نعيشه اليوم!؟ لقد آن آلأوان للكاتب ألعراقي و ألعربيّ ليدرك بأنّ هذا آلعصر ليسَ مُناسباً للكتابة و آلتّأليف, و من علامات ذلك، أنّهُ مهما كان كتابهُ قيّماً فلا بُدّ أنْ يطبعهُ على نفقته، ثم يُوزّعهُ، و ينزله إلى المكتبة العربيّة حيث لا أحد يشتريه و لا أحدَ يقرأهُ, و حينَ يصبحُ العرض أكبر بكثير من آلطلب كما نرى في سوق الكتاب و آلانترنيت، فهذا يعني أنّ آلأقلام أصبحتْ مُطالبة بأخذِ قسطٍ من آلرّاحة بل تقديم ألأستقالة للأبد فبعدَ أنْ كانَ تأليف ألكتاب سبباً لثراء صاحبهُ، أصبحَ سببا لتفقيرهِ, وهذا دليلٌ واضحٌ على إنحطاط ألثّقافة و آلفكر و آلكتاب و آلكُتّاب و مَعهمُ ألسّياسيّون ألحاكمونَ ألّذين أساؤوا آلتّخطيط لفقدانهم إلى فلسفة ألحكم و آلمنهج ألأمثل في آلحياة! و مع هذا آلوضع و هذا آلفساد ألفكريّ و إنقلاب ألموازيين .. فأنّ ممّا يثير ألعجب و آلشّفقة في نفس ألوقت؛ أنّ بعضِ ألكُتّاب يَعتبرونَ أنفسهُم آلهةً مُدلّلين لمجرّد أرتباطهم بسياساتِ ألحكومة ليأتينا بكلِّ غثٍ و سمينٍ و قصصٍ مُفكّكةٍ تبدو كعصفٍ مأكولٍ أو بروايةٍ ما هي بروايةٍ، فبائع ألحُمّص "ألّلبلبي" هو آلوحيد ألمُستفيد في آلآخر لِلَف بضاعته بأوراقها! و آخرين غيرهم مُجرّد أسماء و مناصب دون فائدة، لكنّهم أوّل مَنْ يتصدّرونَ آلأحتفالات و آلمهرجانات و آخر مَنْ يغادرونها، حيث ترى خللاً حقيقياً في حياتهم و منهجهم، أو موتهم آلفكريّ، أو آلأثنان, و آلسّياسيون الفاسدون لهم آلدور ألأبرز في خلق تلك الأوضاع. أمّا ألصُّحفي، فكلّه سعادةٌ لأنّهُ لا يملكُ في آلحقيقة شيئاً يخسرهُ، و لنْ يتركَ وراءهُ إرثا يمتدُّ بعد الموت لِمَنْ يستحقّهُ من آلناس أو أهل العلم و الفكر, فكأني به ينثر ترفّعاتهُ عبرَ آلشّاشات و آلطرقات لكي يستعيض بها على ما لم يكسبهُ في ميدان ألابداع و الفكر و الثقافة لا أقل ولا أكثر! و صدق مارون عبّود بقوله؛ [إنّ ألمُفكرينَ ألحقيقيين قليلٌ فى هذا آلورى و آلمُشكّكين ألحقيقيين أقلّ مِنهم, أمّا ألمُطمئنون إلى كلّ شىء فملء آلأرض و أفتك ألأوبئة ألأنسانيّة؛ دلك آلأطمئنان ألدّاخلىّ .. مرض ألدّهماء ألّذين يعومون فى زبد أنفسهم و لا يغوصون فى لجّتها تلهيهم ثرثرة ألسّاقية عن صمتِ النّهر ألهادىء حيث الحيتان الضّخمة الّتى تبتلع حوت يونان]
مقالات اخرى للكاتب