بائع المواد الانشائية سوف يضرب راسه غضبا عندما يسمع بقرار الحكومة بفرض ضرائب جديدة او زيادة نسبة الضرائب القائمة. التذمر سيصيب النجار , والحداد , والصباغ , ومحلات تأسيسات الكهربائية , الماء , و بائع السجاد والاثاث المنزلي , وباعة الأدوات الكهربائية , وأصحاب مصالح أخرى كثيرة . الاقتصاد العراقي في حالة سبات وفرض ضرائب جديدة سيحول السبات الى ركود وربما الى كساد وانهيار امني كبير لا يعرف نهايته و مخاطره الا الله.
عدم تشريع قانون الميزانية لعام 2014 عطل الكثير من المشاريع وألغى أخرى. وهكذا فان عدم تشريع القانون لم يحرم العراقيين من فوائد المشاريع وانما قلص فرص العمل المتوفرة للمواطن العراقي. المشروع العاطل لا يحتاج الى عمال وهذا يؤدي الى ارتفاع نسبة العاطلين عن العمل. أي سيكون هناك في البلد مواطن قادر وراغب في العمل ولم يجده.
في الدول المتقدمة، تحاول حكوماتها من تقليل وطأة الركود الاقتصادي عن طريق زيادة مصاريفها , الصرف على الجسور والشوارع العامة , منح المساعدات المالية للمناطق الأشد تضررا من تصاعد حدة العطالة , واقراض الشركات العملاقة وبقروض ميسرة لتساعدها على التوسع او التجديد . وهذا هو مصدر ظهور العجز المالي عند الحكومات , عندما تزيد المصاريف الحكومية على الواردات الحكومية .
تمويل المشاريع الحكومية ومصاريفها أيام الركود الاقتصادي يتم من خلال الديون والسياسة النقدية , تخفيض نسبة الفائدة . المصاريف الحكومية تزيد الطلب على الايدي العاملة , بينما تخفيض نسبة الفائدة يشجع المستثمرين والمستهلكين الاقتراض والصرف على المكائن , التوسعات في الأبنية , سيارات خاصة , أجهزة الحاسوب , اثاث , سفرات , والالاف من طرق الصرف . وطالما وان السياسية النقدية معطلة في العراق ( البنك المركزي لا يستخدم أسعار الفائدة لمحاربة الركود الاقتصادي او التضخم المالي ) فان المصاريف الحكومية أصبحت الأداة الوحيدة على استقرار العراق الاقتصادي . وفي ظرف العراق الحالي , يتطلب من الحكومة بضخ نقد الى السوق لا لتقليصه كما ورد على لسان احد المراسلين الذي ذكر في تقريره عن نية الحكومة بفرض ضرائب جديدة . ان الاتجاه بفرض ضرائب جديدة بحجة تمويل الحرب ضد داعش سوف لا ينتج عنه الا ركود أوسع وخسارة مئات الالاف من المواطنين لأعمالهم وغياب فرص العمل للشباب , وهي محطة خطرة تمر بحياة الأمم , لان معظم مرحلة الاضطرابات الأمنية والسياسية مصدرها الفقر وغياب فرص العمل . جميع الاحصائيات العالمية والمحلية تؤكد ان نسبة العطالة قد ازدادت في العراق وكذلك ظاهرة الفقر خاصة بعد موجة التهجير التي إصابت المدن المحتلة من داعش .
ما العمل في ظل تراجع أسعار النفط العالمية؟ العراق لديه مصدرين لتمويل الحرب والاقتصاد الوطني بنفس الوقت . المصدر الأول هو المساعدات الخارجية , تأسيس صندوق خاص لتمويل الخزينة العراقية يشترك فيه جميع العالم . العراق لديه سبب وجيه لهذا الصندوق , لان العراق يحارب الان نيابة عن العالم . داعش عدو لكل شعوب العالم بغض النظر عن هويته الدينية او المذهبية او القومية. في قائمة داعش ايران ولكن أيضا السعودية والكويت والامارات ومصر والولايات المتحدة الامريكية و أوربا . لا دولة في مأمن من داعش . وان الجسر الذي يفجره في العراق كان من الممكن ان يكون في السعودية او الامارات او لندن وباريس. وعلية من الوجهه الأخلاقية ان تقوم جميع دول العالم مد يد المساعدة الى العراق . انها ليست صدقة لوجه الله وانما واجب على دول العالم دفعه للعراق لتعيش شعوبهم في امان وسلام من جرائم داعش . يجب ان يطالب العراق العالم تعويضا قدره مليون دولار لكل شهيد ونصف مليون لكل جريح. ما ذنب ابن الجنوب يقتل على يد داعش و مايكل وجون وسمث وأبناء "الامة العربية المجيدة" يتمتعون بنعم الحياة ؟
الكونغرس الأمريكي يعمل الان على تأسيس صندوق لإعادة اعمار المناطق التي تضررت بسبب الاعمال العسكرية . هذا القرار مرحب به , ولكن يجب على الحكومة العراقية المطالبة بتأسيس صندوق لمساعدة الاقتصاد العراقي الان. مع الأسف لم يهب الجيران وغير الجيران لمساعدة العراق كما هبوا في مساعدة صدام حسين في حربه مع ايران , وعلى السيد إبراهيم الجعفري , رئيس الدبلوماسية العراقية , ان يذكر الدول السعودية والدول الخليجية ان ما يقوم به الجيش العراقي والحشد الشعبي في محاربة داعش انما يقاتل نيابة عنهم .
اذا شح الاخوان في القومية والدين على مساعدة العراق ماليا , فعلى العراق استلام النجدة عن طريق الديون الخارجية . نعم , على العراق الركض الى البنوك العالمية والدول الغنية لتامين قروض مالية ميسرة . العراق يجب ان يقترض مبلغ 20 مليار لتغطية حاجاته من المال لعام 2015 وربما 10 مليارات أخرى لعام 2016. العراق يجب ان لا يخجل من الاقتراض لان كل دول العالم (عدا دول على عدد الأصابع) تقترض لأجل دفع التنمية الاقتصادية في بلدانها . الولايات المتحدة الامريكية , الدولة الاغنى في العالم , هي الدول الأكثر ديوننا في العام . لقد وصلت ديونها ما يقارب 14 ترليون دولار , أي ما يقارب الإنتاج المحلي السنوي عندها , بينما ديون اليابان أصبحت تفوق انتاجها المحلي . لا عيب من الاقتراض . لم يدعي أحد ان الولايات المتحدة الامريكية دولة فقيرة لأنها غرقانة الى اذنيها في الديون . الشعوب تخير بين الركود الاقتصادي والنمو الاقتصادي , فتختار النمو على التراجع حتى وان كان مصدر النمو هو الديون .
اقتراض العراق 30 مليار دولار ليس بالمبلغ الكبير , انه يمثل اقل من 20 % من ميزانية عام 2013 , واقل من 15% من انتاجه المحلي لنفس العام , فلماذا هذا الخوف ؟ ثم ان العراق غني جدا ويستطيع سداد أي ديون مترتبه عليه في سنة واحدة إذا تحسن السوق العالمي للنفط . وبالمناسبة ان انخفاض أسعار النفط سوف لن يستمر طويلا لان الغرب سيكون الخاسر (المشتري) من هذه الصفقة السياسية لان هناك مشاريع عملاقة تقوم بإنتاج النفط البديل (النفط الصخري) سوف تخسر بالمليارات إذا استمر تدهور أسعار النفط فترة أطول .
في ظل الظروف السياسية والأمنية المضطربة في العراق يتطلب من الحكومة العراقية الاقتراض لتوفير فرص العمل للشباب , لان بقاء الشباب بدون عمل حالة خطرة على العملية السياسية , اقلها هو عدم الاكتراث لها .
مقالات اخرى للكاتب