لقد فشل الاعلام العراقي بنقل تظاهرة ذكرى أربعينية الامام الحسين. لقد كتبت عن هذا الفشل في السنة الماضية واعيد الكتابة عن هذا الفشل هذا العام أيضا. الاعلام العراقي لم يعطي للأربعينية حقها . تظاهرة تعدادها اكثر من 17 مليون مسلم جاءوا من كل حدب وصوب الى كربلاء , فمن حق العالم ان يعرف السبب . قليل جددا من المسلمين وغير المسلمين يعرفون المناسبة ولكن الملايين من البشر لا يعرفونها . بل اكاد اجزم ان هناك من داخل العراق من لا يعرف عن هذه المناسبة.
ان مسؤولية الاعلام الحر والوطني ان يوصل قضية الحسين الى ابعد نقطة على الأرض , لأننا لا نعيش بقرية مغلقة . الاعلام فتح جميع الأبواب المغلقة امام المواطن في كل بقاع العالم ومن واجب الاعلام العراقي توصيل قضية الحسين للعالم اجمع. الاعلام العراقي تخلف عن هذه الوظيفة وتبعه الاعلام العربي والإسلامي والعالمي. وكالات العالم وبضمنها العربي والإسلامي يتناقل خبر شخص يطلق النار على السفارة الإسرائيلية في اليونان ولم تتفضل وكالة واحدة بنقل خبر تظاهرة تعدادها 17 مليون او أكثر صرف الواحد منهم على المعدل ثلاث أيام متحملا برد الشتاء وقلة النوم وترك العمل. والاعلام العربي والإسلامي ينقل اخبار تظاهرات عدة الالاف في هونك كونك ولا ينقل كيف استطاعت كربلاء تقديم ثلاث وجبات اكل لهذا العدد ولمدة ثلاثة أيام.
لا اعتب ان تغافلت الفضائية العربية او الجزيرة او المصرية او الإماراتية عن مسيرة الأربعين , لان الأعلام العراقي لم يستطع اظهار هذه التظاهرة المليونية بالمظهر اللائق بها . الفضائية العراقية على سبيل المثال اكتفت بنقل اخبار المسيرات في كربلاء بخبر لا يتجاوز على 15 دقيقة وضمن فترة النشرة الاخبارية. أي لم تستطع العراقية , وهي الفضائية لكل العراقيين , تتفرغ يوم لنقل المسيرة وتعريف العالم بهذه المظاهرة . لماذا هذا الزحف المليوني ؟ ومن هم ؟ ماذا يريدون؟ شخص يقضي ثلاث أيام بعيدا عن اهله , يجب ان يكون عند هذا الشخص هدف في رحلته الى كربلاء . لم ينجح الاعلام العراقي توصيل اهداف تظاهرة الاربعينية للعالم. بينما اكتفت الفضائية العراقية بنشر اخبار ضمن نشرتها الإخبارية , الفضائيات الأخرى إساءة الى المناسبة . لقد نقلوا المسيرة بدون تعليق ولم يرى ويسمع المشاهد الا كتل بشرية متعبة من طول الطريق وبأصوات مبحوحة. هذا كل ما يشاهده ويسمعه المشاهد عن مسيرة الأربعين الخالدة. بالحقيقة أصبح المشاهد يرى مسيرة الأربعين عبارة عن كتل بشرية تسير في الشوارع يهتفون بهتافات لا يفهمها أحد. الاعلام العراقي هو المسؤول الأول عن هذا الفشل.
ليس لدى الاعلام العراقي عذر يعتذر به عن هذا الإخفاق الكبير، لأن لديه التكنولوجية والكادر المدرب , وفي العراق المؤرخين الكبار , وفي العراق الشعراء الذين لا ينافسهم احد من العرب . كل ما تحتاجه الفضائية العراقية تغطية المسيرة من ثلاث مواقع , في البداية والوسط ونهاية المسيرات و في كل مكان يجلس اثنين او ثلاث من العارفين في تاريخ العراق وتاريخ الاحداث الإسلامية وتاريخ نشأة المواكب والشعر. أي تماما عندما كان التلفزيون العراقي يغطي مسيرات ذكرى ثورة 14 تموز في العراق او عيد العمال العالمي , او عيد الشجرة أيام حكم الزعيم الخالد عبد الكريم قاسم . اما اذا نسى المسؤولين عن كيفية نقل المسيرات فما على الفضائية العراقية الا ارسال فريق من المراسلين الى الخارج للتعرف على كيفية إدارة مثل هذه الفعاليات.
شباب هذا الزمن يحب التعلم عن طريق الصورة والصوت وهذا ما تقوم بها جميع المدارس والمعاهد العلمية في الدول المتقدمة , وهكذا فان نقل مسيرة الأربعين يجب ان يرافقها اسم الموكب , تاريخ تأسيسه , مدينة تأسيسه , عدد اعضاءه , موقع المدينة والمحافظة , عدد نفوس المحافظة , اقتصاد المحافظة , وتاريخ المدينة . بكلام اخر , لتكن مسيرة الأربعين ليست فقط مسيرات لتكتلات بشرية وانما رسالة تعرف العالم بمحمد واهل ال محمد , وبالحسين وعن سبب قتله , ومكانة الحسين عند رسول الله , أضافة الى تعريف العالم بتاريخ العراق وجغرافيته و تاريخه واقتصاده .
التحرك نحو هذا الاتجاه سوف يشجع بقية وكالات الانباء العالمية بنقل بعض من صور المسيرة وتعريفها للعالم , ولا يكتفون فقط بنقل خبر من قتل بالتفجيرات من الزائرين. من يقرا خبر وكالة رويترز هذا اليوم يعرف ما اقصده. رويترز "العظيمة " أصبحت مهنتها في العراق نقل عدد قتلى الشيعة كل يوم. الوكالة تجاهلت مسيرة 17 مليون انسان ولكن لم تتجاهل خبر " مقتل 12 من الشيعة" على يد داعش في محافظة صلاح الدين , والوكالة "المحترمة جدا" ذكرت خبر الاربعينية فقط كجزء من خبر مقتل زائر بواسطة هاون في كربلاء .
هناك فائدة أخرى لنقل مسيرة الاربعينية بالصوت والصورة ارجوا ان ينتبه لها مسؤولي محافظة كربلاء وهي تعريف بغداد بحاجة المحافظة من الخدمات والتطور الاقتصادي. كربلاء بحاجة الى محطة كهربائية خاصة بها , فنادق ضخمة من الدرجة الأولى , قاعات مؤتمرات , مجمعات سكنية حديثة , أسواق وأسواق تجارية حديثة , بنوك , مطاعم راقية , حدائق ومنتزهات عامة , نظام نقل , مخازن , و مدارس ومستشفيات . كربلاء أصبحت مدينة عالمية ولا بد ان تحظى باهتمام الحكومة المحلية والمركزية , و دعوة الحكومة لتطوير محافظة كربلاء من على منبر فضائية محترمة بدون شك سوف تجد اذن صاغية.
ثمة فائدة أخرى للمحطة الناقلة لمراسيم تظاهرة الاربعينية تستطيع ان تجنيها وهي الدعاية والاعلان. كثير من الدراسات وجدت ان الشركات التي تغطي الاحداث على النطاق القومي تتمتع بسمعة عليه , عدد اكبر من المشاهدين , وزيادة في وقت الدعاية والاعلان . ولكن بغض النظر من هو الاول في بث مسيرة الاربعينية بالصوت والصورة , فان الرابح هو صوت الحق الذي استشهد الحسين وانصاره من أجله في ملحمة كربلاء الخالدة .