وأنا ألتهم كل كلمة من كلمات المقابلة التي نشرتها جريدة (الزمان) مع القائد العسكري الكبير سلطان هاشم احمد شعرت أن تاريخ العراق العسكري ينفتح أمامي بكل صفحاتة التاريخية منذ تأسيس الجيش العراقي حتى هذه الللحظة..تاريخ كبير كان له وجود مشرف في صفحات التاريخ ألأنساني المعاصر. أنا لستُ عسكرياً كبيراً أو بطلاً من أبطال الحروب المختلفة التي يسجل أسماءهم التاريخ بكل زاوية من زوايا العالم الواسع لكنني جندي مجهول – بكل ماتعنيه هذه الكلمة من معنى- جندي رافق أحداث العراق بكل تفاصيلها منذ السنة التي بدأتُ أدرك فيها معنى مايدور حولي من حركة الحياة. عاش ألأنسان العراقي – وخصوصا الرجال- تاريخاً مرعباً مليئاً بالدماء والخوف والرعب على مدى سنوات بعيدة بسبب ماكان يريدهُ أصحاب القرار في التلاعب بمصير البلد نتيجة دخولهم حروب لاتعد ولاتحصى لأسباب شخصية تحت ذريعة الوطنية ومقارعة الراغبين في تدمير البلاد. كان من الممكن تجنب تلك الحروب وإنقاذ حياة الملايين من الشباب والرجال من الطرفين إلا أن التشبث بحب الغطرسة والرجولة المفرطة جعلت الشباب البائس يدفع ثمناً قاسياً بتأشيرة قلم من رئيس دولة أو إشارة قائد عسكري كبير للهجوم في مكان ما على الرغم من إستقراء الخسارة الكبيرة للأرواح في تلك البقعة من ألأرض. أنا شخصياً ترجمت لهذا القائد العسكري عام 88 حينما كنت أعمل في وزارة الأعلام في ذلك الزمن. كان القائد العسكري يشرح ألأمور الكثيرة للصحفيين في السليمانية حيث كان مكان اللقاء. وجدته رجلا متماسكا قويا في توضيح ألأمور التي كان الصحفيون يستفسرون عنها. من خلال مطالعتي الحلقة ألأولى من المقابلة كنت أشعر كأنني أغوص في تاريخ بعيد للحركة العسكرية العراقية في ذلك الزمن وعادت لي صور كثيرة عن حالة العراق التي كنا نعيشها آنذاك. تاريخ مرعب بكل ماتعنيه هذه العبارة من مدلول سوقي تعبوي. الحرب تسحق كل شيء وقوافل الرجال من الشباب والرجال تُساق الى الموت كأنها خرفان ليس لها قيمة بحجة الدفاع عن البوابة الشرقية – وبالنهاية لم نحصل إلا على مآس ودموع غزت كل منزل من منازل العراق. كان الشخص الواحد- الرئيس- هو المتحكم بكل شيء المسؤول عن موت ملايين الشباب أما هؤلاء القادة العسكريون فأنهم أدوات بيد ذلك الشخص لايستطيعون البوح بكلمة واحدة تخالف رأي – الشخص الواحد – الجميع يخشون سطوته وغضبه . من خلال قربي من بعض الضباط – كمدرس في إحدى المؤسسات العسكرية لمادة اللغة ألأنكليزية- وأنا جندي مكلف خريج..شاهدت مدى الخوف الذي يتلبس أولئك الضباط من شخص واحد إسمه – الرئيس- . نعم يوجد ضباط كبار متفوقين بكل مفاهيم الفكر العسكري النظري والميداني ولكنهم لايستطيعون مخالفة أي فكرة يطرحها – الشخص الواحد – وإن كانت تصب في هلاك البلد. من يعترض أو يبدي رأيه بطريقة معينة يكون مصيره معروف. كان هناك قادة إنسانيون من ضمنهم – سلطان هاشم- وحتى عدنان خير الله كان رؤوفاً بالجيش وتنامت شعبيتة مما حدا بصدام أن يدبر له حادثة الطائرة التي سقطت.كل جندي عراقي في ذلك الزمن خدم العراق من موقعه الذي كان فيه . آلاف الجنود المجهولين الذين تمزقت أجسادهم في مكان ما من أرض المعركة ..وآلاف الجنود الذين ظلت أجسادهم في أرض الحرام ولم يحصل ذويهم على قطعة صغيرة من أجسادهم . ظلوا بلا قبر أو شاخص يذكر ذويهم بعشقهم الكبير لبعض. كان بأمكان القائد – سلطان- أن يظل راعياً للجِمال مع والده لكنه فضل الجاه والمركز والمال السريع والهيبة فعليه أن لايتأسف أبداً. كان ذكياً جدا في تعامله مع صدام وكيف يرد على إقتراحات الرئيس وبذلك نجا من غضب الرئيس. لو كان قد أغضب الرئيس لحظة واحدة فلن تشفع له أنواط الشجاعة التي حصل عليها أبداً. وزير العدل العراقي الحالي إرتكب خطأ كبيراً في عدم السماح للصحفي بتسجيل اللقاء تلفزيونياً لأن هذا التسجيل كان من الممكن أن يكون وثيقة تاريخية للأجيال القادمة وللعالم أجمع. لاأعرف لماذا رفض الوزير ؟ هل هو سلاح جرثومي محرم أم يخاف أن تخترقه السلطات ألأسرائيلية؟ هذا الرفض ليس منطقياً ويدل على عدم إستقراء الوضع التاريخي بطريقة دقيقة.
مقالات اخرى للكاتب