منذ عام 1958 تحديدا، وحتى عامنا المبارك هذا، لم يهنأ العراقيون بأيام سعادة حقيقية، مع أنهم تخلصوا من الملكية والإقطاع ونوري السعيد، وعاشوا في ظل عهود جمهورية متعاقبة، ذلك لان حياتهم كانت سلسلة متواصلة من التعب والقهر، لا يكادون يعبرون مشكلة صعبة، حتى تكون في انتظارهم مشكلة أصعب وألعن، مؤامرات وانقلابات عسكرية وبيانات تحمل رقم (1) واغتيالات سياسية بين الحركات القومية والدينية وبين الحركة اليسارية وحروب خارجية وجوع ودكتاتورية وطائفية وغير ذلك كثير مما يشيب له رأس الرضيع، ولهذا عندما نقلت وسائل الإعلام قبل مدة سبعة قرارات مهمة تخدم الشعب، في مقدمتها توفير 3 ملايين فرصة عمل، وزيادة رواتب الموظفين والمتقاعدين بنسبة تتراوح بين 40 الى 60 بالمئة، وبناء 4 ملايين وحدة سكنية موزعة بين المحافظات ـ باستثناء إقليم كردستان ـ وعلى وفق الحاجة والكثافة السكانية لكل محافظة، وحل مشكلة الكهرباء المستعصية في زمن لا يتعدى 10 أشهر في الحد الأقصى، بحيث يحصل المواطن على 24 ساعة ضوء يوميا..الخ، أقول، عندما نقلت وسائل الإعلام هذه القرارات بصورة مفاجئة، انتاب الناس فرح غامر ،وأقيمت احتفالات تشبه الأعراس في أحياء الفضل وقنبر علي والكسره والبياع والجعيفر والعامل، وخرجت العديد من التظاهرات الجماهيرية في الشعلة والقاهرة وعلاوي الحلة والرحمانية وابو دشير وباب المعظم وغيرها من مناطق بغداد، زيادة على احتفالات وتظاهرات مماثلة في المسيب وسوق الشيوخ وحمام العليل والشامية والعمارة وهيت والزبير والحي وبهرز وكركوك والنجف والسماوة وكربلاء والعلم، فيما أوردت بعض الفضائيات، ان ما يقرب من 74 مواطنا من شتى المدن العراقية تعرضوا الى حالات إغماء، نقلوا على إثرها الى المستشفيات لتلقي العلاج اللازم، وذلك بسبب عنف الفرحة واحتدام مشاعرهم الجياشة ! لم تكن تلك القرارات التي سمعها المواطنون بملء أذنهم حلما جماعيا مما يراه النائمون، ولا كان حلم يقظة، بل حقيقة لا غبار عليها، غير ان الناس اكتشفت لاحقا، ان تلك القرارات جاءت بتوقيت محسوب نفسيا مع بدء الحملة الدعائية للانتخابات، وان شيئا منها لم يتحقق بعد انتهاء الموسم الانتخابي، ومن يومها توقفت الناس عن الاحتفال والتظاهر والفرح، حفاظا على حناجرها من الهتاف، وعلى صحتها من الإغماء!!
مقالات اخرى للكاتب