اثار ناشطون حملة واسعة من خلال مواقع التواصل الاجتماعي لالغاء منح التقاعد لأعضاء مجلس النواب، والقضية ليست جديدة وتشن الحملات المختلفة بين الحين والآخر، ولكن هذه المرة تبدو اكثر جدية وعمقا وتصميما على الاستمرار فيها وتتصل بندوات وأحاديث بين الناس. من أهم الأسباب لهذه النشاطات ان العمل في المجالس التشريعية في كثير من البلدان هو عمل طوعي وخدمة عامة لا تتطلب ان يكون لها اجر تقاعدي .. ويضربون امثلة على ان النواب واعضاء هذه المجالس يعودون الى مزاولة اعمالهم بعد انتهاء المهمة للمكلفين بها وتحتسب خدمة مجزية تضاف الى خدماتهم، وبعض البلدان تدفع مكافأة في نهاية هذا التمثيل. والخصوصية في بلادنا ان أداء المجلس لا يحظى برضا المواطنين وعلاقة الثقة ليست في وضعها الطبيعي والتناحر الطائفي والسياسي بين كتله الى درجة لا يمكن تبريره. طبعا اغلب هذه البلدان تملك قانونا للضمان الاجتماعي يشمل العاملين في القطاع العام والخاص على حد سواء، ويضمن راتبا جراء البطالة، لذلك مثل هذه المدد التي يقضونها في العمل بحقل النشاط العام لن تذهب هباء، وتحتسب خدمة في هذا الإطار. معالجة مشكلة تقاعد النواب واعضاء المجالس المحلية في المحافظات والاقضية والنواحي تحتاج الى نظرة شاملة ولابد ان تكون بندا من بنود الاصلاح للدولة والعملية السياسية. فهؤلاء بعد فترة ليست طويلة سيكونون فئة واسعة عدديا تستنزف جزءا لا يستهان به من ميزانية الدولة لا ضرورة لأنفاقه في هذا المجال ، لاسيما ان رواتب هؤلاء عالية وتفوق اضعاف رواتب اقرانهم من الذين يؤدون الخدمة العامة والخاصة. ومن هنا يعتبرها البعض غير دستورية لانها تتعارض ومبدأ المساواة بين المواطنين الذي نص عليه الدستور، وإنها تمس بمبدأ العدالة الاجتماعية بين المواطنين. ويشير الذين ينتقدون الرواتب الضخمة لهؤلاء النواب او اعضاء المجالس المحلية بانهم يتقاضون هذه الرواتب لأقصر مدة ولم يسبق لها مثيل، فمهما كانت خدمة هؤلاء حتى ولو ليوم واحد انه سياخذ راتبه كاملا، خلافا لقانون التقاعد المدني الذي يلزم الموظف بالعمل فترة محددة طويلة تصل الى 32 عاما لكي يتقاضى الحد الأعلى البالغ80% من الراتب الرسمي. فضلا عن ذلك، فقانون تقاعد النواب والمجالس المحلية لا يشترط عمرا في منحه التقاعد فالكثير منعهم من الشباب ولم يبلغوا السن القانونية الثالثة والستين مثلما هو معمول به في قانون تقاعد الموظفين. ان إلغاء قانون تقاعد النواب واعضاء المجالس المحلية اصبح مطلبا شعبيا ملحا لاسباب موضوعية وعملية وقانونية ومن صلب الاصلاح وتطوير الدولة ورعايتها للمواطنين على اساس المساواة والعدالة الاجتماعية. فتحقيقه يحتاج الى الاستقرار السياسي في البلاد وتوازن قوى جديدة وتغليب للمصلحة الوطنية والعامة على المصالح الضيقة، والاهم من ذلك استمرار ضغوط منظمات المجتمع المدني والجمهور لأدخاله في البرامج الانتخابية للقوائم في الانتخابات المقبلة ليكون استحقاقا ووعدا قريب المنال.
مقالات اخرى للكاتب