الفترة الماضية شهدت زيارات سياسيين من مختلف الاتجاهات والمشارب الفكرية للجامعات بكثافة،لم تكن دواعي الزيارة مؤتمرات علمية لذوي الاختصاص وانما للحديث في موضوعات سياسية راهنة ويدور بشأنها صراع حاد وتثير توترات تنذر بعواصف تنبهت الحكومة الى ذلك ودعت اكثر من مرة الى تجنب زج الجامعات في حالة من التسيس الذي يشكل خطراً، ولكن على ما يبدو، او هكذا فهم في الممارسة، ان هذه الدعوة مجرد تصريحات ولتكون حجة لمنع البعض والسماح للاخر.. الحقيقة لا احد يستطيع ان يمنع الطلبة من ممارسة دورهم في المجتمع وقول كلمتهم في الحياة الاجتماعية والسياسية غير ان بعض الجهات السياسية بدأت حملتها مبكراً وتريد ان تفرض توجهاً معيناً ومحدداً على الطلبة، وهي لا يعرف عنها أي اهتمام بالعلم والمتعلمين خلال نشاطها فهي تجيد اشياء اخرى .. ان هذا التوجه رفضه الطلبة في اكثر من جامعة، ونفروا من محاولات استغلالهم والتقليل من شأنهم وفرض وجهة سياسية معينة عليهم، وتظاهروا داخل الحرم الجامعي واسمعوا زائريهم رأيهم بهم، وطالبوا صراحة باحترام اماكن العلم وحرمة الجامعات لاسيما ان بعضاً من الزائرين يأتي مدججاً بالسلاح وكأنه على احد خطوط الصد مع الارهاب.. والطريف ان هؤلاء يدعون انهم مع بناء الدولة المدنية والديمقراطية ونبذ العنف واستخدام السلاح.. ولكن من النادر ان تنتهي زيارة من دون اطلاق رصاص لتفريق الطلبة الذين يعبرون عن وجهات نظرهم في حرم جامعاتهم.
لا يختلف السياسيون الذين يأمنون بالديمقراطية والقانون على ان الجامعات مراكز للعلم وليست دوائر تجنيد او اكراه للانتماء المسلح لهذه الجهة او تلك، والحكمة السياسية والحرص على رقي البلد وتقدمه يفرض على السياسيين السعي الى تحقيق التقدم العلمي والحث على البحث والمعرفة والاختراعات والنهوض بالواقع الدراسي المتدهور في هذه الجامعات.. والمفارقة ان بلدان العالم قاطبة تتجنب تهيج هذا البركان الشبابي، خصوصاً في الاماكن التي تمر بالمشكلات والتحديات، كي لا ينفجر ويأتي على الاخضر واليابس. ان الطلبة في جامعاتنا يواجهون مشكلات لا حصر لها تبدأ من التعليم غير الجيد وصعوبة الحياة الدراسية ومروراً باعباء الحياة الاقتصادية المنعكسة عليهم في الحرمانات المختلفة الى مخرجات لا توفر فرصاً للعمل في الاقتصاد الوطني.
ومع ذلك تراهم هم الاكثر احتراماً للقوانين والتعليمات، فيمارسون الشأن العام والمشاركة فيه ومشاطرة شعبنا في محنه ونضالاته خارج الحرم الدراسي.
ان القوى التي تدعي الحرص على شريحة الطلبة عليها ان تحترم الاطر المتعارف عليها في تنظيمهم ومن دون اكراه او ضغط، فهناك اتحادات طلابية تعمل وتتظاهر وتتعاطى السياسة فلا ينبغي تخريب هذه الممارسات الحضارية ودور العلم وادخالها في ساحات المعارك الانتخابية والنفوذ.
الخطوة التي اعلن وزير التعليم العالي بتحريم زج الجامعات في السياسة ليست جديدة، ولكن المهم فيها ان ربط بينها وبين تغيير عمادات الجامعات والكليات ورؤساء الاقسام فيما لو مارسوا السياسة او سمحوا لسياسيين بممارسة نشاطهم في الحرم الجامعي.. نتمنى ان يأخذ هذا التصريح طريقه الى التطبيق، وان لا يكون مرتبطاً بالظرف الذي فرض اعادة اطلاقه اثر ما حدث في جامعة القادسية وما تلاه من اعتداء على مقر الحزب الشيوعي العراقي في الديوانية من دون مبرر في محاولة لجر القوى السياسية الى صراع ليس من مصلحة لا حد فيه، والاهم انه لا يكسب مشعليه أية مجموعة من الطلبة حيث الميل الى التعبير السلمي عن الاراء والمطالب ونبذ العنف الذي بات مكروهاً من قبل شعبنا كله. ان الجامعات ليست بحاجة الى التحشيد العسكري، وانما الى توفير مستلزمات ترصين البحث العلمي والارتقاء بمستوى التعليم فيها وتحسين مخرجاتها وربطها بالتنمية المستدامة وبالتكنلوجيا الحديثة التي تنمي الاقتصاد الوطني وليس بالسلاح وهذا ما لا يمكن ان يتم في اطار التحريض على العنف وخلق الفتن
مقالات اخرى للكاتب