يروي لي احد الأصدقاء انه كان يرى شخصا ذو هيبة وسلطان الا وهو يحمل حقيبة جلدية غالبا ما تعد له طاولة خاصة في احد ساحات المدينة بعد أن تنظف الأرضية وترش بالماء صيفا ليجلس هذا الشخص خلف هذه الطاولة مستقبلا ابناء المدينة من دون وسيط ولا مراسيم ولا حماية ليشرحوا له مشاكلهم وطلباتهم وتظلماتهم عاملا على تدوينها في أوراقه وأحيانا يستلم منهم عرائض وطلبات تحريرية ليرفعها إلى الجهات المسؤولة ذات العلاقة سواء في المتصرفية أوفي مجلس النواب في بغداد بعد أن يعدهم بسقف زمني محدد ليوصل لهم الجواب سواء بالرفض اوالتسويف اوالقبول حسب القضية أو المشكلة اوالخدمة العامة أو الخاصة المطلوبة. بالإضافة إلى ذلك كانت دار النائب ديوانا مفتوحا للناس من مختلف الشرائح والطبقات الاجتماعية ليتداولوا في مختلف الشؤون السياسية والعشائرية ومشاكل المدينة خصوصا وان النائب غالبا ما كان من شيوخ القبائل أو التجار من أهل المدينة او القرية ...
نعم هذه الصورة العالقة في ذهن صديقي والكثير ممن عاشوا تلك الفترة هي صورة النائب في العهد الملكي (المباد) الرجعي المرتبط بالاستعمار البريطاني. وبعد أن غمرتنا الثورات الشعبية بحرياتها وديمقراطيتها الشعبية على الطريقة القاسمية والعارفية وأكثرها شعبية وديمقراطية وثورية هي الديمقراطية الصدامية بشروط ميسرة جدا فامطلوبمن أن يكون المرشح لمجلس النواب مواليا للحزب والثورة ويمكن تسهيل وتبسيط الأمر أكثر للنائب , وهو أن يكون مشهودا له بالولاء للقائد الضرورة (حفظه الله ورعاه) وبذلك فهو بالنتيجة سيكون من الأعضاء البارزين في حزب القائد الواحد, او من المسؤولين في جهاز الأمن أو المخابرات ومن أصدقاء الرئيس وحاملا لنياشينه . كان هؤلاء النواب مشهودين موجودين في المدن والأرياف العراقية يمكنك زيارتهم ومجالستهم وحتى مطالبتهم بما يرضي الحزب والثورة وبما يتلائم ولا يتلائم من انجازاتهم وأعمالهم مع توجيهات وتوصيات القائد الضرورة بمعنى أن لدى المواطن العراقي عليهم حجة وان عرف الطرفين إنهم جميعا طوع بنان السيد الرئيس. أما بعد السقوط لرموز ومؤسسات السلطة والدولة العراقية وتفككها وتفكيكها على يد سيء الصيت بريمر أسس ووضع ضوابط وقوانين المؤسسات للدولة (الديمقراطية الحديثة) ولكن باليات وأعراف ماقبل المجتمع المدني وفق مبدأ المحاصصة الطائفية والعرقية وجرت عملية الانتخاب والتصويت على النواب بالجملة لأفراد لاتعرف جماهير المصوتين لاأسمائهم ولاصورهم ولا تاريخهم النضالي الديمقراطي ولا تحصيلهم العلمي ولا رأسمالهم الاجتماعي تمت تزكيتهم بالجملة من قبل الطائفة أو العرق أو القومية التي نصبت اغلب هذه القوائم نفسها قيمة عليها وبذلك أصبحت أعلى مؤسسة تشريعية ورقابية في الدولة(الديمقراطية الحديثة) موزعة للهويات الفرعية لتزيدها شرذمة وتطرفا وتخلفا بدل إن تعمل على ترصين الوحدة الوطنية والهوية العراقية على أسس ديمقراطية حديثة وإن تكون الضامنة القوية .لتوزيع أسس العدل والرفاه والحرية وتأسس للخطوات العملية الناجحة لاستكمال السيادة الوطنية الكاملة وإنهاء النفوذ الأجنبي بمختلف أوصافه. ولكن الذي حصل هو تحميل أرقام القوائم على أكتاف المواطن العراقي المنهك بقوة العاطفة العرقية والطائفية لانريد إن نسهب في ذلك حيث كانت لنا رؤيا بهذا المعنى والمضمون تحت عنوان(الانتخابات العراقية - طريق المتاهة). لاشك إن هذا الوصف معروف ولكن الغير معروف أن يحتجب النائب عن ناخبيه فور وصوله إلى كرسي المجلس ولا يتمكن أن يراه المواطنين الا مع الوفود الرسمية وفي الفضائيات والذي غالبا مايصول ويجول فيها وهو في واد وناخبيه في واد بعيد عن معاناة الناس ومشاكلهم العامة والخاصة . اسأل هل رأى أحدكم نائبا في مقهى اومطعم اوشارع اوديوان او سيارة نقل عام اوسوق شعبي عام خارج المنطقة الخضراء اوخارج السيارات المدرعة والمضللة المحاطة بعشرات العناصر المدججة بالسلاح وأيديها على الزناد قد يلقي المواطن حتفه بقبلات نارية على صدره لورفع يده للتحية . ولابد لنا أن نذكر أفضال الكثير من السادة النواب علينا -الم يخاطر السادة النواب بأنفسهم وذهابهم للحج من اجل أن يغفر الله ذنوب الناخبين العراقيين وليس ذنوبهم هم كما يدعي الخبثاء فهم ارفع وأسمى من أن يرتكبوا ذنبا. الم يسرعوا بتحديد رواتبهم ببضعة آلاف من الدولارات وتركت عشرات ومئات من آلاف الدنانير للمواطن العراقي وزهدوا بمنازلهم والساحات والشوارع العراقية ليسكنوا (خرائب) وليست قصور وفلل الرئيس المباد وأزلامه في المنطقة الخضراء وحتى لايوصفون باستغلال أموال الشعب وثرواته بلا حساب بل استعانوا بإيجارات دورهم وإيرادات أعمالهم وأرباح أرصدتهم في داخل وخارج العراق لتؤمن لعوائلهم اللذين تركوهم يعيشون خارج العراق إيثارا منهم بعدم مضايقة المواطن ومشاركته دفئ النيران الجميلة في العراق ورائحة الشواء والبارود المنعشة في العاصمة بغداد ولا مضايقة اطفال الكثير من العراقين المتسولين المشردين في الشوارع او في طوابير الغاز والبانزين والنفط او في طوابير البحث عن عمل .ا الم ينشر بعض اغلب النواب غسيله (الديمقراطي) من خلال فضائيتهم الخاصة بما حصلوا عليه من أموال الناخب العراقي لاليستأثروا به لمصالحهم ومصالح أحزابهم ولكنهم ضحوا به لخدمة نشر ثقافة الحزب والطائفة وتسديد السهام الخفيفة والثقيلة ضد الآخر عدو الطائفة ورموزها من النواب الأبرار ليخرج السيد النائب من أستوديو الفضائية نظيف ابيض اليد والجيب. ادعوا من رأى منكم نائبا خارج الخضراء اوالبيضاء أو الملونة فليصرخ بأعلى صوته تعظيما وتقديرا وتبجيلا لعظم تضحيته وحبه لناخبيه. ومن يعرف لماذا سكت عدد من النواب في خطوة غير مسبوقة من الجرأة للدفاع عن حقوق المتقاعدين الذي مات قانونهم الجديد الموعود في مدارج البرلمان وهل ان ما ملأ اياديهم من رواتب ضخمة حالت دون امكانيتهم الامساك بملف هذا القانون المظلوم ليكون على طاولة المجلس الموقر ؟؟؟ ومن يعرف لماذا النائب اليتيم مثال الا لوسي . ( واستدرك لأقول إني غير مسؤول عن يتمه هذا لأني صوت لصالحه بالرغم من كوني ماركسي) أقول لماذا هو أكثرهم جرأة وصراحة ومشاكسة وواقعية وهل لا يخاف ان يحرم من زيادة نفقات تعويضات إجمالي رواتب مجلس النواب بمقدار 8-23 مليار دينار عراقي في المزانية الجديدة ليسكت ؟؟؟ أو بسبب صفاء ونقاء ونظافة الوجدان والضمير وهو يتعامل بنفس الحس والجرأة أمام الكاميرات وبدونها؟؟ حيث يحس المواطن العرقي إن الأستاذ مثال ملح البرلمان ولكن يبدو إن ماوصل إليه البرلمان لايمكن أن يطيبه ملح الالوسي!!!! وهل يحق لنا اليوم أن نتحسر على أيام أعضاء البرلمان أيام الملكية(من الرجعيين والإقطاعيين وعملاء الانكليز) ولماذا هم اقدر وأكثر إنتاجا من النواب(عملاء الأمريكان)؟؟؟!! هل يحق لنا أن نترحم على نواب المجلس الوطني ( الزيتوني) ألصدامي ونحن نرى ونلمس الواقع البائس الذي يقر به اغلب أعضاء البرلمان الأخضر أو متعدد الألوان والذي لم ينعكس على الشعب العراقي بغير لون واحد لون الموت والبؤس والبطالة والفساد المالي والاداري وصخب مضحك مبكي داخل قبة البرلمان.... الخ
مقالات اخرى للكاتب