بعد ليلة مرح في حضرة الكتاب ،ليلة ثقافة وفكر وجمال ، وموسيقى حرمنا منها في مسقط رأس الصنم رزمنا كتبنا التي ابتعناها من معرض الكتاب وقد أفرغت جيوبنا الخاوية ، والتوجه صوب شارع المتنبي وسط المدينة ، مرورا بساحة التحرير التي نصبت فيها منصة خطابة ، استقبلتنا الشوارع تمد لنا ألسنتها السود هازئة شامتة ، حيث تناثرت عليها أعمدة ناطقة متحركة ، مختلفة الأطوال والأشكال والقامات ، معصب بعضها بخرق خضراء وبعضها الآخر بخرق حمر او صفر ، وكأنها قالب من فحم لولا إنها ناطقة ، حسبنا إننا من شيوخ القوم الذين لا يأنسون السلطة ، ولا السلطة تأنسهم ، التي جاء الحشد المليوني للاحتجاج عليها رغم كونه منها واليها ، اليوم يوم الاستنفار.
حقائبنا وجيوبنا صارت صيدا ثمينا لأيدي الأعمدة السوداء، ما ان ننفذ من جماعة حتى يستلمنا حشد آخر إذا صح التعبير ،فيعبث بكتبنا وحاجياتنا كما يشاء دون رحمة ولا احترام ، أخذت كتبنا تهزأ منا ، أيها المثقفون انتم محط شبهة من قبل السلطة ومن قبل معارضيها ، فهل نفعتكم مؤلفاتكم وهل نفعتكم بطاقات عضويتكم ، هل من يمنع عنكم هذه الأيادي العابثة ، البسوا السواد وشدوا رؤوسكم بشريط اخضر لتكونوا من ضمن الناس لتنجوا بأنفسكم.
مد يده تحت أبطي متلمسا جيوبي وسروالي من أمامي ومن خلفي ، واذا به يصرخ كالملدوغ ، ما هذا ، هل تخفي في جيب سترتك قلماً ؟؟؟
قلم من يدري ربما تخفي فيه رصاصة او بندقية مصغرة قد تستهدف أحدهم.
ولدي أنا أديب وهذا قلمي ، القلم هو أداتي المقدسة وسلاحي الذي لا املك غيره ، وحين تجردني منه فقد تجاوزت على قدس مقدساتي ، حينما تستل مني قلمي كأنك استللت روحي من جسدي …
لا افهم ما تقول أيها الشيخ الأديب كما تقول ، هذه الأوامر ، لا تدعو القلم وحامل القلم ينفذ من بين صفوفكم.
أحسست ان حروف كتبي قد تحولت الي جوقة من الهازئين بي ، تسحق روحي المتعبة ، لقد اخذوا ((القلم))
جلست تحت تمثال الرصافي شاكيا أمري ، جلست على دكته تحت قدميه وهو ينظر صوب الجسر منشدا :-
أنا بالحكومة والسياسة اعرف
أألام في تفنيدها وأعنَّف
سأقول فيها ما أقول ولم أخف
من أن يقولوا شاعر متطرِّف
هذي حكومتنا وكل شُموخها
كَذِب وكل صنيعها متكلَّف
غُشَّت مظاهرها ومُوِّه وجهها
فجميع ما فيها بهارج زُيَّف
وجهان فيها باطن متستِّر
للأجنبيّ وظاهر متكشِّف
والباطن المستور فيه تحكّم
والظاهر المكشوف فيه تصلُّف
عَلَم ودستور ومجلس أمة
كل عن المعنى الصحيح محرف
المفارقة ان قوات الحكومة كانت محايدة لم تمنع ولا تردع ، فقد كان أمر الشارع بيد ((أهل الإصلاح))، فطلبت منه ان يقول ((أنا بالحكومة والمعارضة اعرف…))
في ألاثــــــــناء تناهى الي إسماعنا صوت يهدر بعبارات الحرية موصيا ان يواصلوا نهجه ، فقرأت الفاتحــــة على روح ((قلمي)) الذي بكته كتبي دموعا بلون الحبر وهي تتظاهر داخل حقيبتي المغلقة .
مقالات اخرى للكاتب