تمر علينا هذه الايام ذكرى ثورة الرابع عشر من تموز عام 1958 بقيادة الزعيم العسكري عبد الكريم قاسم على النظام الملكي الذي حكم العراق من 1921-1958. لا شك ان لكل نظام حكم واية سلطة في دول العالم هفوات واخطاء ذلك ان ادارة الدولة وتطبيق القانون مهمة ليست بالسهلة وتستلزم الكثير من الجهود والوقت والمتابعة اليومية لكل شاردة وواردة تخص عملها وما الى ذلك من بقية العوامل التي تساعد على انجاح عمل اي نظام او بقاء اي سلطة في سدة الحكم.
لم يكن قيام الحكم الملكي في العراق مهمة سهلة اذ صاحبها الكثير من الشك والاعتراض والظروف الصعبة ولكنه في اغلب الاحيان حاول التوفيق بين هيجان الشارع العراقي ضد الانكليز ومحابات الملكية لهم تجنبا لاي صدام بين الطرفين.
ماذا سيحدث لو تمتع العراقيون بقليل من الصبر على النظام الملكي ومحاولة الوقوف معه ودعمه لاصلاح الاخطاء وتجنب الهفوات ؟ ماذا كان سيحدث لو ان الفرصة اعطيت للنظام البرلماني انذاك لتشريع قوانين تنصف المواطن العراقي وتخرجه من دائرة الفقر والذل والعبودية ؟ ماذا كان يحدث لو اننا وقفنا وقفة تضامنية مع الملك الشاب انذاك وقبلنا بالقليل ريثما تتحسن ظروف البلد ويكون قد امتلك من الخبرة والحنكةالسياسية ما يكفي لقيادة البلد وتحسين ظروفه واحواله السياسية والاجتماعية والاقتصادية ؟
قيام العسكري قاسم بثورة غير واضحة الاهداف والمعالم ادواتها العسكر والسلاح والعنف والدم فتح ابواب جهنم على العراق ورغم ما يمتلك هذا الرجل من اخلاق وشجاعة وتواضع ونزاهة ونظافة يد قل نظيرها الا ان خطوته هذه كانت غير صحيحة البتة وينقصها بعد النظر وسعة الافق وها هي النتائج بعد ما يقارب الستين عاما عبارة عن عراق مدمر لا تنطبق عليه صفة الدولة بمفهومها المعروف اضافة الى ان ابنائه فقدوا هويتهم وامسوا ضائعين ما بين الطائفة والعرق والمذهب وما بين لاجيء في المنفى اومشرد ونازح في الداخل. لم يفلح العسكر بعد سقوط النظام الملكي في العراق بقيادة البلد الى بر الامان رغم انجازات قاسم البسيطة التي تحققت في غضون الاربع سنين التي قضاها في الحكم قبل ان يلقي حتفه على يد اصحابه ممن عفا عنهم سابقا من الضباط الذين شاركوه الانقلاب على الملك في 8 شباط 1963.
ان ظهور الشياطين الاربعة ( الحزب الشيوعي، حزب البعث، حزب الدعوة، الاخوان المسلمين فرع العراق) والسماح لهم بالعمل السياسي كان بمثابة الكارثة التي حلت على العراق بعد سقوط النظام الملكي واعضاء هذه الاحزاب هم عبارة عن شباب طائش متطرف ارعن ادخلوا الوطن في دوامة من الصراع الفكري الدموي المقيت المتنافس على السلطة من غير ادراك ماهية السلطة وكيفية ادارة شؤون الناس والدولة بالشكل الصحيح. فمن ازعاج الشيوعيين وتدخلهم في عمل قاسم الى تبوأ البعث السلطة الى مغامرات صدام وحروبه المدمرة وحتى الاحتلال الاميركي للعراق وتولي الاسلاميين الدعوة والاخوان السلطة لم تمر على العراق والعراقيين اوقاتا طيبة وسعيدة بعكس الدول المجاورة والمحيطة بنا التي رضيت بحكم انظمتها الملكية وصبرت عليها قليلا لتصبح دولا مستقرة امنيا وسياسيا واقتصاديا واجتماعيا وامست دولا متقدمة ومتفوقة على العراق وعلى جميع الصعد وان كانت هناك اخطاء واشكالات تحصل في عملها الا انها تحل بروح المسؤولية الوطنية التي يتحلون بها.
انني واحد من الكثيرين الذين يصيبهم الضحك عندما نسمع ونرى ونقرأ ادبيات هذه الاحزاب والتي تحاول ان تضفي صفة النضال والثورية على عملها اللاخلاقي في تدمير العراق وايصاله الى هذه الماساة التي حلت عليه وعلى شعبه من كل جانب والسبب صراع هذه الافات والنكرات الاربعة المذكورة اعلاه طمعا في كرسي الحكم والامتيازات لا من اجل الوطن والمواطن كما تشير ادبياتهم.والدليل اننا خبرناهم عند استلام السلطة وكيفية تسخيرها لهم والتنعم بمزاياها.
كان لدينا بلدا كالزهرة اليانعة وكنا نمتلك المال والثروة والانسان وهذه الطاقات العلمية والادبية والرياضيةوالفنية المتوفرة في العراق واترك لكم احبتي تخيل العراق وما سيكون عليه الحال لو كان لدينا نظام سياسي ملكي متزن ونزيه مع حكومة وبرلمان تضم الاخيار من العراقيين التكنوقراط وما اكثرهم وهم على اتم الاستعداد لخدمة بلدهم ؟
حتما سيكون العراق لؤلؤة الشرق الاوسط.
مقالات اخرى للكاتب