خلال الايام القليلة المنصرمة ، تسلم بعض الوزراء الجدد مهامهم في احتفال حضاري اسماه الإعلام ( تسلم وتسليم ) ولاشك ان هناك عيونا دمعت حزنا على فراق هذا الوزير او ذاك ، مثلما انغمرت دموع الفرح من عيون أخرين ، لتغسل وجناتهم لخلاصهم من هذا الوزير او ذاك ، وهذه سُنة اجتماعية معروفة ، فلكل منا كارهين ومحبين و لا يوجد إنسان في الدنيا ليس له أعداء وكارهون.. كما انه لا يوجد إنسان.. لا يحيط به محبون.. أيضاً...والإنسان بين هذا الكاره.. وذلك المحب.. لا يملك إلا أن يسعى من أجل أن لا يزيد عدد كارهيه.. على محبيه !
وبعيدا عن توصيفات الحب والكره ، اتمنى على وزرائنا الجدد ، التمهل وعدم الاستعجال في اتخاذ قرارات تؤدي الى حالة ارتباك في مفاصل وهياكل وزاراتهم ، بداعي التغيير نحو الأفضل .. واذا اجرينا حاليا بحثا بعنوان ( تحليل المضمون النفسي ) سنجد ما لايسر في اروقة كافة الوزارات ، فالجميع في حالة ترقب ، مشوب بالتوتر ، بأنتظار التغيير من اعلى الوظائف حتى ادناها ... وهذا امر يعد من اهم مسببات الارتباك الوظيفي الذي ينعكس بالتالي على المواطن .
ان القائد الاداري الناجح هو من يصنع قارباً يعبر به النهر، بدلا من أن يبني حوائط حول نفسه تحميه من فيضانه ... وهذا الفيضان هو بالتأكيد ، وهم نلمسه داخل نفوس من يعيشون بافكارمسبقة تحمل ضغينة او ردة فعل , تعميهم عن رؤية الحقيقة التى يرفضون تصديقها والخضوع لها ، وهي ان للمرء اياً كان ، رؤاه ، مثلما لك رؤيتك ، والذكي من يوائم بين هذه الرؤى وتلك ، بدلا من حمل معول لتهديم مشاريع من سبقه لتأكيد ذات ما زالت طرية .
ان لكل وظيفة مهما صغرت ، مشكلاتها التي تتفاوت من البساطة إلى التعقيد ، وتشترك مع نفسيات المسؤولين الكبار في هذه الخاصية ، إذ يواجه هؤلاء الموظفون مشكلات يومية متنوعة تحت مطرقة التغييرات الوزارية المستمرة ، وسندان القلق الذي يعيشون ضمنه في يوم مضطرب وغد غير معلوم لاسيما إذا ما تذكرنا أن الموظف سواء كان تدريسيا في الجامعة ام معلما في مدرسة او مهندسا في مصنع اوضابطا في جهازي الشرطة او الجيش الخ ، هو صاحب رؤية تتعلق بالهندسة البشرية ، لأنه يتعامل مع أناس مختلفين في ثقافاتهم وبيئاتهم وطباعهم وأعمارهم وليس مع آلات متشابهة في تركيبها أو ميكانيكية عملها ، وهذه الحقيقة تتطلب ان يكون الاطمئنان هو سيد الموقف الوظيفي ..
امامي حقيقة ، حين اتذكر خارطتها الآن ، تنتابني قشعرية من القلق وهي تختص بقطاعي التربية والتعليم العالي ، فنحن على اعتاب عام دراسي جديد ، بل دخلنا فيه فعلا من حيث الاستعدادات ، فأي تغيير على سياقاته وشخوصه ، سيحدث ردود افعال غير محسوبة ، تنعكس على الطلبة وهم شريحة تعيش يوميا تحت سقف قلق معلوم يمتمثل في زحمة السير وصعوبة الوصول الى المدرسة اوالجامعة ، مرورا بالمتطلبات التي لا يقوى على الايفاء بها مععظم اولياء الأمور الى جانب الوضع الامني المعروف وشاشة التهجير التي نرى من خلالها ألوان من العنف والقساوة والقهر الانساني .. والأمر نفسه ، مع بقية الوزارات سواء كانت خدمية او ثقافية ..
اعزائي الوزراء ، مبارك استيزاركم ، لا تستعجلوا في قراراتكم ، كما استعجل من سبقكم ، عليكم الأستعانة بأصحاب الخبرة والتجربة ، وهم كثُرإذا بحثتم عنهم بتأن وصدق دون اعتبارات اخرى ، واتركوا من يحومون حولكم ، فهم رأس البلاء
مقالات اخرى للكاتب