عندما يتقسم اي بلد في العالم الى طبقات اجتماعية عليا ووسطى ومسحوقة فلا شك حينئذ سيكون هناك فساد تستأثر به الجهات العليا أولا وهو فساد من نوع خاص تستحوذ به على مصادر الأموال والموارد المالية الأساسية للدولة والسيطرة على منافذها ومنابعها المتمثلة بالوزرات والهيئات والدوائر ذات العلاقة المباشرة والقريبة من مصادر هذه الأموال تليها الطبقة الوسطى التي تستضعف الطبقة الدنيا والطبقة المسحوقة وتستغل جهلها وحاجتها لتجعلها مصدر رئيسي وأساسي لإنعاش ظاهرة الفساد في العراق يساعد كل ذلك القوانين العراقية الرتيبة التي تتميز بصفة أساسية تكاد تكون ملازمة لكافة التشريعات العراقية والتعليمات الخاصة بتطبيقها وهذه الصفة هي المطاطية والضبابية غير المبررة , نلاحظ ان الفساد ينخر في البنى التحتية للدولة ويتشكل مع البناء المزعوم لهذا البلد وأصبح جزء لا يتجزأ منه وان كل أنواع الفساد الإداري والسياسي وحتى الأخلاقي انتشر بسرعة هائلة وكبيرة بعد عام 2003 فبعد ان كان شبه محصور في أفراد المؤسسة الأمنية بشتى فروعها في زمن النظام البائد وبعض المؤسسات الأخرى أصبح اليوم في كل مفصل من مفاصل الدولة بدءا من المؤسسة العسكرية وكافة مؤسسات وقطاعات الدولة الكهرباء والماء والصناعة والتجارة والرياضة وكل الهيئات والأعجب من ذلك ان الرقابة الإشرافية التي استلمت مهمة مكافحة الفساد في العراق هي ذاتها لم تسلم من الفساد ,,لو تأملنا جيدا ما هو السر في سرعة انتشار الفساد في العراق بهذا الحجم وبهذه الطريقة مع العلم ان مجتمع مثل العراق معروف بميله وعقيدته الدينية مفروضا به ان يجعل رقابة الضمير أولا قبل رقابة الدولة او المجتمع إلا ان ذلك لا ينفع أمام رغبة الإنسان وجشعه وطمعه والبحث عن أي شيء يميزه عن الآخرين فيجهد نفسه لكي يحصل على الأموال والسلطة بشتى بالطرق والأساليب والحيل,,لقد أصبحت الإدارة في العراق تؤسس للفساد وتفتح المجال أمام كل من يبحث عن ثغرة لاستغلال المال العام فالإدارة الضعيفة في العراق المتمثلة بوضع الرجل غير المناسب في المكان المناسب ليساهم لاحقا بخلق بيئة مؤاتية وموافقة ومنعشة للفساد لقلة خبرة القائمين على الإدارة وجهلهم بالأساليب الرقابية المتبعة عالميا وعدم وجود إنصاف في توزيع الثروة داخل هذا البلد سواء بين موظفي الوزارات والهيئات التابعة للدولة او بين المجتمع ذاته أضف إلى ذلك وجود مجتمع أكثر من 20_30% تحت خط الفقر الذي أنهكهم وجعلهم لقمة سائغة يسهل ابتزازهم او مساومتهم , إضافة الى وجود أشخاص كثيرين يحضون بحماية من أقاربهم في أماكن متقدمة في الدولة يعبثون بالمال العام ويستأثرون به لأحزابهم وعوائلهم يصعب محاسبتهم في ظل بلد تسيّس فيه كل شيء حتى القضاء ! لذلك نحن بحاجة الى ثورة إدارية تستلهم تجارب الشعوب المتقدمة مع الأخذ بنظر الاعتبار الفروق الثقافية لدى مجتمعاتنا فنحن نعلم ان الدين يعد احد اهم المحركات والمرجعيات الرئيسية للفرد العراقي لذلك يجب تقديم خطاب ديني يحث بعض ابناء هذا الشعب على الشعور بالمسؤولية ,,ويجب ان نتبع الأسلوب الذي يعتمده العالم كله وهو الترغيب والترهيب وهو أيضا اسلوب إسلامي قراني فهناك أشخاص لا ينفع معهم الوعظ والضمير وكل أساليب الخير لذلك يجب ان تستخدم معهم لغة الترهيب المتمثلة في تفعيل القوانين الخاصة بملاحقة الفساد الإداري, و لابد من ترك الانتقائية في التطبيق التي لا تعرف الا الضعفاء فتترك الحيتان الكبيرة تبتلع كل ما تراه في طريقها آمنة مطمئنة لان القوانين والقضاء في العراق اشبه بشبكة العنكبوت تمسك الحشرة الصغيرة وتترك الكبيرة .
مقالات اخرى للكاتب