روى الزميل صلاح منتصر في عموده العريق في «الأهرام» أن السيدة جيهان السادات اتصلت بصاحب «المصري اليوم» صلاح دياب وأخبرته بأنها عرفت متأخرة بغياب علي سالم٬ وتريد منه مساعدتها في الذهاب إلى منزله لتقديم العزاء. شعر صلاح دياب بالحرج. فهو يعرف أن علي سالم يعيش في شقة هزيلة بلا مصعد في «ميت عقبة». وهكذا أحال المسألة على الفنان وجيه وهبة٬ وذهبت السيدة السادات إلى منزل علي٬ أو شقته البسيطة٬ هي وبناتها الثلاث. وقالت لأسرته إنها تشعر كمصرية بالتقصير حيال المسرحي الكبير٬ وتتمنى أن تفعل ما تستطيع للتعويض عن ذلك. فوجئُت بحكاية الشقة الفقيرة. كنت أعتقد أن علي سالم أغناه المسرح كما أغنى هو النجوم الذين صنعهم مسرحه. وكنت أعتقد أنه «كعميل» للتطبيع أغدقت عليه الأموال. لكن على نحو ما٬ لم أفاجأ بأنه مات فقيًرا. فالحكم بالعزلة والنفي الداخلي والمنع يمكن أن يؤدي إلى ذلك. وشخصًيا٬ كنت ضد عناد علي سالم في الدعوة إلى الانفتاح على المقارنة بالغرب٬ وقراره بالتصدي لموجة الرأي العام. والمؤسف أنني عرفت عمله مؤخًرا عندما انضم إلى «الشرق الأوسط»٬ وأصبحت من قرائه بإعجاب وشغف. وهو الوحيد الذي كنت أتابع أعداد «لايكاته» لكي أرى إلى أي مدى يتجاوب القراء مع أسلوبه. والمفاجئ فيه لم يكن أسلوبه المسرحي المشوق٬ بل العمق الثقافي الذي جبل به نفسه وعمله. وخلف كل حكاية بسيطة من أيام عملهُكْمسارًيا في دمياط٬ أو بائع تذاكر في مسرح٬ شخص خارج من مسرح الإغريق٬ مضحًكا أو ساخًرا أو مجبولاً بالمأساة. وبدا لي غالًبا أنه كمن يغرف من «كليلة ودمنة»٬ أو معجم الأمثال٬ وأنه التقط سر الحياة قبل أن يحمل قلًما يكتبه به٬ وهو أنها مسرح مليء بالأدوار٬ وليس على الكاتب المسرحي سوى أن يتأمل ويغرف٬ ويتقن كيف يحمل الناس على الضحك من نفسها٬ أو البكاء عليها. لكنه كان يغرف بعمق حتى في أقصى حالات الكوميديا. ظلم نفسه بالسياسة. وظلم قلمه وموهبته. ليس لأنه مات فقيًرا٬ فكل البشر يموتون فقراء. وإنما لأنه أضاع الكثير من الوقت في عبث السياسة. ولأنه لم يشرح لكارهيه ومحبيه أنه أحب أكثر من قلمه ومسرحه شيًئا واحًدا يدعى مصر. ومصر لم تعرف كيف تداريه
مقالات اخرى للكاتب