منذ أن عرفنا الحسين منهج ونبراس، وتعلمنا من مسيرته "العِبرة والعَبرة"، وأيقنا بأن أقل عرفان يقدم له دموع تنبع من قلوب محبة، وجدنا تلك المعركة التي جرت وقائعها على رمضاء كربلاء ما زالت مستمرة متواصلة الى قيام الساعة، تتجدد وتنموا وتقدم حقائق ثابتة لا تقبل التأويل، بأنها استثناء لا يتكرر وأن وجودها طاقة تدفع الأمم للتقدم .
إن ما جرى في عام 61هـ من أحداث وتداعيات لم تكن مناوره سياسية أو مطامع شخصية تهدف للظفر بحكم او نيل منزلة، بل كانت الأبعاد والإستراتيجية أعظم من أفكار ضيقة دنيوية، فقد حمل الإمام الحسين (عليه السلام) في حركته الإصلاح هدف رئيسي يتجدد مضمونه في كل عصر، وهو مطلب في حياة الفرد والمجتمع والأمة، فالإنسان في مسيرته الشخصية يسعى لإصلاح نفسه وتأمين احتياجاته ومتطلباته الدنيوية والأخروية، و المجتمع (الحي) يسعى من خلال أفراده للإصلاح وسد الثغرات الموجودة فيه سواءً كانت اجتماعية أو سياسية، وكذلك الأمّة تسعى من خلال المجتمعات الحيّة لإصلاح ثقافتها وفرض موقعيتها ورمزيتها بين الأمم، وكل ذلك نابع من خلال مفردة الإصلاح التي ضحّى الإمام الحسين (عليه السلام) بنفسه وأهله وصحبه من أجل غرسها في أفئدة الأمة، فتتحول من بعد ذلك إلى واقع ملموس وحركة حية منتجة.
إن الإصلاح في الثورة الحسينية يعني توعية الأمة في عدم ابتعادها أو انحرافها عن الخط المستقيم الذي يمثل جانب الحق، وهو منهج من مناهج الإسلام الأخلاقية التي خطها الرسول "صلى الله عليه وآله وسلم" وأهل بيته من بعده، فنهضة الإمام الحسين"عليه السلام" كلُ لا يتجزأ، فقول الإمام الحسين"عليه السلام": ( إني لم اخرج اشراً ولا بطر، وإنما خرجت لطلب الإصلاح في امة جدي رسول الله محمد ص لآمر بمعروف وانهى عن منكر)، تعني أنه هو الشخصية المؤهلة لقيادة الواقع في كل قضايا الأمة لشدة ما كان يثق بنفسه من جهة وشدة ثقة المجتمع به من جهة ثانية حتى ولو كان على المستوى البعيد، فتغيير القيادة الفاسدة إلى قيادة صالحة تطبق الإسلام كله وتتحرك على أساس العدل كله، وتطرد الفساد في جميع مجالاته من الحياة.
وهذا هو ما كان يستهدفه الإمام الحسين "عليه السلام" من نهضته وشهادته، وذلك لأن الإسلام الذي أنزله الله تعالى في كتابه، ونطق به قرآنه، وبلغ له رسوله "صلى الله عليه وآله وسلم"، وضحى من أجله أهل البيت "عليهم السلام"، وخاصة الإمام الحسين "عليه السلام" في كربلاء يوم عاشوراء، هو الدين الكامل والقانون الشامل الذي باستطاعته في كل عصر وزمان أن يسعد الإنسان والمجتمع البشري ويضمن له التقدم والرقي والتطلع والازدهار.