عندما كنا صغار في المرحلة الإبتدائية كان المعلمون يقولون لنا بأن العراق بوابة الوطن العربي بحكم موقعه الجغرافي في شمال شرق الوطن العربي بطبيعة تماس حدود العراق من الشرق مع ايران ومن الشمال مع تركيا ولهذا الموقع الجغرافي أهمية بالغة من حيث الإتصال بالعالم الأوربي وبلاد فارس وتبادل الثقافات من حيث الوجود والاشتراك الحدودي لكننا لم نكن نعي ماذا تعني كلمة (بوابة) حتى تفتحت أذهاننا واضاف لنا القدر ماكانا نجهله يوم ما ، ففي عام 1991 نرى أن العراق انتفض بشعبه على السلطة الحاكمة وكانت ثورة عارمة وكادت أن تسقط الحكومة وينتهي أمرها عن بكرة ابيها بسواعد المنتفضين في وسط وجنوب العراق بأنتفاضتهم التي سميت بشهر إنطلاقها (الشعبانية) لكن الحكومة العراقية آنذاك فتكت بالناس جميعاً بالطائرات الحربية والقتل الجماعي واستباحت المقدسات الإعتقالات العشوائية سواء كانوا منتفضين أم مواطنين أبرياء عزل حتى انطوت تلك الصفحة ولم يبق منها سوى حبر على ورق ، وبعد سقوط النظام الديكتاتوري الحاكم في العراق على يد الإحتلال الامريكي ولحد هذه اللحظة وكأن العراق سقيم جدا ويسوء حاله يوم بعد يوم دون أن يشفى ولو للحظة واحدة بسبب تلك العمالة المرتزقة المتزينة باللباس الديني قد هيمنت على مفاصل الدولة من أعلى منصب وحتى أدنى منصب وعم الفساد الاداري والمالي والاخلاقي على كافة مستويات الشعب العراقي وباتت الدول الإقليمية تبث أجندتها بكثافة على أرض العراق من أجل أن تقضم قضمة معينة من جسد هذا الوطن حتى أصبح العراق كساحة مترامية الأطراف لتصفية الحسابات الدولية والشعب العراقي هو الضحية ، فعند اشتغال لهيب الربيع العربي في معظم بلدان الوطن وسادت سياسة القتل والتهجير والدمار كما هو حال تونس وليبا ومصر وسوريا والبحرين واليمن ووسائل الإعلام مشغولة بأخبار تقاعس العراقيين كونهم مازالوا خاضعين للحكومة الحالية ولم يركبوا في سفينة الربيع العربي متناسين أن العراق هو أول البلدان العربية والسابق بالانتفاضة ورفض الظلم الإستعباد كما حصل في الإنتفاضة الشعبانية التي ابادها النظام السابق ولم تتحرك الأمم المتحدة ولاحتى منظمات حقوق الإنسان لنجدة الشعب العراقي أما السكوت حاليا عن مفسدة الحكومة ليس قبولا ورضا بالوضع التعيس الذي نشده بل هو مجرد حالة من يأس تعشعشت في عقول معظم العراقيين بسبب الضيم الدائم والأكثر المتوالية والموت المستبد بطغيانه منذ اكثر من أربعين عاما ، فالدمار السائد في البلدان العربية حاليا مرتبط ارتباطا وثيقاً بأستقرار العراق فأذا كان العراق مستقرار تكون البلدان العربية مستقرة أيضاً والعكس صحيح لأن العراق بوابة الأمة العربية ومستقبل الأمة العربية مرتبطاً بمستقبل العراق بطريقة مباشرة او غير مباشرة ، ففي زمن سابق كان العراق مزدهرا ومتطورا وبمقدمة الدول العربية من حيث الملف الامني والاقتصادي وحتى الاجتماعي عندما كانت مصر تكتب ولبنان تطبع والعراق يقرأ لكن شاءت مشيئة الانتهازيين الدينيين أن تقمع إرادة الشعب بالتخويف السلطوي وسياسية الجنة والنار والحرمة والشرعية وبات البلد مدمر بشكل تام وعلى كافة الأصعدة وخير مثال استيراد مياه الشرب ونحن بلاد النهرين ، بل وتعدى الأمر الى تواجد المتسولين والكدية من جنسيات باكستانية وهندية وايرانية وسورية يتسكعون في شوارع العراق وكأن العراق مسرح لعرض أدوار المظلمة لكل من هب ودب !! فالتغلغل الامريكي في العراق وبعد سقوط الطاغية امتد ليصل الى كل أقطار العرب وبسياسات متفاوتة وبحجج مختلفة تماماً وهذا يعني أن العراق سباق بكل شيء بغض النظر عن كون الشيء تطور أو تدهور حل به ، والمضحك بالأمر أن الأمطار الأخيرة التي اجتاحت العراق وجعلت من العراق مستنقعا مائيا كبيرا وأحدثت فيه ما أحدثت من تعطيل الدوام في المؤسسات الحكومية وأضرار مادية ومعنوية كثيرة ، فبعد إنتهاء هذه الزوبعة المائية ابتدأت أمطار كثيرة وغزيرة بالهطول على الدول العربية الأخرى حتى اجتاحت الأردن ومصر والإمارات فأصبحت سيول ضخمة جدا ، لكن هل لبلاد الميزوبوتاميا أن يتنبأ بمصير الأمة العربية مستقبلاً من خلال مصيره حاليا !! ربما ستكشف لنا الأيام عن حقيقة جديدة لانعلم مدى مصداقها لكن هي قادمة فحسب والحاضر مؤشر حي عما سيحدث مستقبلاً اعتمادا على طبيعة العرب ومدى جديتهم في صناعة الأمن والأمان والاطمئنان ونشر راية السلام بعيدا عما هو مألوف لنا اليوم من وحشية وبشاعة ورعب ونقص في المال والانفس والثمرات من خلال نبذ سياسة الاقتتال الطائفي وقتل الفئات ذات الأقلية دون مبرر إستناداً على فتاوى نعاج الشريعة وصهاينة المسلمين الذي يتلاعبون بعقول العرب الفارغة من مبدأ الرحمة والإنسانية والشفقة والعطف والسعي وراء خشخشة الدراهم أينما تكون دون الرجوع إلى التفكير المعتدل أو تحريك همم الضمائر النائمة أو العمل الجدي على الخلاص ، فبما أن الشعب العراقي والشعوب العربية خاضعون أذلاء تحت سيطرة كهنة المعابد الشيطانية وعباد المال الحرام فهذا يعني أننا أمة لايمكن لها أن تعيش بسلام أبدا كما أخبرنا الواقع مسبقاً.
مقالات اخرى للكاتب