نظرت الى قطيع من الاغنام واقفة وقد تجمعت حتى تسير نحو المناطق الريفية في اطراف المدينة تأملت الجميع فوجدته يسير في اتجاه واحد وكل واحد معنيا بنفسه يزاحم الاخرين لكي لا يتخلف في الطريق , فهو مع الجماعة امن وعندما تصاب واحدة منه لا تجد من يلتفت اليها , كلٌ مضى الى سبيله وترك المسكينة لمن يبحث عن صيد سمين .
قارنت مسيرة هذا القطيع بمسيرة الدوائر الرقابية العاملة في الدولة العراقية والتي تزيد على اكثر من (20) جهاز رقابي وتدقيقي وتفتيشي في كل محافظة .. لكل منها اجهزتها وقوانينها الخاصة بها .. ابتداء من رقابة البرلمان ورقابة مجلس المحافظة وانتهاء برقابة الجهات التنفيذية التي تشمل مكاتب المفتشين العموميين في دوائر المحافظات والتي هي اساسا شبه مستقلة و مرتبطة بوزاراتها في العاصمة بغداد .
من هنا نرى ان تعدد الاجهزة الرقابية والقوانين والأنظمة في المحافظة الواحدة ادى الى فوضى ادارية وتداخل وتقاطع في الصلاحيات وسط مظاهر الفساد التي تنخر مفاصل الدولة , وهذا يتطلب معرفة المهام والصلاحيات لكل من هذه الاجهزة ومعرفة قوانينها .. ومن خلال عملي في واحدة من تلك الاجهزة لاحظت ان هناك من العاملين في تلك الاجهزة يعتبرها ضالته المنشودة , وكأنه مصاب بعقدة نقص يريد ان يعوضها بتلك المهنة المتعبة ذات المهمات الكبيرة , فالكثير منهم يتوسط من اجل ان يكون عضوا في لجان التعيينات او يستغل صلاحياته الرسمية اذا كان مسئولا لكي يوظف اهله وعشيرته ويحول الشركة التي يعمل فيها الى شركة عائلية بدلا من شركة حكومية , كما انه يقاتل جميع الذين معه من اجل الحصول على الايفادات وخاصة الايفادات خارج العراق حتى يتمتع بأجواء اسطنبول وباريس وبيروت الرومانسية .
اغلب العاملين في تلك الاجهزة هم من الشباب ولا اعتراض على ذلك .. لكن لكل مهنة رجالها فالحارس الليلي يجب ان يكون ذو صحة تامة , والمعلم يجب ان يكون ذو شخصية متكاملة , والجندي والقائد العسكري يجب ان يتحلى بالشجاعة واللياقة البدنية والتدريب العالي , كذلك المدقق والمفتش العام في الشركة يجب ان يكون من كبار السن ممن هضم قوانين الدولة عن ظهر قلب ومارس العمل الوظيفي لفترة لا تقل عن (30) عام في مجال الاختصاص الفني والإداري والمالي وعلمته الحياة القناعة والصبر , ولا بأس ان يكون من المتقاعدين ذوي الخبرة والتجارب الطويلة , الا ان ما موجود في ساحات الرقابة اليوم موظفين جدد معينين حديثا لا يعرفوا القوانين السابقة والحالية , ولم يمروا بالتدرج الوظيفي , البعض منهم يغطي عقدة النقص لديه باستخدام الأسلوب البوليسي في التعامل مع الاخرين , وكأنه مبعوث السماء لأهل الارض , يضفي على نفسه الالوهية وهالة التقديس الفارغة.
كما يجب التذكير بان كثير من التعليمات الدينية تؤكد على البكور من الاعمال باعتبار ان البركة في ذلك , كما ان بعض الديانات تجعل اولى عباداتها في وقت طلوع الفجر وقبل طلوع الشمس .. على العكس مما يفعله بعض العاملين في الاجهزة الرقابية حيث يتأخر عن العمل لمدة ساعة صباحا عند بداية الدوام ويخرج قبل ساعة من انتهاء الدوام , لأنه يعتقد ان هذا التأخير يقوي هيبته و يضيف له السمعة العالية ويجعل الاخرين ينظرون اليه بأنه شخصية مهمة متى ما شاء يدخل الشركة ومتى ما شاء يخرج منها , لأنه رقيب ولا رقيب عليه , غير مشمول بنظام - البصمة - الذي تعمل به اغلب دوائرنا الحكومية في الوقت الحاضر .
ومن الجدير بالذكر ضرورة التذكير على ان عملية الرقابة ما هي الا ترشيد وتوجيه الاجهزة الادارية والفنية العاملة في الشركات على تنفيذ الخطط الموضوعة بنجاح كامل , والرقابة الموجهة تنير الطريق امام المرؤوسين لتحقيق الاهداف المرسومة , لذلك تحٌدد المقاييس الرقابية الملائمة لطبيعة عمل كل شركة ودائرة سواء كانت انتاجية او تسويقية او تجارية .
المطلوب اليوم اعتماد الاليات الكفيلة بتشديد الرقابة والمتابعة على السياقات الادارية المتبعة داخل الكثير من الدوائر والشركات الحكومية والوصول الى الفاسدين وإخضاعهم للتحقيق والمساءلة , كما ان اختيار الاشخاص المؤهلين لملاحقة الفساد يمكن ان يحقق نتائج ايجابية في مكافحة الرشوة وسرقة المال العام ومن خلال الالتزام بالمبادئ والقيم الفاضلة .
, وكما قال الفيلسوف الصيني - كونفوسيشيوس - 551ق.م - 479ق.م - ( إذا عرف الانسان في الصباح طريق الحياة المستقيمة , لا يندم ولا يأسف إذا مات في المساء ) . وأخيرا اقول اذا كان الرقيب فاسدا .. فمن ينقذ شركاتنا من الفاسدين ؟ .
مقالات اخرى للكاتب