كثيرا مايردد الإعلام العربي حين يذكر إسم العراق بأنه واقع تحت ما يطلق عليه (الإحتلال الفارسي الصفوي) وهذا الإعلام التابع لأنظمة إستبدادية طائفية وراثية يجافي الحقيقة على طول الخط لأنه إعلام مسير من قبل هذه الأنظمة.وإذا أردنا أن نلقي نظرة موضوعية بعيدة عن كل حس طائفي على علاقات البلدين فإن الحقائق تفرض نفسها حيث إن العراق وإيران بلدان مسلمان متجاوران منذ الأزل والعلاقات بينهما ضاربة في عمق التاريخ. وتربطهما حدود مشتركة تصل إلى أكثر من 1200كم. وقد دخلت هذه العلاقات بين مد وجزر لأعوام طويلة كان تأثيرهما واضحا على الشعبين الجارين سلبا أو إيجابا. ومن يقرأ التاريخ يدرك ذلك تماما. وكانت الحرب الدمويه الرهيبة التي أشعل فتيلها دكتاتور العراق المقبور صدام حسين من أشد الفترات حلكة ودموية بين هذين البلدين الجارين . تلك الحرب المدمرة التي دامت لثمان سنوات وأزهقت أرواح مئات الألوف من أبناءهما وأهدرت مئات المليارات من الدولارات من ثرواتهما، وما زالت آثارها ماثلة للعيان إلىيومنا هذا نتيجة للرغبات والنزوات المحمومة لذلك الدكتاتور المتهور الذي أصيب بالغرور نتيجة الألقاب الفخمة التي أطلقها عليه الأعوان من الأعراب الذين كانوا يتلقون منه الهبات باستمرار ويصفونه بتلك الألقاب التي ماأنزل الله بها من سلطان.ولو أنفقت تلك المليارات على التنمية في البلدين لتغيرت الأمور فيهما نحو الأفضل إلى حد كبير.
لقد وقفت في أحد الأيام المشمسة على تل يقع بين الحدود العراقية ألإيرانية وألقيت نظرة على تلك الأرض الجرداء القاحلة المترامية الأطراف فلم أر فيها أثرا للحياة. وتساءلت مع نفسي لماذا شنت تلك الحرب؟ ولمصلحة من سفكت الدماء الغزيرة ؟هل من أجل عدة أمتار مربعة من الأرض الجرداء التي ليس فيها أي أثر للحياة ؟ ولماذا رمى حكام الخليج وعلى الأخص حكام السعودية والكويت مزيدا من الحطب لإشعال أوار تلك الحرب إلى حد إنهاك البلدين حين قال ملك السعودية الراحل فهد لصدام ( أبشر ياسيادة الرئيس منك الرجال ومن عندنا المال.!!!)؟ ثم طالبوا الشعب العراقي بتلك الأموال بعد سقوطه. وحين يصبح مصير شعب رهينا لرغبة دكتاتور تطربه الألقاب على حساب مئات الألوف من جثث الأبرياء حينذاك تحل الكارثة. ولا يمكن لرئيس عاقل يحكم وطنا فيه 30 مليون من البشر ، ويزخر بالإمكانات الاقتصادية والبشرية الهائلة يسلك هذا المنحى الجنوني الخطير مهما ساءت العلاقات بين بلده وبلد مجاور آخر. لأن شن الحرب آخر مايفكر به العقلاء حيث توجد وسائل أخرى لإيقاف التدهور بين بلدين جارين. ولابد أن يكون وراء الأكمة ماوراءها. تلك التساؤلات شغلتني في تلك الساعة كثيرا كما شغلت غيري من العراقيين المغلوبين على أمرهم من أمثالي.لاشك إن تلك الحرب كانت تصب في مصلحة أعداء البلدين وعلى رأسهم الكيان الصهيوني. وفي تلك اللحظات تذكرت أيضا تصريحا لوزير خارجية غربي قال فيه يوما (إذا حدث خلاف بيننا وبين جيراننا فنحن مستعدون لعقد ألف جلسة من المفاوضات ولا نطلق إطلاقة واحدة.)
حينذاك أدركت إن مسؤولية حكم الشعوب لايستحقها إلا ذوي الهمم العالية من الرجال الذين يدركون مسؤولية الحكم وتبعاته ، ويعتبرون دماء شعوبهم من المقدسات .
ولا يخلو ثراثنا العربي من حكم وأقوال مأثورة عن الحرب ومآسيها وويلاتها لأنها أدهى وأمر وأشنع من كل شر عبر العصور وقديما قالت ألعرب (الحرب غشوم لأنها تنال غير الجاني ) وأذكر بيتين للشاعر أبا تمام حين وصف الحرب:
الحرب تركب رأسها في مشهد عدل السفيه به بألف حليم
في ساعة لو أن لقمان بها وهو الحكيم لكان غير حكيم
لكن دعاة العنصرية والطائفية يرون غير ذلك لأنهم لم يحترقوا بنارها فصفقوا لها وزادوها اشتعالا وأخذوا يكررون تلك الأقوال الجوفاء التي لاتستند على أي أساس عن ماسموه ( العدو الفارسي ألعنصري) وعن ( البوابة الشرقية للوطن العربي ) و( بطل التحرير القومي .) لكي تلتهم نار الحرب المزيد من شباب العراق ، ويحصلوا هم على ماخف حمله وغلا ثمنه من الدكتاتور الذي فتح لهم خزائن العراق دون حسيب أو رقيب.
لقد كتبت هذا الكلام لأن الكثير من هذه الأصوات المنكرة نسمعها ترفع عقيرتها كلما حدث تقارب بين البلدين الجارين لإيجاد صيغة على اساس المصلحة المشتركة بينهما على عكس ما شهدته قترة الحكم الصدامية السوداء.
ترى لماذا يرفع هؤلاء الأعراب عقيرتهم في فضائيات الفتنة عن مايسمونه ( إبتلاع الفرس للعراق ) كلما حدث هذا التقارب بين البلدين وهم يحتمون بالقواعد الأمريكية ولا يخجلون من علاقاتهم السرية والعلنية مع الكيان الصهيوني.؟ ومن الذي بادر إلى تقديم العون للعراق حين تعرض للغزو الداعشي ؟ أليست إيران .؟ وهم كانوا ينتظرون على أحر من الجمر إلتهام داعش للعراق حين أطلقوا عليها مسمى (ثوار العشائر) وبشرت الجزيرة مستمعيها ب (ربيع عربي في العراق.) فهل يريد هؤلاء أن تستولي داعش على العراق لكي ينطفئ غليل حقدهم الطائفي المقيت.؟ أم يسعون إلى إشعال قادسية أخرى على غرار قادسية صدام ليتفرجوا على ضحايا الشعبين. تأكيدا للمقولة التي أطلقوها في جلساتهم السرية ( نارهم تاكل حطبهم )؟
إن العراق الجريح اليوم بأمس الحاجة إلى من يمد له العون العسكري للقضاء على هذا الغزو الهمجي الجاهلي، وعلى إعادة بنيته التحتية. وإيران تبادر لذلك دوما. والعصر الراهن هو عصر التعاون المشترك بين الشعوب والحكومات . وخاصة إذا كانت تربطهما حدود طويلة وعلاقات تاريخية مشتركة .
وإذا كان دعاة الطائفية والعنصرية يتهمون الحكومات العراقية بأنها (شيعية ) و(طائفية) فهي كذبة كبرى يرددها هذا الإعلام العربي المريض. فالأكراد والسنة لهم مساحات كبيرة في الحكومة الحالية والحكومات التي سبقتها بعد سقوط الصنم .
ولا شك إن لإيران مصالح في العراق والعكس بالعكس. وتشكل السياحة الدينية رافدا كبيرا لتقوية الاقتصاد العراقي . وأنا كمواطن عراقي أتمنى أن أرى في العراق حكومة قوية منسجمة تكلم دول الجوار بلغة موحدة لتبني وطنا متقدما في كافة المجالات ، وتفرض احترامها على جميع جيرانها. وتتبادل التعاون المشترك على أساس الند للند كما تعمل إيران.لأن السلم والتعاون من الركائز الأساسية لتقدم البلدان ونهوضها. أما الحروب فلم تجن منها الشعوب غير الخراب والدماء وضياع الثروات والأحقاد.
إن دعاة القطيعة مع إيران هم من الأعراب الذين يقدمون القومية العربية على إنها قومية عنصرية مع إنها قومية إنسانية المحتوى. وأقول لهم كفاكم سعارا طائفيا عنصريا جلب لهذه الأمة المبتلاة بكم أوخم العواقب. فعدو الأمة الحقيقي هو العدو الصهيوني الذي صادر الأرض وانتهك المقدسات واعتدى على الحرمات. والعراق لايمكن أن يبتلعه أحد كما تدعون. ولم يستطع أيتام النظام الصدامي الذين سرقوا المليارات من أموال الشعب العراقي . وآنضم الكثير منهم إلى داعش أن يعودوا ألى الحكم من جديد ليغرقوا العراق في بحر من الظلام. والواجب الوطني الملقى على حكام العراق مواصلة الليل بالنهار لبناء دولة قوية في كافة المجالات العسكرية والعلمية والاقتصادية لو خلصت نواياهم وتركوا خلفهم كل الشعارات ألطائفية والمصالح الحزبية.
وكلما زاد التعاون المشترك بين العراق وإيران كلما كان ذلك في صالح البلدين. أما دعاة الحروب العنصرية وتجارها فإنهم دوما يقفون ضد منطق العقل والتأريخ والقيم الإنسانية. ولم يعد العراق يتحمل حروبا عبثية وأرضه تعج بالملايين من الأرامل والأيتام. والأمة الإسلامية لم تعد كذلك تتحمل كوارث أخرى بدعواتكم العنصرية.
بسم الله الرحمن الرحيم:
(مَا خَلْقُكُمْ وَلاَ بَعْثُكُمْ إِلاَّ كَنَفْسٍ وَاحِدَةٍ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ.) لقمان-28.
مقالات اخرى للكاتب