الموت هو شيء حتمي ونهاية لكل انسان ،لذلك نقول لمواساة اهل وذوي المتوفي (كلنا سوف نموت) او (البقاء لله)ولكن ما هو غير مقبول ان يأخذ الموت الشباب ،سواء بسبب الحروب او الاعمال الارهابية والتفجيرات والمفخخات ، هذا هو الذي لا يمكن هضمه بسهولة وتبقى غصة تختقنا عند سماع الاعداد الهائلة من الضحايا والشهداء! وقد يكون تفسير اطلاق الشهيد على من يموت (ليس في يومه) هو ما يؤكد ان الشاب يجب ان يعيش وهو من يقوم بدفن ابوه وامه وليس العكس ،ويعد امتداداً للعائلة للحفاظ على ديمومة الحياة.
الشعب العراقي من دون شعوب العالم من اكثر شعوب الارض ارتباطا بمفردة الموت وسط لامبالاة من قبل دول العالم حكومات وشعوب ،بل هناك من يعبر عن ارتياحه عند ما يسمع بسقوط اعداد كبيرة من القتلى! بماذ يمكن تفسير هذا الشعور بالتشفي والارتياح لأن هناك شعبا يتعرض الى الابادة الجماعية ،وهذا الشعب هو من اقدم الشعوب على الارض قدم للانسانية حضارة تمتد للاف السنين ، علم الاخرين الكتابة والقراءة والقوانين والتشريعات ، حى عده احد الكتاب الامريكين بأن العراق (هدية الله للعالم)!
ما هو الذنب الذي اقترفه الشعب العراقي حتى يستحق هذا الصمت وعدم الاكتراث لما يجري للعراقيين من قتل وتشريد ونزوح وهجرة واستنزاف لموارد وثروات العراق الغنية ،حينما سقط نظام صدام حسين وبدأت مرحلة (الفوضى الخلاقة) الامريكية تضرب اطنابها وتم دعوة كل ارهابي العالم للقدوم الى العراق لمنازلة امريكا والشعب العراقي يدفع الفاتورة، عندها بدأ الامتعاض وابداء الكراهية للعراقيين من قبل اكثر الشعوب العربية لأن صدام قد رحل ،وبدأت حملة الاعلام في التحريض على قتل العراقيين بحجة مقاومة الاحتلال الامريكي واستمرار قتل العراقيين حتى لو رحل الامريكان ، عندها كان لي صديق ليبي يقول (لقد ذهبت الكبيرة وهذه الاعمال صغيرة).
كنت ارد عليه قائلا (والله هذه هي الكبيرة والتي سوف لا تنتهي او تتوقف بسهولة وسرعة) يغذي هذا القتل الجماعي نزاعات الكتل السياسية التي توهمنا بأنها تمثل المكونات الاجتماعية والطوائف والقوميات ! ولو كان الموت من اجل قضية عادلة في الحرب للدفاع عن الوطن والشرف والكرامة فهو تضحية تستحق الثناء ولكن ان تتعرض النساء والاطفال والشيوخ والكسبة والفقراء والمدنيين الى تفجيرات اجرامية تمزق اجسادهم وتنتشر دماؤهم على الارض ، ويتم التفرج على هذه الفضائع في الفضائيات وكأننا نشاهد افلام سينمائية وليس أسالة دماء حقيقية سوف تخلف ارامل من النساء وايتام وما ينتج عن ذلك من امراض ومشاكل اجتماعية رهيبة!
ولا يتوقف الامر على عدم الاهتمام او الاكتراث بل يصل بالبعض الى ان يتمنى المزيد من القتل للعراقيين كما في هذه الحكاية “كان من عادة سوق الصفافير في بغداد حينما يموت احدهم تغلق محلات السوق الصفافير كلها ويخرج اصحابها لتشيع المتوفي،وفي يوم مات احدهم ، فأغلقت كل محلات سوق الصفافير للتشيع ومر موكب التشيع على سوق البزازين ، فأغلق (رفائيل البزاز) اليهودي محله وسار مع المشيعين وكانت اعدادهم غفيرة.
وعند عبور الجسر ، انتبه احد اليهود الى رفائيل البزاز وهو يسير مع الجنازة ويبكي بحرقة قائلا :
واحد ..واحد ، تقدم اليه وسحبه من بين المشيعين ليسأله (لماذ تسير في هذا الموكب ؟ فالميت يعمل في سوق الصفافير وانت بزاز ! وهو مسلم وانت يهودي ؟ ولماذا تقول واحد واحد؟) فرد عليه رفائيل اليهودي:
(واحد …واحد يموت شيخلصهم هذوله)!!
مقالات اخرى للكاتب