تعودنا كعراقيون على التعايش مع الأزمات وحالت التشنج والضغط السياسي وأصبحت قانونا وجزءاً من فن السياسة العراقية الحديثة ترحيل الأزمات الى أوقات أخرى لا نعلم متى واين وكيف ستأتي ونحن نرى بأم اعيننا تراكمها لتصبح جبل بات يوشك على الانهيار وهذا ما لمسناه في وقت قريب عندما سحب الحليف الإستراتيجي يده من دعم الحكومة فتحركت القوى الاخرى بتظاهرات واعتصامات واستقالات كمحاولة لاستعادة مجد الايام الخوالي وبسط السيطرة على بغداد من جديد. لكن اليوم هنالك أزمة نشهدها تتحرك بصمت برزت مع اقتراب التصويت الخاص وعلى بعد خطوات من التصويت العام ، الا وهي العزوف الكبير والمقلق عن المشاركة والانخفاض كبير في عدد الناخبين والتي تبين مدى الانتكاسة والارتداد الكبير للعملية السياسية والتجربة الديمقراطية التي تمثل الانتخابات فيها جوهر الممارسة ويعني التراجع عنها انهيار المسار وعودة صاغرة للدكتاتورية المقيتة وضياع كل التضحيات والمنجزات التي تحقق بعد صبر طويل وكواكب من المضحين على خط الحرية. وهذه الازمة لم تتولد من فراغ او نتيجة لضغط سياسي او رأي منفرد بل جاءت من رحم معاناة وسلسلة طويلة من الإخفاقات والمشاكل والفساد الإداري والمالي وضياع هيبة الدولة وتقصير في تطبيق القانون واحترامه مما ولد جدار فاصل بين المواطن والعملية السياسية التي نتجت من ممارسة الانتخابات لذلك حين يفكر الناس في الثورة على هذه التجربة لا يجد سوى الانتقام من صندوق الانتخاب ومقاطعته ليترك الساحة خالية من الشرفاء ويفسح المجال للوصوليين والانتهازيين من الظفر بالمراكز القيادية والتحكم بمقدرات الشعب . ان مرحلة ما بعد سقوط الصنم وتحول القيادة بيد الشعب الذي قدم ممثليه في البرلمان ومجالس المحافظات شهدت تراجع كبير في الواقع الخدمي وتلاشي أحلام كانت ترافق المواطن البسيط من اجل تحقيقها والوصول الى خط الحياة الانسانية البسيطة التي تتمتع بها دول اقل ثروة وموارد بشرية من العراق. كما ان شعور العراقيين ان القانون وتطبيقه بات مسألة انتقائية تطال البسطاء من الشعب وينجو من يده الراسخون بالسلطة واصحاب النفوذ والمال. ان ما نحتاجه في هذا الوقت الحساس والخطير من مسيرة بلدنا هو تحقيق تغير جذري في أنفسنا وحبنا للذات ونقديم مصلحة الوطن على مصلحتنا حتى تكون لنا القدرة على اقناع الآخرين اننا اهل للقيادة والخدمة ومؤهلين لأحداث التغيير المطلوب في واقعهم المتردي. وعلينا الالتزام برأي المرجعية وتوجيهاتها بالذهاب للانتخابات ومنع اي شخص من مصادرة رأي وحقي ومصيري من خلال حسن الاختيار والتمسك بحقي وإعلاء صوتي الانتخابي وسط ضجيج حملات التشويش والتخويف حتى لا اندم وأعاتب في واقع بلدي ومدينتي ما دمت منهزم من ساحة الاختيار ومنطوي منكسر أمام الظالمين .
مقالات اخرى للكاتب